سورية بين التسوية الروسية و كوما الانتخابات الأميركية

سورية بين التسوية الروسية و كوما الانتخابات الأميركية

أخبار سورية

الجمعة، ٢٧ مايو ٢٠١٦

سركيس ابو زيد
  أيقظت معركة "خان طومان" الھواجس والانتقادات .فقد سببت  المعركة اھتزاز وخللا على الأرض، كما عرضت الإنجازات والمكاسب لخطر التبدد والضياع.
  أدى الھجوم على "خان طومان" الى  مراجعة للأسباب التي أدت الى ھذه الخسارة وساد جدل داخل جبهة الممانعة  توزع  في ثلاثة اتجاهات:
1-    في اتجاه الأميركيين المتھمين بالتشجيع على انتھاك الھدنة وضخ مساعدات جديدة للمعارضة، وبتدبير الھجوم على ريف حلب.
2-    في اتجاه تركيا والسعودية اللتين تتصرفان انطلاقا من  أن الحرب في سوريا مفتوحة ويجب تأجيجھا لإجبار النظام السوري على التنازل، كما تسعى انقرة والرياض للاستفادة من الفراغ الأميركي في فترة التحضير الجارية للانتخابات الرئاسية، وتعملان على  فرض وقائع ميدانية داخل الجغرافيا السورية وفي الأماكن القادرة على التأثير فيھا.
3-    في اتجاه روسيا ولكن ليس من باب الاتھام، وإنما من باب الاستفسار عن سبب انسحابھا "الجزئي" وطغيان التفكير السياسي عندھا على التفكير العسكري.

وتبين بالنسبة لبعض المراقبين  أن التقدير  التكتيكي الروسي قد اخر فرصة حقيقية لإخراج الأتراك من الشمال السوري، ولضرب العمود الفقري للمجموعات التي تدعمھا، ولعزل "النصرة" والمتطرفين . وهذا ما كان سيسمح في حال نحقيقه بفتح الطريق أمام تسوية محتملة للحرب المستمرة منذ خمسة أعوام، وتقوية عناصر الحل الداخلي وإعادة جزء كبير من القرار السوري إلى الداخل، لمصلحة الكتلة التي يمثلھا الجيش والدولة السورية .

    القرار الروسي بالذھاب إلى الھدنة من دون ضمانات حقيقية تحصن الھدنة، كإغلاق الحدود مع تركيا، ومن دون "خطة ب" للعودة بسرعة إلى الميدان، حال دون الحصول على أي تنازلات في "جنيف 3" من الولايات المتحدة والسعودية ووفد الرياض، بل إن التفاوض من دون الضغط العسكري لدعم العملية السياسية أدى في النھاية إلى تآكل جزء كبير من مفاعيل العملية الروسية.

لذلك  تعاني العملية السياسية من تعثر ومراوحة الى حد مواجهة خطر الانھيار، وبالنتيجة  تسارعت وتيرة المعارك وكان الحدث الأبرزفيها ريف حلب وتحديدا في بلدة "خان طومان" الاستراتيجية التي ھاجمتھا تنظيمات إسلامية معارضة، تحديدا "النصرة" و"جيش الفتح"، في سياق الھجوم المضاد الذي باشرته ھذه التنظيمات منذ أسابيع لاستعادة ما كانت خسرته في ريف حلب بعد التدخل الروسي، ولإقامة توازن جديد على الأرض يُعدّل في ظروف المفاوضات وشروط التسوية...

وهذا ما خلق تساؤلات عن تفرد موسكو في تقرير خطواتھا العسكرية في سوريا وحصر التنسيق مع واشنطن بشأن التسوية ومستقبل سوريا، وھذه التساؤلات يطرحها أيضا بعض الأوروبيين المنزعجين من "الثنائية الأميركية - الروسية" المتحكمة بالأزمة السورية، ويصفها البعض  بالميوعة الأميركية مع روسيا...

مصادر دبلوماسية أوروبية أعلنت أن مجموعة الدول الداعمة للمعارضة السورية تريد إسماع صوتھا ورؤيتھا، وتأكيد حضورھا ودورھا في الملف السوري، ولا تريد تسليم إدارة ھذا الملف الى الثنائي كيري –لافروف، بسبب تخوفھا من عدم انخراط أميركي كافٍ في ھذه الأزمة و"غياب الحزم" في التعاطي مع الطرف الروسي. كما تريد الوقوف الى جانب المعارضة السورية وشد أزرھا وتوفير الشروط والأسباب التي تجعلھا تعود الى طاولة المحادثات في جنيف. ووقف عمليات القصف وإخراج الطيران من سماء المعركة، وإيصال المساعدات الإنسانية. بالإضافة إلى الالتزام بالوصول الى حل وفق بيان "جنيف 1"  والقرار 2254 ، والبت في موضوع إنشاء المجلس الانتقالي للسلطة من أجل بناء سوريا الموحدة  .

نظرة ھذه المجموعة ھي أن  التوازن الدولي والإقليمي  يكفل نھاية الحرب في سوريا. وبالتالي فإن الستاتيكو ينتظر إدارة أميركية جديدة لتعيد تركيب عناصره الأولية...

فإدارة أوباما حالياً، لا تريد اتخاذ أي قرار كبير يتعلق بسوريا وتبتعد عن الخوض في أي حل سياسي أو في أي تورط عسكري، وعمليا، فإن السياسة الخارجية الأميركية دخلت "كوما الانتخابات الرئاسية" ومرحلة "تصريف الأعمال". وھذا ما يفسر توقف التعاون الروسي-  الأميركي  عند حدود معينة في وقت أقصى ما تريده واشنطن ھو تثبيت وضع متوازن على الأرض والحد من طغيان شروط روسيا وقدرتھا على التحكم بمسار العملية السياسية وتوريث الرئيس وضعا مقبولا.

الأمر نفسه ينطبق على موقف الموفد الدولي للأزمة السورية دي ميستورا، الذي اتخذ من شھر رمضان "ذريعة" لتبرير تأجيل مفاوضات جنيف، وعدم القدرة على إخراجھا من مأزق الترنح والسقوط. وبالتالي فإن تأجيل المفاوضات الى ما بعد رمضان، إنما ھو تأجيل مفتوح وحتى إشعار آخر، والى ما بعد انتھاء الانتخابات الأميركية على الأرجح، فالملف السوري وضع مجددا في شقه السياسي والتفاوضي على "رف الانتظار" وليس متوقعا أن يتم إحراز تقدم أو حصول  اختراقات كبيرة وجذرية في الفترة المتبقية من عھد أوباما.

أما تركيا والسعودية فإنھما تجھدان في تعديل الوضع على الأرض وإقامة توازن جديد يحسن من شروط التفاوض والتسوية، والأھم أنھما ما عادتا تعولان على إدارة أوباما، وھما من الأساس لھما ملاحظات وانتقادات شديدة على سياستھا وأدائھا في سوريا. وكل الرھان السعودي والتركي الآن ھو على الرئيس الأميركي الجديد الذي سيكون أكثر تشددا مع إيران وأقل تحالفا مع روسيا...

الوضع في سوريا يقف حاليا أمام مفترق طرق حاسم: إما أن يوضع الحل السياسي على سكة جنيف  خلال شھرين، وإما أن تعود حرب الاستنزاف وبصورة أشد وقعا وعنفا.  الروس والأميركيون يراھنون على تعويم الھدنة رغم انھيارھا وحريصون على الوصول إلى تفاھم قبل آب المقبل، لأنه سيكون شھراً مفصلياً في تاريخ الأزمة السورية.

يقول مسؤول روسي إن "العناوين العريضة للتفاھمات مع الأميركيين حول سوريا، قد وُضعت، وأن الرئيس بوتين لن يخاطر بتأجيلھا حتى رحيل إدارة أوباما، لأننا لا نثق بالإدارة المقبلة، كما أننا نسابق الوقت لعقد صفقة في ملفات أخرى ضاغطة وإقليمية وعالمية".

لذلك يمثل آب ھاجساً كبيراً لموسكو، بإخراجه الإدارة الأميركية من حيز السياسة الخارجية، ودخول أميركا الانتخابات الرئاسية، واحجام الرئيس الأميركي عن اتخاذ المزيد من القرارات التي تلزم في الأشھر الأخيرة الإدارة المقبلة.  وموسكو تسابق الوقت للتوصل إلى الآليات لتنفيذ التفاھمات مع الأميركيين قبل رحيل الإدارة الحالية، وھو أمر صعب ومعقد.

العهد