سياسة عقلنة الدعم اختُصرت بتقليص الرعاية الاجتماعية ! “حماية المستهلك”: كمية المواد المدعومة لا تلبّي جميع القسائم التموينية

سياسة عقلنة الدعم اختُصرت بتقليص الرعاية الاجتماعية ! “حماية المستهلك”: كمية المواد المدعومة لا تلبّي جميع القسائم التموينية

أخبار سورية

الجمعة، ٩ سبتمبر ٢٠١٦

أدّى اتباع الحكومة سياسة عقلنة الدعم وما نجم عنها من رفع لأسعار معظم المواد ومنها المشتقات النفطية وغيرها من المواد، إلى ارتفاع طردي لباقي البضائع والمنتجات في السوق، ومع أن سياسة عقلنة الدعم كانت ضرورة ملحّة نتيجة زيادة عمليات التهريب والسرقة وهدر المال العام، إلا أن ذلك انعكس على المواطن وأصحاب الدخل المحدود وأصبح هناك شرخ عميق بين دخل الفرد وأسعار المنتجات الموجودة في السوق، طال حتى المواد الغذائية الأساسية كالرز والسكر والسمن والزيوت وغيرها من المواد التي تعدّ أهم متطلبات حياتنا اليومية، لدرجة باتت فيها الأسرة السورية لا يمكن أن تعيش بمستوى أدنى مما وصلت إليه هذه الأيام..!.

قسائم
تجاهلت الحكومات السابقة دورها في الرعاية الاجتماعية تجاه المواطنين، وبشكل تدريجي انسحبت جميع المساعدات التي كانت تقدّمها الحكومة، فبعد سياسة توزيع المواد الأساسية كالرز والسكر والشاي والزيت وغيرها من المواد عن طريق القسائم التموينية، التي كانت تحمي المواطن من احتكار التجار وسيطرتهم على الأسعار وتحقّق عدالة التوزيع وذلك في حالة السلم، تحوّلت هذه القسائم إلى مجرد دعم صوري للمواطن بعد أن فقدت جدواها الحقيقي بدءاً من عدم توزيع الشاي والزيت وصولاً إلى الرز الذي لم يعُد منذ مدة طويلة داخل القائمة، واختتمت القسائم التموينية سلسلة التقصير الحكومي باختفاء مادة السكر من القائمة، وبذلك يكون دور الرعاية الاجتماعية للحكومة قد فُقد تماماً وبمعنى آخر أصبح المواطن (يتيماً).

حلول بديلة
يبدو أن إعادة تفعيل القسائم التموينية تتجاوز وزارة بعينها، فلدى توجّهنا إلى معاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عماد الأصيل أوضح لـ”البعث” أنه لا توجد مشكلة أبداً في استجرار المواد الغذائية الأساسية كالرز والسكر، فالوزارة لا تعتمد فقط على سحب نسبة 15% من استيراد التجار، وإنما تقوم بشراء هذه المواد من عدة مصادر منها الخط الائتماني الإيراني ومن الهند ومن التصنيع المحلي واستدراج العروض، ليتم توزيعها فيما بعد على صالات التدخل الإيجابي التي بدورها تقوم بعرض هذه المواد بأسعار تنافسية أقل من السوق. أما لماذا لا يتم بيع هذه المواد بوساطة القسائم التموينية فيبيّن الأصيل أن الكميات لا يمكن أن تلبّي جميع القسائم التموينية على مساحة القطر كلها، إضافة إلى أن خروج معظم معامل الشوندر السكري من الخدمة سبّب نقصاً كبيراً في استجرار مادة السكر محلياً، ما أثر في توزيعها بالقسائم التموينية.
وأضاف الأصيل: إن القسائم التموينية هي حق من حقوق المستهلك وهي مدفوعة بميزانية المواد المقنّنة، لكن في هذا الظرف الراهن ومع الإجراءات التي اتخذت من جهات معيّنة لرفع الدعم لم تعُد هذه القسائم ذات فعالية لذلك لابد من قرار صادر من اللجنة الاقتصادية لإعادة تفعيلها أو إيجاد حلول بديلة تحقق دور الرعاية الاجتماعية للدولة.
محاولات
لا يمكننا أن ننكر بعض المحاولات التي قامت بها بعض الجهات لحل مشكلة فقدان هذه الرعاية التي أوصلت المواطن إلى عجز في تلبية متطلباته الأساسية لكنها لم تستطع أن تحقق ولو بعض الخطوات المتقدمة، فمؤسسات التدخل الإيجابي التي حملت على عاتقها تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطن تحوّلت بشكل أو بآخر إلى راعٍ لتسويق مواد التجار وفي بعض الأحيان إلى محاباتهم والدفاع عنهم، وهنا صرّح أحد مصادرنا في مؤسسات التدخل الإيجابي فيما يتعلق بمادة السكر أن استجرار 15% من التجار لا يكفي لتغطية القسائم التموينية، ولكن يمكّننا من كسر السعر فقط في المؤسسات الإيجابية، ويبقى التاجر هو صاحب القرار خارج تلك المؤسسات ويستطيع وضع السعر الذي يعجبه لجميع المواد التموينية، ويضيف المصدر: إن هذه المؤسسات تستطيع أن تلغي احتكار التاجر للمواد الغذائية ويمكنها أن تقدّم نوعيات مختلفة لكل مادة، وهنا يستطيع المواطن اختيار الأنسب له، كما يمكنها من خلال العروض ومهرجانات التسوّق التي تترافق مع مواسم الأعياد والمدارس وغيرها أن تحقّق شيئاً من المساعدات المتواضعة للمواطنين.

تقصير
قرارات وتوجّهات وسياسات اقتصادية مختلفة طفت على سطح الواقع المعيشي نتيجة الأزمة التي مرّت بها بلادنا، وقد تتقارب في بعض الأحيان مع المصلحة المباشرة للمواطنين وقد تتباعد كثيراً مع هذه المصلحة، لكن يبدو أنه لا يمكن أن يقبل من كان بها خبيراً تبرير غياب رعاية الحكومة بالأسباب السابقة، إذ يرى الدكتور عابد فضلية أنه لا يوجد زمن أو وقت محدّد لتفعيل دور الدولة في دعم البطاقات التموينية، بل على العكس تماماً الدولة تزيد من تفعيل هذا الدور في الأوقات الصعبة والأزمات، وهنا لابد أن نذكّر جميع المسؤولين والمعنيين وأصحاب القرار بأنه لم يمرّ بعصرنا أصعب وأشد من الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي يمر بها المواطن السوري، مشيراً إلى أن هناك حاجة ملحّة لرعاية الحكومة في منع ابتزاز التجار واحتكارهم وسيطرتهم على السوق بما تمليه عليهم مصالحهم الشخصية، والقرار الأهم في هذه المرحلة يجب أن يكون قرار دعم تمويني للحكومة، مبيّناً أن هناك تقصيراً حكومياً فيما يتعلق بالقسائم التموينية فمعظم المواد تم إلغاؤها وقلّصت كالشاي والزيت والرز وغيرها، معتبراً أن قرارات ترشيد وعقلنة الدعم وغيرها من القرارات ليست إلا حججاً واهية تطول لقمة عيش المواطن وعلى الحكومة أن توفر على الأقل المواد التموينية وخاصة في هذا الوقت وتلافي التقصير والإهمال الذي بدأ قبل الأزمة.

أخيراً
يمكن القول: يفترض أن يكون هدف أي قرار تتخذه الحكومة هو مراعاة  المصلحة الاجتماعية، ونرى أن هناك سياسة غضّ نظر فيما يتعلق بحاجة المواطن الأساسية، وإمعاناً للنظر فيما هو من مصلحة فئة التجار وأصحاب رؤوس الأموال والشركات، علماً أن الدور يقع عليهم أيضاً في تحمّل أعباء الأزمة وآثارها على المواطن.
ميادة حسن