القدم التركية في جرابلس هل هي البداية ؟

القدم التركية في جرابلس هل هي البداية ؟

أخبار سورية

الجمعة، ٢٦ أغسطس ٢٠١٦

كمال خلف
في 20 كانون الثاني الماضي أي  قبل ثمانية شهور كتبت في هذه الصحيفة مقالا بعنوان (جرابلس  في العين التركية ) يومها كتبت ما حرفيته (المعلومات العسكرية الوادرة من شمال شرق سوريا تقول ان تركيا تعد للتقدم باتجاه جرابلس لاحتلالها وبالتعاون مع مجموعات سورية موالية لها وبموافقة امريكية ) . أجلت تركيا حينها هذا التحرك العسكري استجابة لتحذير على شكل نصيحة جاءت من طهران ، في حينها كانت العلاقات الروسية التركية متوتره للغاية لم يكن قد مضى على إسقاط سلاح الجو التركي طائرة السوخوي الروسية في 24 نوفمبر 2015 سوى شهرين .
ما اردنا قوله ان التدخل التركي الآن في جرابلس كان مخطط له منذ عام ولم يأت في سياق تطورات راهنة مستجدة . غير أن المناخ السياسي اليوم بات مهيأ لتنفذ أنقرة الهجوم .
 نورد هنا بعض الملاحظات على هذا التحرك العسكري

    الهجوم استغرق ساعات فقط ، أي أن تنظيم الدولة لم يقاتل وانسحب إلى مدينة الباب . وهو ما قال عنه الكرد انه دليل دامغ على العلاقة بين داعش وتركيا ، متهما تركيا بإدخال عناصر من داعش إليها ، ولكن قد يكون تنظيم الدولة قد فهم انه ليس المستهدف بالهجوم التركي وان الأخيرة تريد وقف الكرد ولهذا فتح لها الطريق دون قتال .
    استعانت أنقرة بمجموعها مسلحة وهي فصائل تنتمي للجيش الحر ورفعت هذه الفصائل الإعلام التركية وأعلام الجيش الحر على الأبنية في جرابلس ، هذا آثار حفيظة الفصائل المسلحة الأخرى في حلب وادلب التي اتهمت هذه الفصائل بترك جبهات حلب والالتحاق بالقتال إلى جانب تركيا من أجل المال . لكن الجانب الآخر من الصورة هو أن هذه الفصائل تركت مقاتلة الجيش السوري وذهبت لقتال تنظيم الدولة.هل هي البداية ؟

    الائتلاف السوري المعارض رحب بالدخول العسكري التركي هذا يعيد الائتلاف إلى زمن الحلم ببنغازي سورية ، وهو ترحيب بتدخل اجنبي لطالما شن حملات ضده عند دخول روسيا على خط الحرب .

 وبعيدا عن امنيات الائتلاف حصلت أنقرة قبل الهجوم على موافقة كافة الأطراف الإقليمية والدولية .
حسين جابري أنصاري مساعد وزير الخارجية الايرانية زار أنقرة الثلاثاء قبل يوم من الهجوم وحمل معه مباركة طهران وذكر الأتراك بما عليهم من التزامات، وراجع معهم حدود التدخلالمتفق عليه ،حيث تدفع طهران كلا من دمشق وأنقرة للعودة إلى التنسيق الثلاثي الذي ثبتته الأطراف الثالثه في منتصف تسعينيات القرن الماضي لمنع قيام أي كيان كردي .
وفد الخبراء العسكريين الترك الذي زار سانبترسبيرغ وعقد سلسلة اجتماعات مع نظرائه الروس بدأت بعد زيارة الرئيس أردوغان روسيا مباشرة واستمرت لاسبوع بحثت هذه الخطوة في سلة متكاملة تهدف لترتيب الميدان السوري تمهيدا لدفع عجلة الحل السياسي وفق رؤية جديدة .
وفي دمشق حط مبعوث رئيس الاستخبارات التركية وعقد اجتماعا هو الثاني بعد لقاء سابق في الجزائر في الشهر السادس من هذا العام . وكان محور الاجتماعين التعاون من أجل منع قيام كيان كردي  شمال سوريا . والعودة إلى اتفاقية اضنة بين البلدين الموقعة عام 1999 والتي تسمح لتركيا التدخل عسكريا ضد الكرد أو منظمة إرهابية حسب الاتفاق تهدد تركيا على الحدود ولمسافة 20 كيلومترا.
التنديد السوري  بالتدخل التركي يمكن فهمه في حدود تثبيت السيادة وخطوة أمان في حال تجاوزت أنقرة حدود ما توافق عليه دمشق ، ما يعزز هذا الفهم أن دمشق لم ترفع رسالة احتجاج إلى مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة كما درجت العادة ، كما أن حلفاء دمشق في طهران وموسكو وافقوا على هذا التطور ولايمكن أن يحصل هذا دون مشاورة دمشق والحصول على ضوء أخضر منها.
أما بالنسبة للأمريكيين الداعمين بالسلاح وإلغطاء الجوي للقوات الكردية فقد لحقوا بالركب على عجل بعد أن أصبح هذا التدخل أمرا واقعا . نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن طار إلى أنقرة وأعلن الموافقة من هناك . كان يمكن لواشنطن أن تطلب من حلفائها الانسحاب إلى شرق الفرات دون حاجة لدخول عسكري تركي ، كان يمكن أيضا لواشنطن أن تستجيب منذ البداية لنداءات الحليف التركي بعدم السماح للقوات الكردية  بتجاوز ضفة الفرات ، لكن هذا لم يحدث وضربت واشنطن عرض الحائط بكل تلك المطالبات التي وصلت بانقرة حد تخيير واشنطن بينها وبين الكرد لكن الأخيرة دعمت الكرد دون قيود.
لكن هل واشنطن في صورة التفاهمات التي انجزت بين طهران موسكو أنقرة ودمشق ؟ نعتقد أن الجواب نعم هي في الصورة وهي جزء من هذا التفاهم الذي لم يصل بعد إلى مرحلة الاتفاق . ومازال في طور الاختبار ، ولكن وجهات النظر بين هذه الأطراف قد اقتربت من بعضها لأول مرة بهذا الشكل منذ اندلاع الحرب السورية قبل ست سنوات .
ولعل أبلغ جملة تعبر عن هذا التقارب ما قاله رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم خلال المؤتمر الصحفي أمس مع جو بايدن حيث قال ( أننا ندعم حكومة سورية تمثل كافة أطياف الشعب السوري ونريد سورية موحدة ) . غابت منذ وقت مطالبة أنقرة برحيل الأسد واستبدلت بعبارة ) الشعب السوري من يقرر ذلك ).
يمكن تلخيص النقاط المشتركة بين الأطراف الدولية والإقليمية هذه بالتالي

    وحدة سوريا وعدم تقسيمها ومنع قيام كيان كردي
    الشعب السوري يقرر مصير الرئيس والتوقف عن المطالبة برحيل الأسد
    حكومة وحدة وطنية تنتجها عملية تفاوض بين السلطة والمعارضة
    محاربة تنظيم الدولة وجبهة النصرة سابقا فتح الشام حاليا
    ترتيب الميدان السوري بما يتوافق مع هذه الرؤية وهذا يعني تغييرات في جغرافية السيطرة ووقف محاولات كسر التوازن لصالح أحد الأطراف .

ثمة لاعب خارج الحلبة  هو المملكة العربية السعودية التي لا تقبل حتى الآن بديلا عن حسم وجود الرئيس الأسد في السلطة حربا أو سلما . تبتعد الرياض عن أنقرة منذ الانقلاب الفاشل . ولا تنفك وسائل إعلامها بمهاجمة تركيا منذ ذلك الحين . أي تأثير لهذا التباعد في الميدان السوري؟ . يشكو قاضي جيش الفتح السعودي عبد الله المحيسني وهو شريان المال القادم من السعودية  هذه الأيام من اختلاف الفصائل المسلحة في الشمال   ويتهم دول خارجية بذلك . المعلومات تتحدث عن تململ كتائب محسوبة على الجيش الحر من حجم الخسائر وتجاوزات قادة الفتح . هل هذا بداية الخلاف بين أنقرة والرياض في الميدان السوري؟
على المستوى السياسي تحتفظ الرياض بوفد المعارضة السورية الذي انتقل من حضن الدوحة إلى حضن أنقرة ثم الرياض ، هل سنشهد تغييرا في موقع المعارضة اذا ما استمرت الرياض بموقفها ؟ أطلق قبل أيام حسن عبد العظيم عضو وفد الرياض والقيادي في هيئة التنسيق  السورية المعارضة دعوة لإعادة هيكلة الوفد وتوسيعه بينما تتحدث معلومات عن نية بعض أعضاء الوفد الانسحاب في ذات الوقت  يستعد تيار الاخوان المسلمين داخل المعارضة لفتح حوار مع حلفاء الحكومة السورية هل هي البداية؟
الانتظار سيوضع الصورة في الأيام المقبلة