هكذا نتخطى أزماتنا.. اختراعات بسيطة لمواجهة المشكلات اليومية.. وأفكار تستحق التتويج على منصة الابتكار

هكذا نتخطى أزماتنا.. اختراعات بسيطة لمواجهة المشكلات اليومية.. وأفكار تستحق التتويج على منصة الابتكار

أخبار سورية

الخميس، ٢ فبراير ٢٠١٧

هل تذكرون صورة طريفة انتشرت منذ مدة على مواقع التواصل الاجتماعي، الصورة لطالب أراد التحايل على مشكلة انقطاع التيار الكهربائي، فلف بعض الشرائط، وحبال الضوء المتصلة ببطارية على يديه وجبينه، وجلس إلى طاولته يراجع دروسه، ويكمل واجباته متحدياً غياب الكهرباء، وطول فترات تقنينها، تلك الصورة الطريفة التي بدا الطالب فيها كشجرة عيد ميلاد مضيئة، والتي رسمت الابتسامة على وجه من رآها على مواقع التواصل، من المؤكد أنها حملت أيضاً رسالة فريدة عن إبداعات السوريين وحلولهم الكثيرة التي تنوعت بين الطريف والمضحك، والعملي والفعال، والبسيط والمعقد، وكانت تظهر تباعاً في ظل الأزمة السورية وتبعاتها، مؤكدة عزيمة السوريين وتحديهم وحلولهم المختلفة التي كانت عملية ومجدية في مختلف الإشكاليات التي عرفوها.
أمثلة كثيرة
وربما تتنوع الأمثلة، وتكثر القصص عن إبداعات مختلفة ظهرت مع كل أزمة واجهت المجتمع السوري، والتي كان آخرها مثلاً أزمة المياه، وفيها ظهرت أفكار طريفة أيضاً، لكنها تنطوي على جانب إبداعي وعملي للتعامل مع المشكلة، فمثلاً  قامت بعض العائلات بتحويل “غالونات” المياه البلاستيكية إلى خزانات صغيرة، وتم وصل تلك “الغالونات” بحنفيات مياه، لتستخدم بديلاً عن المغاسل، أو تم وصلها إلى الغسالات الكهربائية التي تحتاج المياه لتشغيلها، في حين ظهرت صور أخرى على مواقع التواصل الاجتماعي، تبيّن لجوء عائلات أخرى إلى الاستفادة من كل الأواني والحافظات البلاستيكية الموجودة في منازلهم لتملأ بالمياه خشية انقطاعها مجدداً في صور تحمل الكثير من الطرافة، أمثلة إضافية عرفها المجتمع السوري في أزمات أخرى خاصة في أشهر البرد التي غاب وقود التدفئة فيها عن العائلات والمنازل، فظهرت إبداعات، وحضرت الأفكار، فكان هناك من حوّل جرة الفخار لمدفأة صغيرة عبر وضعها بشكل مقلوب فوق بضعة شموع، ورفعها عن مستوى الأرض قليلاً، لتحبس الحرارة بداخلها وتحفظها، وهناك من استفاد من زيوت السيارات المنتهية الصلاحية وغيرها من المواد واستثمرها في التدفئة، كذلك في ظل أزمة الكهرباء كانت هناك حلول عملية مختلفة، ويؤكد أبو لؤي، رب أسرة، أن الأزمات تحرض التفكير الإبداعي، وتدفع من تقع عليه لتطوير أفكار مختلفة للتعامل  مع المشكلة، فاليوم لا يخلو منزل من منازل السوريين من بطارية جافة، وليدات ضوء للتحايل على انقطاع الكهرباء، وتوفير الإضاءة، ويؤكد علي “الطالب الجامعي” كذلك على أهمية الاستفادة من أي فكرة جديدة تظهر، وتعميمها على مواقع التواصل الاجتماعي لتعم فائدتها، مؤكداً حقيقة أن السوريين شعب خلاق.

أكثر إبداعاً
وربما يتحول إبداع السوريين في ظروف أخرى أكثر استقراراً لمراحل أخرى تتخطى الطرافة، والبحث عن حلول بسيطة للتعامل مع المشكلات اليومية التي نتجت عن الأزمة إلى إبداع متفوق، واختراعات تنافس الابتكارات الأوروبية، وتوظف في مشاريعها التكنولوجية، فمن فترة قريبة فاز اختراع سوري للمهندس عبد الرحمن الأشرف بجائزة الشباب الأوروبي بعد تقديمه لحل مبتكر لانقطاع الانترنت، ونقل المعلومات دون الحاجة لشبكة، وتعتمد الفكرة التي قدمها الشاب بحسب موقع “هافينغتون بوست huffing post” على طرق بسيطة، لكنها مبتكرة لتكوين الشبكة بين الأشخاص باستخدام هواتفهم الذكية بدلاً من الاعتماد على أبراج التغطية أو الأقمار الصناعية، وبالتالي ستكون نقلة ثورية في عالم الاتصالات ليغير مفهوم الانترنت التقليدي، ويقول عبد الرحمن: إن مشروعه يعمل على مبدأ نقل الرسائل من قبل ساعي البريد، لكن عوضاً عن الورق يتم النقل “الكترونياً”، كما أكد الشاب، إلى أن ظروف الأزمة في سورية كانت دافعه الأساسي، لكن الأمر لا يقتصر على بلاده، فالحروب والكوارث في العالم لا تنتهي، ضارباً المثل باليابان، وايطاليا التي كثيراً ما تشهد زلازل، فيمكنها أيضاً الاستفادة من اختراع كهذا، وحتى في الدول المتقدمة سيساعد الاختراع في الحالات التي تتعطل فيها الاتصالات لأسباب تقنية، والسوري عبد الرحمن كان قد درس الهندسة المعلوماتية (تخصص برمجيات) في دمشق، ثم جاء بموجب منحة تدريبية إلى ألمانيا منذ قرابة العامين والنصف ليقدم بتفوقه مثالاً جديداً لإبداع السوريين.

مستويات مختلفة
في ظروف الأزمات يجد الإبداع طريقه، وتظهر الابتكارات الفريدة، والحلول العملية، يؤكد الدكتور مهند إبراهيم، اختصاصي علم نفس النمو، هذه الحقيقة مبيّناً أن العملية الإبداعية حالة تنطوي على أفكار جديدة ومفيدة ومتصلة بحل مشكلات معينة، أو تجميع وإعادة تركيب الأنماط المعروفة من المعرفة في أشكال فريدة، وبحسب د. إبراهيم فقد شكّلت الأزمة السورية بالفعل حالة تحريض وبحث دائم عن أفكار تناسب الواقع المستجد، ولكن يمكن القول: إن معظم الحالات التي شهدناها كانت مستويات فردية دون أن نصل لحالة الإبداع الجماعي، فالإبداع، بحسب د. إبراهيم، يصنّف لمستويات مختلفة، منه الإبداع الفردي الذي يتمتع به أفراد بخصائص فطرية كالذكاء، والموهبة، أو مكتسبة تأتي بالتدريب على حل المشاكل، وابتكار أفكار إبداعية خلاقة للتطوير، وهذه الخصائص يمكن التدرب عليها وتنميتها، ويساعد في ذلك ذكاء الفرد وموهبته، أو يكون على مستوى الجماعات، حيث يكون التعاون لتطبيق الأفكار التي يحملونها، وتغيير الشيء نحو الأفضل، كذلك يتحدث د. إبراهيم عن تصنيفات أخرى، فبحسب (تايلور) هناك إبداع التعبير، والإنتاج، والاختراع، والابتكار الذي يشير إلى التطوير المستمر للأفكار، وينجم عنه اكتساب مهارات جديدة، وهناك أخيراً إبداع الانبثاق، وهو نادر الحدوث لما يتطلبه من وضع أفكار، وافتراضات جديدة تماماً.
نحو جيل خلاق
ويؤكد الدكتور إبراهيم أهمية العمل على خلق جيل من الأطفال يتمتع بمهارة حل المشكلات، ويطور الحلول الإبداعية المختلفة، فالطفل يتمتع بسمات وخصائص تجعله أكثر قابلية من غيره لاكتساب المهارات وتطويرها، وإيجاد آليات فريدة لحل المشكلات، وعموماً يمكن القول: إن هناك خصائص وسمات شخصية عامة للشخصية المبدعة كالذكاء، والثقة بالنفس، ودرجة التأهيل، والثقافة، والقدرة على استنباط الأمور، ويمكن أن نلاحظ أن الطفل المبدع يمر بمرحلة طفولة غير مستقرة، ما يعزز الاندفاع لديه لإثبات الوجود، وإثبات الذات، وقد يكون من أسرة مفككة، أو فقيرة، أو من أحياء شعبية، لذلك من المهم البحث عن الأطفال الذين يتمتعون بصفات الإبداع، واحتضانهم من قبل المختصين والتربويين، وتأمين مستلزمات الإبداع لهم، وتحفيزها بطرق مختلفة كإثارة تساؤل، أو طرح فكرة، والبحث عن إجابة لها عن طريق قصة صغيرة تجذب الطفل، ومن الشروط المطلوبة أيضاً لخلق الحالة الإبداعية التشجيع الدائم، فمرحلة الاختبار تحتاج إلى شجاعة عند تقديم أفكار لم يتم طرحها من قبل، ومن الضروري ختاماً القدرة على تنفيذ الأفكار الإبداعية التي يحملها الشخص المبدع أو الطفل، ولكن الأكثر أهمية هو الانتقال بالأفكار والحلول التي تظهر من الحالة الفردية إلى الحالة الجماعية، وعدم الاستهتار بأية فكرة أو ابتكار لحل مشكلة أو التعامل معها.

محمد محمود