تعددت أسبابها وطرقها جرائم الخطف .. ارتكاب بقصد الانتقام .. أم استثمار لظروف الأزمة؟؟… تداعيات تهدد المجتمع

تعددت أسبابها وطرقها جرائم الخطف .. ارتكاب بقصد الانتقام .. أم استثمار لظروف الأزمة؟؟… تداعيات تهدد المجتمع

أخبار سورية

الثلاثاء، ١١ أكتوبر ٢٠١٦

اعتادت أم يحيى على التنقل منذ ساعات الصباح الباكر بين الدوائر الحكومية، تحمل بين يديها أوراقاً تثبت أن زوجها لا يزال على قيد الحياة في البلد، لكنّه “مخطوف منذ أربع سنوات”، علّها وعسى تستطيع أن تعيد راتب زوجها لتربي أولادها الذين فقدوا معيلهم على أمل أن يعود ذات يوم.

وطوال هذه السنوات لم تستفد أم يحيى من تنقلها بين الدوائر الحكومية سوى زيادة الأوراق في المصنّف الذي تحمله، وزيادة ألوان العذاب الجسدي والنفسي، لكنّها ما زالت مصرّة على تحصيل حق أولادها وزوجها الذي لم يرتكب ذنباً سوى أنّه خُطف كآلاف السوريين الذين عاد قسم ممن تم خطفه للمزاودة على مال، والبعض عاد إلى أهله بعد حصول تسويات ومصالحات، وتعافى من جراحه، والبعض الآخر تمنى لو عاد ميتاً بسبب صعوبة الوضع الصحي الذي عاد به، في حين بقي مصير الكثيرين مجهولاً إلى الآن، وبقي مصير ذويهم معلّقاً بمصيرهم.

رواتب وحقوق ضائعة

قصة أم يحيى التي تشابه مئات القصص، ليست الوحيدة، فقد وجدنا حالات كثيرة لأهالي يحاولون إثبات أن ذويهم مخطوفون، عسى ولعل يستمرون في تقاضي رواتب أبنائهم، كذلك هناك حالات عديدة لموظفين استطاعوا التحرر من الخطف والعودة بسلام إلى ديارهم، لكنهم مازالوا يصارعون مؤسساتهم ليعودوا إليها بشكل نظامي، وعلى الرغم من أن حالات توقيف رواتب عمل الموظفين في الدولة الذين تم خطفهم كثيرة إلّا أن الدولة والقانون لم يبديا أي تعاون مع أهالي المخطوفين، ولا حتى مع المخطوفين المحررين ذاتهم، وعند بحثنا عن تفسير واضح حول قطع رواتب هؤلاء، كان جواب وزارة المصالحة حاضراً بهذا الخصوص، إذ لا يوجد أي تشريع جديد للتعامل مع الخاطفين، فقانون العمل ينص على أن العامل في الدولة يعتبر بحكم المستقيل بعد تغيبه 15 يوماً عن العمل، فتقوم الدولة بكف يد العامل المخطوف عن عمله، وإيقاف راتبه في أول شهر يلي تاريخ تغيبه عن العمل، في المقابل اعتبرت وزارة العدل أن توقيف رواتب المخطوفين هي مسألة إدارية أكثر من كونها قانونية، لذا يتم تطبيق القانون على الشخص حتى تتأكد إدارة المؤسسة أو الوزارة التابع لها في عمله من صحة  عملية الخطف، وعند تحريره لا بد من إعادته للعمل، وإعطائه الرواتب الفائتة، وهذا ما تقوم به الدولة، لكن مع وقت زائد قليلاً، وذلك لكثرة الطلبات، ولأن التأكد من صحة المعلومات يحتاج لوقت، لكنّ ما لمسناه نحن على أرض الواقع، هو استغراق سنوات لا أشهر لإثبات صحة أقوال المخطوف أو ذويه، فهل ستعيد الجهات المعنية الشخص المخطوف في السابق إلى وظيفته أولاً، وهل ستعيد له رواتب سنوات وصلت في بعض الأحيان على خمس سنوات ثانياً، وإلى متى ستبقى أمور هؤلاء معلّقة بين وزارة وأخرى؟.

موضة جديدة

لا شك أن الخطف بلغ ذروته في السنوات الأولى من الأزمة حتى بات معظم الناس يخشون الخروج من منازلهم إلّا للشيء الضروري، ومما لا نختلف عليه أن عناصر الجيش والأمن كانوا ومازالوا أكثر المستهدفين في هذه الجريمة بسبب الحقد الدفين الذي يضمره المسلحون لهم، ومنذ أن تشكلت وزارة المصالحة الوطنية، اعتبرت أن الفتاوى المتتالية التي تبيح الخطف، وقتل كل مواطن يعمل في مؤسسات الدولة، أو يتعامل معها، إضافة إلى الضخ الإعلامي المستفز، هما من كان خلف هذه الجريمة، فكان في مقدمة المستهدفين حماة الديار من القوات المسلحة، كما حصلت حالات خطف كثيرة للتفاوض مع الدولة، كذلك حصلت حالات أخرى بأوامر خارجية شهدناها في خطف شخصيات هامة في البلد، لكنّ وبعد أن بدأت هذه الجريمة البشعة بالاختفاء، عدنا اليوم نسمع عن حالات خطف جديدة بأشكال متنوعة، أفرزتها الأزمة التي خلقت أزمة أخلاقية بدأت تمسح القيم والأخلاق التي اعتاد مجتمعنا عليها، ففي حالات كثيرة شهد القصر العدلي مؤخراً محاكمات لشبّان وفتيات قاموا بعمليات الخطف لابتزاز أهل الفتاة بمبلغ مادي تحت موافقة ورضا الفتاة طبعاً، لتنتشر هذه الجريمة ويضطّر الأهل لإرضاء الخاطفين بالمال، ثم يتم تقاسمه مع الفتاة المخطوفة برضاها، وكانت أغلب حالات الخطف هذه لفتيات قاصرات، كذلك شهدت الآونة الأخيرة حالات خطف لفتيات برضاهنّ المؤكد لإجبار أهاليهنّ على الموافقة بالزواج من الشاب الذي رفضوا الموافقة عليه مسبقاً، وتصبح جريمة الخطف هذه اليوم ظاهرة وموضة جديدة اتبعها الكثيرون لتحصيل المال والفتاة، وأي شيء يعجزون عن الحصول عليه إلّا تحت وطأة التهديد.

ثغرات

ثغرات كثيرة تم اكتشافها في القانون السوري خلال السنوات الأخيرة “سنوات الأزمة”، فجريمة الخطف وحسب ما عرّفها لنا المحامي أحمد فهيم خليل “أمين سر نقابة محامي ريف دمشق” بأنها انتزاع المخطوف من مكان وجوده دون إرادته بالعنف ونقله من مكان لآخر ومنعه من الخروج منه، سواء كان ذلك الخطف بقصد الزواج أو حرمان المخطوف من حريته، أو ابتزازه أو المقايضة به على مخطوف آخر، أو بقصد الانتقام والثأر، ونص القانون لهذه الجريمة كان بحاجة، وحسب “خليل”، إلى إضافات، حيث أغفل المشرع اعتبار الخطف جريمة إرهابية تندرج ضمن اختصاص محكمة الإرهاب، إذ إن الخطف يعمل على صب الذعر والخوف في المجتمع بالتالي يدخل في نطاق الإرهاب، لذا فمن المفروض تطبيق القانون على الخاطف بغض النظر عن النتائج التي أثرت على المخطوف، كما أن النص بحاجة لإضافة أي أشياء تماثل ما هو محدد بالقصد ليكون القاضي أكثر حرية عندما تعرض عليه القضية، وكان الدافع لها غامضاً، ولا ينطبق على ما هو محدد من المأرب، ومثال ذلك الخطف بقصد استعادة مخطوف “مقايضة”، وكذلك قصد القتل المجرد الذي لم يتناولها المشرع، كذلك كان لابد من أن تكون في النص مهلة دائمة لتسليم المخطوف خلال 15 يوماً فقط، بحيث إذا أراد في يوم من الأيام إعادة الضحية يعيدها دون وقوع أي جناية أو جنحة عليه، مستفيداً من العذر المخفف.

مرفوض شرعاً

هو عملية إجرامية لا تبيحها الشريعة الإسلامية ولا أي ديانة من الديانات السماوية ويرفضها العقل والدين والمنطق، فكيف لمسلم أن يخطف أخاه المسلم والمسيحي الذي لم يؤذه ولم يسبب له الألم، هذه الجريمة وبرأي الدكتور عبد الرزاق المؤنس” معاون وزير الأوقاف سابقاً”  ليست من قيم وأخلاق الإسلام، فقد جاء الإسلام ليحرر الإنسان من البداوة والهمجية والخطف والاغتصاب، وما حصل خلال سنوات الأزمة هو عكس ما أمرنا به الله وديننا الإسلامي المعتدل، وما هو إلا تنفيذ لأجندات يعلم الله وحده من خلفها، فهل شريعة الله وسنة نبيه تأمر بالخطف؟!، وهل جرائم الخطف هذه ستعيد للإسلام قوته وشموخه وانتشاره، أم أن المقصود هو العكس، فقد أرادت هذه العصابات الإرهابية المتشددة الإساءة للدين الإسلامي وتشويهه، وهذا ما استطاعوا الحصول عليه في الأشهر الأولى من الأزمة، إلا أن الوقائع أثبتت للناس أن هؤلاء العصابات ما هم إلا مجرمون يحاولون رمي السوريين إلى التهلكة، وهو ما لم ولن يستطيعوا الوصول إليه.

تشديد في القانون

لم يكن نص قانون العقوبات السوري متشدداً في عقوباته على هذه الجريمة ذلك لأنها كانت في حدودها الدنيا، فكانت العقوبات مخففة، مثلاً الأشغال الشاقة المؤقتة إذا تجاوزت مدة الخطف الشهر، لكن مع مرور السنة الأولى في الأزمة السورية ومع استفحال هذه الجريمة بتنا بحاجة ماسة إلى تشريع قانوني يوقف جرائم الخطف ويضع عقوبة رادعة بحق الخاطفين لا سيّما وأن تكرار مثل هذه الجرائم مع عدم وجود العقوبة جعل البعض يمتهن هذه الجريمة كمهنة مدرة للمال، برأي القاضي أحمد زاهر البكري، لذا فإنّ المشرع وفي معرض إصداره لقانون مكافحة الإرهاب وتشكيل محكمة خاصة بذلك قد عدل تلك المواد المخففة، وقام بتشديد العقوبة ليصدر قانون عام 2012 قضى بالإعدام إذا أدى الخطف لموت الشخص، إلا أنه وأمام استفحال النزعة العدوانية، لم تردع تلك العقوبات مرتكبي الجرائم من فعلتهم، فصدر قانون في العام التالي قضى بإنزال عقوبة الأشغال الشاقة والإعدام في حال نتج عن الخطف وفاة المخطوف أو الاعتداء الجنسي عليه، والعقوبة المؤبدة إذا كان الخطف لأسباب سياسية أو طائفية أو مادية، وأضاف المرسوم عقوبة لكل من يحاول الابتزاز في قضايا المخطوفين، وبقي المشرع في موقع الأب والأم لأبناء الوطن، فبقدر ما شدد المشرع بالعقوبات هذه،  أوجد نصاً آخر أفسح المجال للخاطف لتلافي العقوبة، كلاً أو جزءاً، بحيث أعطاه العذر المحل الذي يعفيه من العقوبة إذا بادر الخاطف إلى تحرير المخطوف بشكل آمن، أو قام بتسليمه إلى جهة مختصة خلال 15 يوماً، من تاريخ نفاذ هذا المرسوم التشريعي.‏

ميس بركات-البعث