هل كسرت سورية "عَظَمة" أميركا؟

هل كسرت سورية "عَظَمة" أميركا؟

أخبار سورية

الثلاثاء، ١١ أبريل ٢٠١٧

عاجل - ماهر خليل
لم يرُق للولايات المتحدة وحلفائها الثبات الذي أبداه الجيش العربي السوري خلال الفترة الماضية على جبهتين يعتبران من أهم الجبهات "الحامية" في سورية، فعندما صدّت "حامية دمشق" الهجوم الذي أعلنته الفصائل الإرهابية على شرق العاصمة، والذي كان يهدف للسيطرة على مداخل العاصمة، وتبعه بعدها بأيام إعلان معركة أخرى "فاشلة"، كان هدفها الاقتراب من حدود محافظة حماة الشمالية، شمّّرت الولايات المتحدة عن زنودها مباشرةً حيث كانت أمام خيارين أحلاهما مُرّ: الأول: هو سحب يدها من دعم الفصائل الإرهابية بعد فشلها في تحقيق أي خرق باتجاه خطوط الجيش العربي السوري الدفاعية سواءاً في دمشق أو في حماة، بالتزامن مع تأخّر الفصائل الإرهابية في الجنوب السوري، في السيطرة على حي المنشية الاستراتيجي، والذي تعتبر الميليشيات أن سقوطه يعني سقوط مدينة درعا كاملةً بيدها، فحاول دونالد ترمب "جس نبض" الفصائل بتصريحيين سبقا "الاعتداء الكيماوي" الذي اتُهم الجيش فيه، فقال بدايةً أنه لايرغب في "إزاحة الرئيس الأسد" وأنه ينوي قتال التنظيمات الإرهابية كأولوية لإدارته، ثم تهديد الفصائل المسلحة في سورية بسحب الدعم المادي منهم ووقف الرواتب التي تدفعها الولايات المتحدة لهم.
ثانياً: الدخول بشكل مباشر في المعركة ضد "النظام السوري"، وهو ما سيمنح الجانب الروسي الحجة اللازمة لتوسيع دخولها بشكل أوسع في الأزمة السورية لحماية "قواعدها العسكرية" من جهة، ومن جهة أخرى إيفاءاً لتعهّداتها بحماية الدولة السورية في حال تعرّضت لعدوان خارجي، وبالتالي فإن إدارة ترمب باتت أمام عائق استراتيجي فهي لاتملك الوقت لحساب تبعات مهاجمة الدولة السورية، خاصة وأن الرأي العام الدولي كان بدأ بالانقلاب على ما يسمّى "المعارضة المسلحة" في سورية، وبالتالي هذا يعني الإحراج لإدارة ترمب التي ستُتهم بدعم الفصائل المتشددة على حساب الحكومة السورية "العلمانية" والمرنة في التفاوض، إضافة إلى أن تماسك الدولة السورية مع مرور سنوات الحرب عليها، كان دافعاً واضحاً للرأي الغربي للتفكير بالعودة تدريجياً في اتخاذ مواقف مساندة للحكومة السورية وهو ما بدا مكشوفاً من خلال تصريحات المرشحين للانتخابات الفرنسية، وبعض المسؤولين البريطانيين والألمان والأمريكيين أيضاً.
هنا، وعندما رأى دونالد ترمب نفسه "محصوراً في الزاوية" ومحرجاً أما ثبات القيادة السورية التي ظهرت أما أعدائها أنها في "الموقف الأقوى"، ذهب باتجاه "السلاح الكيماوي"، فدفع التنظيمات الإرهابية لاستثمار غارة جوية نفذها سلاح الجو السوري على ثلاثة مخازن أسلحة تملكها "جبهة النصرة" في خان شيخون، وإشاعة استخدام السلاح الكيماوي من قبل الجيش السوري على "المدنيين" في المدينة التي لم تشهد أي اشتباك منذ أكثر من عام ونصف العام مع الجيش العربي السوري، بل أصلاً خان شخون تبعد عدّة كيلومترات عن خطوط الاشتباك وهي لا تشكل أي خطر على الجيش العربي السوري في المنطقة، لـ"يضرب عصفورين بحجر واحد" وهما: الأول: إنزال نفسه عن الشجرة التي صعد إليها بتصريحاته الأخيرة حول "مستقبل الرئيس بشار الأسد" والتي لاقت صداً عند الروس والسوريين والإيرانيين، فيما أغضبت بريطانيا وتركيا والسعودية وإسرائيل وقطر، والفصائل الإرهابية التي تقاتل على خطوط قريبة من تواجد "قوات أمريكية" في الشمال السوري.
ثانياً: الظهور أمام "حلفائه" بمظهر الرجل القوي القادر على تنفيذ تهديداته وعدم الاكتفاء بالكلام والوعيد كما كان سلفه باراك أوباما، وهو ما يؤكده التضارب في التصريحات التي أعقبت الاعتداء على مطار الشعيرات العسكري بريف حمص الشرقي، فتارةً قال البيت الأبيض والبنتاغون أنها "لن تتكرر"، وتارةً أخرى "سنكررها"، ومن ثم الكشف عن مخطط من ثلاثة بنود يستهدف الدولة السورية عسكرياً منها قصف القصر الجمهوري وسط العاصمة دمشق، واستهداف الدفاعات الجوية السورية "الرئيسية".
الملفت في الأيام القليلة الماضية، هي إصرار إدارة دونالد ترمب وحلفائه، على الاستمرار بإطلاق التصريحات "التهديدية" لسورية، في وقت ألمحت موسكو بالرد المباشر على أي اعتداء آخر في سورية، إلا أن التصريحات الأمريكية، ظهرت وكأنها تريد للرأي العام أن لا ينسى "بطولات ترمب" في سورية، على أن لا يأخذهم الرد السوري المباشر بإقلاع الطائرات بعد "ساعتين" فقط من مطار الشعيرات، على حساب "الهجوم الصاروخي" الذي قال ترمب أنه أمر به شخصياً، وعلى إثره استُهدف المطار العسكري بـ59 صاروخ توما هوك.
من غير المعلوم حقيقةً إن كانت الإدارة الأمريكية "المنقسمة" تنوي تكرار الاعتداء على سورية أم لا، لكن من المؤكد أن دونالد ترمب الذي يحاول أن يدمج السياسة بالتجارة التي يمتهنها، يحاول أن يقامر أمام روسيا وإيران ويرمي بورقه على الساحة السورية ليحصل على "السقف" في مرابحه الشخصية وليست العسكرية، فهو لا يكترث للوضع السوري مثله كمثل أي دولة عربية أو غربية، لكنه يهتم بأن يقال عنه "الرجل" الذي وقف بوجه روسيا وأجبرها على التنازل في الملف السوري .. وهو ما لم يحصل عليه حتى اللحظة على الأقل، وهو ما يُبرر فتح الجبهة الجنوبية في سورية، وقيام الولايات المتحدة مع السعودية، بحشد قواتهما في الأردن بحجة ضرب التنظيمات الإرهابية من الجنوب السوري وصولاً إلى البادية، لتأمين الحدود الشمالية للأردن مع سورية، مع العلم أن ما يسمّى فصائل "معارضة"، كانت تمكنت من هزيمة داعش في القلمون الشرقي وسيطرت على معبر التنف مع العراق ومازالت، فما هو مبرر الحشود العسكرية في الأردن؟.
على ما يبدو أن مشكلة دونالد ترمب باتت مع "الرئيس السوري بشار الأسد" شخصياً، هذا الرئيس الذي لم ينتظر لليوم التالي للاعتداء حتى يرد على الولايات المتحدة بـ"جلالة قدرها"، فأمر النسور في سلاح الجو العربي السوري بتفعيل المطار للتأكيد أمام ترمب "أننا لو اضطررنا للتحليق بدون مدارج طيران سنحلّق بطائراتنا، فكما أرضنا حرام عليكم .. سماؤنا حرامٌ أيضاً"، وهو ما لم يرُق للرئيس الأمريكي الذي كان يتوقع فيما يبدو أن يُطئطئ له الرئيس السوري كما يفعل أمامه حكام الأردن والسعودية وغيرهم. لكنه وعندما رأى أن الاعتداء سينقلب عليه عكساً، بدأ بالتخبّط، فدونالد ترمب الذي لا يعرف حتى اللحظة "موقفه" من بقاء الرئيس الأسد على رأس السلطة في سورية أم لا، وجد نفسه أمام نارين، فالسعودية التي دفعت له "كاش" ثمن الاعتداء على سورية تخاف من بقاء الرئيس الأسد في السلطة، كما هو الأمر في تركيا وإسرائيل وقطر والأردن، هؤلاء يخافون من "ثأر" الرئيس الأسد لدماء آلاف السوريين الذي قتلوا بالمال والنفط العربي والسلاح الغربي، ولعشرات المدن ومئات المصانع المعامل التي كانت تُرشح سورية لتكون من أفضل دول العالم على المستوى الصناعي والتجاري والعمراني، كما كانت قبل الحرب .. هم يخافوا من بقاء الرئيس الأسد في السلطة لأنه الوحيد القادر مع الشعب السوري على إحياء سورية من جديد .. من جهة أخرى يخاف ترمب من توسيع روسيا رقعة تواجدها في سورية، ما يعني حرمان الولايات المتحدة من أي سلطة في الشرق الأوسط إلا على السعودية "المهددة" بالإفلاس، أو تركيا التي تنتظرها "ايام دموية" .. أو حتى الأردن المرشح الوحيد لانتشاله من "معمعة" نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس .. حيث سيكون لعبدالله الثاني الدور الأبرز في بيع ما تبقى من فلسطين لإسرائيل ومعها الولايات المتحدة.