في دير الزور المحاصرة.. السيارة ثمناً للطعام.. والمفروشات للتدفئة !

في دير الزور المحاصرة.. السيارة ثمناً للطعام.. والمفروشات للتدفئة !

أخبار سورية

الأحد، ٩ أبريل ٢٠١٧

يسرى ديب

 توحي لهجتها بأنها من محافظة دير الزور.. لم يسبق لنا أن تعارفنا أو التقينا، ولكن جمعنا مقعد واحد ضمن وسيلة نقل عامة " مهرهرة"،في رحلة قصيرة جداً بسرفيس من منطقة مزة 86 إلى جسر الرئيس بدمشق.

روت المهندسة المهجرة أم نواف الكثير من التفاصيل الموجعة التي تمثل عينة من حياة السوريين في دير الزور، وربما كحال الكثير من المحافظات الأخرى، حيث نفد كل شيء، وأصبح فرش البيت يستخدم كحطب للطبخ بعد الإنقطاع التام لأي نوع من مصادر الطاقة. هناك حيث أصبح سعر السيارة أقل من سعر بضع كيلوات من الأطعمة.

مرغمة ومكرهة

لم ترعب أن تترك بيتها الذي أمضت 35 عاماً في إشادته بمحافظة دير الزور، فقد صمدت وتمسكت فيه منذ بداية الحرب وحتى العام الماضي، صبرت وأولادها على الحصار وخطر القذائف، حتى أصبح الخطر يهدد وجودهم بحد ذاته كما كل السكان هناك.

تضيف أم نواف "هجرت بيتي.. القصر وأتيت للعيش هنا في بيت سيء بمنطقة مخالفات، تركت في ذاك البيت كل شيء: عمري.. وذكرياتي، محتوياته الكبيرة منها أوالصغيرة، الأشياء الرخيصة أو الثمينة التي لا تقدر بثمن".

كل ما أخذته من بيتها هو محفظة وضعت فيها الوثائق الثبوتية، فلربما عادت يوماً إلى "بلدها" بعد هذه "التغريبة" عندها يجب أن يكون معها ما يثبت ملكيتها لما بقي من هذا البيت أو تلك الأرض.

لا تعرف ما الذي حلّ بمكتبها الهندسي الذي كان في قلب المدينة، ولا بسيارتها التي تركتها مركونة في الشارع.

ولماذا لم تبيعيها؟

تجيب: ومن يشتري سيارة؟ السيارات هناك تبادل ببضع كيلوات من المواد الغذائية أو الخضار، سيارتها ( هيوندا آفانتي) تقول إنها لا تباع بمبلغ 400 ألف ليرة.

سكان دير الزور في المناطق التي تسيطر عليها الدولة السورية يطبق عليهم حصار خانق، فهم لم يتذوقوا طعم الخضار منذ اشتد حصار داعش على مناطقهم. وتحول الاعتماد بشكل شبه كلي على ما ترميه الطائرات من مساعدات ومواد غذائية للحصول على الطعام، وأصبح الفوز بقطعة من الخضار أوالفواكه أشبه بالحلم.

تقول إنه في السابق كانت تصلهم الكثير من السلع عن طريق التهريب من تركيا، لكن بعدما أطبقت داعش الحصار على المناطق الخاضعة لسيطرة الدولة، أصبح هناك نقص في كل شي.

في عينيها يأس يبدو وكأنه لم يعد ينفع معه العلاج، وعلى وجهها تبدو علامات التعب والإرهاق، تتنقل بين فكرة وأخرى وهي تتحدث عن فظاعة العيش في دير الزور، وعن الأرقام الخيالية لأسعار المواد الغذائية، تؤكد أن الأسعار استنفدت كل شيء تمتلكه العائلات، فسعر كيلو السكر أكثر من 10 ألاف ليرة، وكيلو الشاي يفوق 30 ألف ليرة، وقائمة الأسعار تطول...

ماتت أمامها

أشياء كثيرة تركتها أم نواف وتشعر بالحزن والحنين عليها، لكن أكثرها إيلاماً موت أشجار الحديقة التي ربتها حتى شمخت، من شدة العطش دون أن تتمكن من سقايتها، لأن ما يصلهم من ماء لم يعد كافياً حتى للشرب، وما لم يمت عطشاً اضطروا لاحقاً لتحطيبه، واستخدامه في إشعال النار، أما الحوادث الأكثر سوءاً، فهي استخدام محتويات المنازل المصنوعة من الخشب كحطب للطبخ والتدفئة بعد تفكيك أطقم الجلوس وغرف النوم وغيرها، إذ أن السكان هناك لم يعد لديهم أي مصدر للطاقة، وأصبح الكثير من الأسر تعتمد على ما هو متاح في بيتها ريثما يتاح لهم المغادرة.

مع كل عاصفة تلم ببيتها وأولادها ينتهي بها الأمر في المستشفى، خمس مرات دخلت إلى غرفة العمليات، وفي كل مرة تخضع لعملية تركيب شبكة قلبية، أو توسيع شرايين قلب لم يعد يحتمل: في المرة الأولى عندما أجبر ابنها البكر على إخلاء بيته الذي تصفه بالقصر أيضاً، كي يتم استخدامه كمقر حربي.

وكما خسرت أم نواف أملاكها وبيتها الفسيح، تشتت أولادها الذين ربتهم وحيدة بعدما رحل زوجها منذ 33 عاماً وانتشروا في أصقاع الأرض حيث لا داعش، ولا خدمة إلزامية، وبقيت وحيدة في محافظة أخرى بمنطقة مخالفات تعيش خيبة ما وصلته الحياة كحال ألاف الأمهات في سورية.

آسيا