الثروة الحيوانية السورية واقع صعب وأرقام صادمة

الثروة الحيوانية السورية واقع صعب وأرقام صادمة

أخبار سورية

الجمعة، ٢١ أكتوبر ٢٠١٦

مؤشرات وأرقام صادمة سجلها قطاع الثروة الحيوانية نتيجة الأزمة التي تتعرض لها سورية، فقد أكدت وزارة الزراعة مؤخراً، أن هناك تراجعاً ملحوظاً في أعداد قطعان الثروة الحيوانية خلال السنوات الأخيرة، إذ انخفض قطيع الأبقار بنسبة 30 في المئة، في حين انخفض قطيع الأغنام بنسبة 40 في المئة، بينما ارتفعت نسبة الانخفاض في قطيع الدواجن إلى أكثر من 50 في المئة.
ومن منطلق كلمة (ثروة) فإنها تعبر عن شيء ثمين، لذا يجب عدم التفريط به، والعمل على المحافظة عليه وتنميته، فكيف يمكن ذلك في ظل الظروف الراهنة؟..
تداعيات الأزمة على قطاع الثروة الحيوانية
سنلقي الضوء هنا على أهم الصعوبات التي تواجه الثروة الحيوانية في سورية والطرق والمحاور تنميتها، فقد أكد مستشار اتحاد غرف الزراعة السورية عبد الرحمن قرنفلة أن أهم تداعيات الأزمة الراهنة على قطاع الثروة الحيوانية تتمثل بحرمان الأغنام والماعز من ارتياد مناطق المراعي الطبيعية والاستفادة من النباتات الطبيعية المجانية، وتعذّر نقل منتجات المربّين من الألبان والاجبان والصوف وغيره إلى أسواق الاستهلاك، مشيرا إلى تأثّر قطاع الأبقار بشكل حاد نتيجة خروج مصانع خلط المواد العلفية من الخدمة بفعل التخريب الذي تعرضت له، وتوقف معظم المصانع المنتجة لكسبة القطن وقشر القطن في حلب عن الإنتاج، إضافة إلى تراجع إنتاج مطاحن الحبوب من نخالة القمح، وتعرّض مستودعات المؤسسة العامة للأعلاف في أكثر من محافظة للنهب والسرقة والتخريب، وإعاقتها عن توزيع حتى المقننات العلفية المقررة والتي يعتمد عليها المربون في سد جزء من حاجة قطعانهم للمواد العلفية.
وأضاف قرنفلة: يضاف إلى ذلك أيضاً، تراجع نسب تنفيذ التحصينات الوقائية للثروة الحيوانية، نتيجة عدم قدرة الفنيين البيطريين على الحصول على اللقاحات وعدم تمكنهم من الوصول إلى مناطق وجود الثروة الحيوانية في حالات أخرى. وتخفيض نسب تنفيذ خطط وبرامج ومشاريع وزارة الزراعة الهادفة إلى تطوير الثروة الحيوانية بوجه عام وتنمية إنتاجية المراعي الطبيعية والأغنام بشكل خاص، مؤكداً أنه لا يمكن إغفال خطورة التهريب المتعمد للثروة الحيوانية خارج البلاد، وذبح صغار المواليد الإناث التي تشكل جذور القطعان.
أرقام ونسب صادمة
ولفت إلى أن هذه التداعيات أدت إلى تغيرات عميقة وبوتيرة غير مسبوقة في بنية هذا القطاع. فقد أدى العنف السائد منذ خمس سنوات ونيف في مناطق انتشار الثروة الحيوانية إلى انخفاضات كبيرة في الإنتاج الحيواني، وذلك إلى جانب التأثيرات الكبيرة والمهمة للأزمة والتغيرات البنيوية التي شهدها القطاع ذاته في ظلها. هذا الواقع أدى إلى خلل في الإنتاج الحيواني التجاري والسلاسل الغذائية المرتبطة به. وفي الوقت ذاته، خسر عدد كبير من سكان المناطق الريفية قطعانهم جزئياً أو كلياً، وألحق ذلك ضرراً بالغاً في سبل المعيشة والأمن الغذائي الأسري في تلك المناطق.
وتشير دراسات إلى أن 30 بالمئة من مربي الأغنام فقدوا كامل قطعانهم، ونحو 20 بالمئة من المربين باعوا مواليد قطعانهم قبل وصولها إلى العمر الإنتاجي، وأن 58 بالمئة من مربي الأغنام باعوا نصف قطعانهم. وأن قطاع الدواجن خسر نحو 75% من طاقته الإنتاجية، كما خسر قطاع الأبقار أكثر من 40% من القطيع، وما هو خطير في الأمر أن المربي يبيع في المرحلة الأولى النعاج المعمرة وضعيفة الإنتاجية، ثم يبيع النعاج عالية الإنتاج مع مواليدها الإناث والذكور وجميعها تساق للذبح، وقد حدث انخفاض في أسعار مبيع النعاج في أكثر من محافظة في وقت مبكر من سنوات الأزمة نتيجة زيادة المعروض منها بفعل عدم القدرة على توفير الأعلاف اللازمة لتغذيتها.
ولفت إلى أن جميع تلك العوامل تركت آثاراً خطيرة تمثلت في ارتفاع أسعار المواد العلفية وارتفاع بدلات ضمان المحاصيل العلفية بنسب تراوحت بين 130 و580 بالمئة وفقاً لنوع المحصول والموقع، وارتفاع هذه الأسعار أدى إلى انتشار نوعيات رديئة من الأعلاف ساهمت بخفض مستويات الإنتاج، إذ تراجع إنتاج أنثى الأغنام 70 بالمئة ما تسبب في خفض دخل المربين، كما ارتفعت نسب إجهاض إناث الحيوانات الحوامل إذ سجلت الأغنام نسب نفوق تجاوزت 18 بالمئة في حالات كثيرة، وهذا يفوق المعدل الطبيعي بنحو 6 مرات فضلاً عن ظهور مشاكل صحية مكلفة.
ونظراً لأن قطاع الثروة الحيوانية هو أسرع القطاعات نمواً في الاقتصاد الزراعي فإن تنميته والتحولات الايجابية التي يمكن أن يشهدها يتيحان فرصاً مهمة للتنمية الزراعية وتقليص الفقر وتحقيق مكاسب ملموسة في مجال الأمن الغذائي، وهذا يجعل من الضروري معالجة الواقع الذي آلت إليه الثروة الحيوانية السورية من أجل كفالة استعادة هذا القطاع لدوره الحيوي والهام.
ومن الجدير بالذكر أن قطاع الثروة الحيوانية يعدّ نشاطاً متعدد الوظائف والأدوار. فإضافة إلى دوره المباشر في إنتاج الغذاء وتوليد الدخل، تعتبر الحيوانات أصولاً ومدّخراتٍ ثمينة، فهي تعمل خزاناً للثروة وتستخدم ضماناتٍ للقروض وشبكة أمانٍ أساسية في أوقات الأزمات.
ويعتبر قطاع الثروة الحيوانية أكبر مستخدِم لموارد الأراضي. إذ يساوي مجموع مساحات الأراضي التي تحتلها المراعي 55% من مساحة البلاد، كما تشكل مساحات الأراضي المحصولية المكرسة لإنتاج الأعلاف نسبة مهمة من مجموع مساحات الأراضي الزراعية.
محاور تنمية الثروة الحيوانية
وعن سبل تنمية الثروة الحيوانية بعد هذه الأرقام الصادمة بين مستشار اتحاد غرف الزراعة أنها تتمثل بعدة خطوات تتمثل بـ:
1-الأعلاف والمراعي: تعتبر الموارد العلفية عامل التمكين الأول للثروة الحيوانية، إذ يشكل نقص الأعلاف اكبر عائق أمام تنمية الإنتاج الحيواني، لذلك لا بد من التوسع بإنتاج الأعلاف واستنباط أصناف ذات احتياجات أقل للمياه، وإدخال تربية الحيوان في المناطق الزراعية. ورفع كفاءة الاستفادة من الموارد العلفية غير التقليدية المتاحة وتحسين القيمة الغذائية للمخلفات الزراعية. واستيراد ما يغطي العجز العلفي ريثما يتم معالجة الموقف الراهن للموازنة العلفية.
2-العنصر البشري: ساهمت الأزمة بإحداث خلل في التوزيع الديموغرافي للسكان وتخلى كثير من مربي الثروة الحيوانية عن قطعانهم، وهذا قد يترك أثراً معيقاً لتنمية الإنتاج الحيواني على المديين القصير والمتوسط، لذلك لا بد من إعداد سياسات تشجع المربين على العودة إلى ممارسة أنشطتهم، كما أن تنمية المجتمعات الريفية تحتاج إلى معالجات خاصة متكاملة لا تتعلق بتنمية المجالات الفنية فحسب وإنما تشمل التنمية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.
3-السياسات والخدمات: مطلوب وضع خطة شاملة ومتكاملة لتنمية الثروة الحيوانية وتنفيذ المشروعات بطريقة مركزة بعد توفير المعلومات الكافية عن الجوانب الفينة والاقتصادية المتصلة بها وإيجاد تنسيق كاف ما بين الوزارة المعنية بقطاع الثروة الحيوانية والوزارات الأخرى ذات العلاقة، وتأمين الموارد المالية اللازمة للتنمية لما لها من اثر كبير في ترتيب تنمية الثروة الحيوانية في سلم الأولويات خاصة أن مشاريع التنمية المتكاملة تحتاج إلى برامج بعيدة المدى والى استثمارات مالية مرتفعة نسبياً.
ومطلوب التركيز على خدمات الإرشاد الزراعي، وزيادة التوعية، وتوفير المعلومات، والمعرفة، والتوجيه، والدعم الفني، من أجل المساعدة في إنتاج منتجاتٍ حيوانية كافية، جنباً إلى جنب مع تحسين سبل معيشة السكان ذوي العلاقة وتلبية احتياجات المواطنين
ويجب أن يركز برنامج الحكومة في هذا المجال على التنمية المستدامة لقطاعات تربية الحيوانات المنتجة للألبان والحيوانات المنتجة للّحوم وعلى تربية الدواجن، إلى جانب تربية المجترات الصغيرة (الأغنام والماعز)، وحيوانات السحب والجرّ. مع الأخذ بعين الاعتبار صحة الحيوانات والاستخدام الرشيد للموارد الوراثية الحيوانية، والتغذية والعلف المستدامين للحيوان.
ولفت إلى أنه يجب تأمين عدد كبير من العوامل المشجعة لتنمية الثروة الحيوانية أهمها:

*. توفير الخدمات الأساسية مما يشكل دافعاً أمام تنفيذ مشاريع تنمية الثروة الحيوانية التي تنتشر في مساحات شاسعة.

*. ملاءمة سياسات تسعير المنتجات الحيوانية مع التطور المرغوب لقطاع الثروة الحيوانية، وإكساب نظم الأسعار الجبرية المرونة الكافية بما يضمن قدرتها على التكيف مع الأوضاع المتغيرة، وتحقيق التوازن بين نسبة أسعار الأعلاف والمنتجات الحيوانية.

*. إيجاد نظم مقبولة لتسويق المنتجات الحيوانية ورفع كفاءة نظم التسويق وخفض التكاليف وغيرها من العوامل التي تؤدي إلى خفض المدى بين سعر المنتج والمستهلك، مما يشجع على إدخال تطويرات جديدة في مجال تربية الحيوان وخاصة في القطاع الرعوي.

*. توجيه اهتمام خاص لتوفير الخدمات الصحية البيطرية وتأمين احتياجها من الإمكانات بشرية والمادية.

*. رفع كفاءة أداء الهيئات والمعاهد والمراكز المهتمة بدراسات وأبحاث الثروة الحيوانية لتساهم بشكل فعال في مخططات التنمية.

*. تطوير نظم الإحصاء بما يؤدي لتوفير البيانات الإحصائية ورفع الكفاءة في تجميعها لتسهيل وضع خطط إنمائية ذات جدوى وتتبع تنفيذ هذه الخطط وتقييمها.

وأكد قرنفلة أهمية تطوير إنتاجية القطعان المحلية، فمعظم الأنواع وسلالات الحيوانات المحلية تتميّز بمقدرتها الوراثية الإنتاجية الكامنة والفائقة وقدرتها على التأقلم مع العوامل البيئية بالمقارنة مع الحيوانات المستوردة التي قد لا تستطيع مجرد العيش تحت ظروف قسوة البيئة والترحال المستمر ونقص الأعلاف والافتقار إلى الخدمات.

ويعتمد نجاح تربية الحيوانات المستوردة محلياً على توفير نظم الإنتاج المكثف التي تتميز باحتياجها إلى استثمارات ضخمة. كما تتميز السلالات المحلية بمقدرتها على الاستجابة لتحسين الظروف البيئية مما يسمح بظهور طاقاتها الوراثية الكامنة، ودلّت التجارب العلمية على أن العديد من السلالات المحلية قادرة على الاستجابة للتحسين الوراثي. لذلك مطلوب التركيز على برامج التحسين الوراثي لتلك السلالات ورصد الإمكانات المالية المطلوبة لمراكز بحوث الثروة الحيوانية لتتمكن من القيام بدورها بشكل صحيح.

"النور"