مع انطلاق عمليات التسويق انشغال مؤسساتي في حسابات البيدر.. والسماسرة يجوبون الحقول بحثاً عن الغلال

مع انطلاق عمليات التسويق انشغال مؤسساتي في حسابات البيدر.. والسماسرة يجوبون الحقول بحثاً عن الغلال

أخبار سورية

السبت، ١٧ يونيو ٢٠١٧

من الحقول الذهبية على مد النظر التي لا تحتاج إلى سماد، ولا إلى أدوية، وإلى وقود، ولا إلى خيوط وأكياس، ولا سماسرة لأنها متوفرة وبكثرة، ويديرها الفلاحون بعفويتهم ودرايتهم في آن واحد، وكنت أنتظر مثل كل أبناء الفلاحين بيع الموسم، لأحصل على ثياب جديدة، أو كرة قدم، وفي أحسن الأحوال دراجة هوائية وسط رفض وأعذار الأهل لأن عليهم تسديد ديون السنة،  وهكذا.. ولكن رغم فداحة هموم الفلاحين والمزارعين آنذاك، غير أنها لا تقارن بما يجري، ويحدث اليوم وفق رواية أهلنا وجيران أرضنا، فأسعار السماد في المناطق غير الآمنة تتجاوز /50/ ألفاً للكيس الواحد و5000 لكيس الخيش الواحد، ناهيك عن جنون أسعار الأدوية والحراثة والسقاية وأجور اليد العاملة، حتى إن البعض أصبح يزرع أرضه المروية، وكأنها بعلية، ويقنع بما تقدّمه له ولحاجة أسرته فقط، فيما ذهب البعض الآخر إلى تدليل الأرض والموسم من أدوية وسماد وعدد كبير من سقايات الموسم، ولكن لا يمكن أن يبيع سعر كيلو القمح بـ /140 / ل.س، فكيلو /التبن/ بـ 200 ل.س على حد تعبير البعض، فليس من المنطق أن يبيع محصوله بعد كل التعب والانتظار وكوارث الطبيعة بأقل من التكلفة حسب تبرير الفلاحين.
تجار الأزمة
فيما أسر لنا البعض من أهلنا في سلة الغذاء السوري بالجزيرة والفرات أن هناك تجاراً وسماسرة مستعدون لشراء المواسم قبل النضوج، والبعض الآخر يشتري البيادر ليضمن التبن الذي لا يقل أهمية عن القمح، والبعض الآخر يشتريها “دوكما” دون الحاجة إلى أكياس وبسعر 250 للكيلو، أي بزيادة الضعف عن سعر مؤسسة الحبوب مع توفير أجور الحصاد والدرس و التوضيب وأجور العمال والنقل إلى مراكز التجميع وفق دفاع الفلاحين.

ترهيب بعظم الترغيب
هذا من جانب الترغيب، أما عن جانب الترهيب، فحدّث ولا حرج، كما أباح لنا بعض “الأصدقاء” في درة الفرات أن بعض التجار يجوبون الحقول برفقة قادة المجموعات الإرهابية المسلحة لشراء القمح تحت سيف الترهيب، وتخزينه ليعاد نقله خارج المنطقة، تم عبر الحدود العراقية والأردنية أو التركية، ومن لا يرغب ببيعه بالسعر الرائج، فيهمس في أذنه أنه ممكن أن يتعرض للحرق، أو بتهمة معاداة ” داعش”، أو بيعه لأنصار الدولة السورية ما يضطر الكثير لبيع محصولهم بالسعر الذي يحددونه تحاشياً لفقدانه أو فقدان أهله، خاصة وأن التهم جاهزة في مناطق المجموعات الإرهابية المسلحة، ومن المؤسف أن سلة الغذاء السوري تحت سيطرتها..  نسوق هذه الأوجاع ليس لنبرر للفلاحين أعذارهم بعدم رغبتهم لتسويق القمح إلى الحكومة، وإنما لتبحث الجهات المعنية عن ثغرات حتى في هذه الهواجس، وتأمين ما تيسر من أقماح تلك المناطق بكل السبل حتى وإن كان عن طريق تجار الأزمة، وهذا  السلوك إن وجد فهو وسام، وليس تهمة.

رأي مؤسسة الحبوب
ومن الجانب المخفي والمظلم والمؤلم إلى استعدادات الجهات المعنية بتسويق الحبوب، والبداية من جهود وإجراءات مؤسسة تجارة وتصنيع الحبوب، ولكن قبل استعراض دفاع مديرها المهندس يوسف قاسم، فمسؤولية شراء القمح تقع على عاتق ومسؤولية الأفراد والجماعات ومؤسسات الحكومة مجتمعة لأن الغاية أكبر من إمكانيات مؤسسة الحبوب، وبالعودة إلى استعدادات “الحبوب” أن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك قد حددت أسعار مبيع أكياس الخيش الجديدة بسعر /650/ ل.س بانتظار التسعيرة الخاصة بمحافظة الحسكة، كما تم إصدار التعليمات الناظمة لعملية بيع الأكياس من قبل المؤسسة،  حيث يتوفر لدى المؤسسة العامة للحبوب حاجة هذا الموسم من أكياس الخيش الجديدة، والمخزون الاستراتيجي من هذه الأكياس متوفر في فرع حمص، وجارٍ حالياً تأمين حاجة محافظة الحسكة من أكياس الخيش الجديدة وبكمية تزيد عن الـ / 4 / ملايين كيس من خلال العقد المبرم لنقل أكياس الخيش الجديدة من فرعي اللاذقية وحمص إلى فرع القامشلي لكمية /3/ ملايين كيس لاستكمال حاجة المحافظة من أكياس الخيش الجديدة لزوم تعبئة القمح المحلي فقط، وبالنسبة لباقي المحافظات متوفر حاجتها من الأكياس بشكل كامل، مشيراً إلى أن المؤسسة قد تعاقدت مع الشركة الأهلية للمنتجات المطاطية لتأمين كمية /150/ طناً من الرقائق البلاستيكية لخدمة مراكز مؤسستنا في محافظة الحسكة بينما باقي الفروع لديها حاجتها من الرقائق لهذا الموسم، لافتاً إلى إبرام عقد مع إدارة القوى الجوية لشحن حاجة محافظة الحسكة من مواد التعقيم إلى فرع القامشلي.

على ألّا يطول الإعلان
أما فيما يخص حاجة محافظة الحسكة  من الشوادر والحبال، والكلام لقاسم، تم الإعلان للمرة الأولى عن حاجتها لهذه المواد، ولم يتقدم أحد، وتمت إعادة الإعلان للمرة الثانية، وهذه المواد، علماً أن هذه المواد تتم الحاجة لها بعد انتهاء موسم الشراء، أي في شهر أيلول.

استنفار نقابي
ومن مرافعة مؤسسة الحبوب التي تأتي بخانة عمل الواجب وفق الإمكانيات، إلى دفاع اتحاد الفلاحين، فهو الآخر استنفر فروعه، وروابطه، وجمعياته الفلاحية، مع “رشة” عواطف حماسية لبيان حالة الموسم الزراعي للحبوب، من حيث المساحات، والإنتاج المقدر، والكميات المتوقع تسويقها إلى المؤسسة العامة للحبوب، وقد تم توزيع /1600/ دفتر شهادة تسويق الحبوب تعاونياً لموسم 2017 على الاتحادات الفلاحية في المحافظات لتقوم بدورها بالتوزيع على الجمعيات الفلاحية، وفق تعبير عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الفلاحين المهندس خطار عماد.

حساب البيدر
وكما يقول المثل: “الثالثة ثابتة”، فحساب البيدر لا يتطابق وحساب الحقل، والبيدر هنا شركة الصوامع، مع علمنا أن الحكم عليها سابق لأوانه،  ولكن المكتوب واضح من عنوانه، وإن كانت الشركة قد نأت بنفسها عن عمليات الأسعار والتسويق، وجل عملها هو حسن استقبال التخزين، ولا نستطيع تحميلها أكثر مما تتحمّل، لأن المشكلة بالشراء والتسويق وليس بالتخزين، مع تحفظنا على أرقام الصوامع التي في الخدمة.

ورقة التوت
معاون مدير عام الشركة العامة لصوامع الحبوب المهندس حسن المصري قد نزع ورقة التوت دون قصد عن خطابات وعواطف الجهات الوصائية، ولا عجب بذلك، لأن الصوامع هي البيدر، وحساب البيدر يناقض حسابات الحقل،  مؤكداً أن “الصويمعات” التي في الخدمة تعد على أصابع اليد من أصل ” 20″ ونيف،  وهي تتوق لرائحة القمح، وهي: اثنتان في محافظة الحسكة، وواحدة في محافظة حماة، واثنتان في محافظة حمص، وواحدة في ريف دمشق “سبينة”، ومثلها في محافظة درعا، والباقي خارج الخدمة،  والشركة اتخذت كل الإجراءات الضرورية لحسن استقبال الحبوب المسوقة.

كلام في العمق
وبعيداً عن عواطفنا، وكلام العامة، ودفاع الجهات الوصائية عن نفسها، فإنه رغم دبلوماسية الدكتور أكرم القش، (جامعة دمشق)، وصراحة وعفوية الدكتور أيمن العودة (كلية الزراعة) التي لم ترق للجهات المعنية كالعادة، حيث تقاسما الرأي بضرورة التحضير لموسم القمح فور انتهاء الموسم السابق، وتأمين الأسمدة، والبذار المحسنة، والأدوية الموصوفة ومضمونة النتائج، وتوفير أكياس الخيش قبل أشهر من الحصاد، ووضع سعر يرغب الفلاحون والمزارعون وحتى السماسرة والتجار ببيعه للحكومة، وليس وضع سعر من على طاولات دمشقو فإن الأسعار التي تضعها الأقلام الخضراء والأيدي التي لم تحرث، ولم تسق أرضاً، ولم تحصد موسماً، وتخمن الأسعار من قاعات مكيفة، لا تستطيع أن تنصف الفلاح، خاصة في هذه الظروف، فالمطلوب شراء القمح السوري تحت كل الظروف حتى ولو كان سيىء الجودة، وهذا غير موجود وحتى لو كان أغلى بـ 50 ليرة عن السعر الرائج لعدة اعتبارات: أولها لمكافأة الفلاح لاستمراريته بزراعة أرضه، والتصاقه بها، وتقوية مشاعره الوطنية، وقطع الطريق على السماسرة الذين يجوبون الحقول لتصيد المحصول الهارب من هنا وهناك، والأهم من ذلك أن هذه الأثمان، أي أثمان القمح، هي لأسرنا، ولأولادنا، ولأرضنا، ومطلوب من كل الجهات الحكومية التعاون، إن لزم الأمر حتى مع التجار، مع هامش ربح لهم لتأمين القمح السوري في أوقات مبكرة، خاصة أن أسعار الأقماح العالمية والإقليمية قد انخفضت، وهذا يصب بخانة مصلحتنا، ويسهل مهمتنا بتأمين مخزون استراتيجي كاف وآمن، والأهم مما تقدم هو ضمان المخزون الاستراتيجي في مناطق الري المستقرة في وطننا حتى “يخلق الله أمراً كان مقضياً”، وفق تعبيرهم.

الرغيف خط أحمر
أبدأ وأنهي بكلام وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة “كونداليزا رايس” عندما قالت: “لا نستطيع أن نضغط على سورية لأن لديهم قمحاً”، هذه العبارة لا تحتاج إلى تفسير، ولا إلى توضيح، والمطلوب ليس من مؤسسة الحبوب أو من الفلاحين فقط شد الأحزمة، وإنما على كل الجهات المعنية الوصائية، وغيرها، والاستنفار، وتأمين الحاجة من القمح بما يكفي، وإن زاد لا ضير في ذلك، لأنه ذهب أصفر، ولا ننتظر الأيام والأشهر تمر والصوامع خاوية على عروشها، ليتنطح البعض بحفلة ردح لغاية في نفسه، ويقول: تعاقدنا على شراء كمية من القمح تحت تسميات ائتمان، أو غيرها، وعندما يذوب الثلج ويظهر المرج نكتشف أن أسعاره مضاعفة “على المحلي”، بل وأقل جودة، ويمكن أن يكون هذا المستورد من قمح بلادي بعد أن قام بجولة سياحية إقليمية ودولية، فالرغيف خط أحمر.
عارف العلي