مصير الهدنة في سورية واحتمالات الميدان..

مصير الهدنة في سورية واحتمالات الميدان..

أخبار سورية

السبت، ٢١ مايو ٢٠١٦

عمر معربوني - بيروت برس -
يسود الكثير من الجدل سواء في الشارع أو على مواقع التواصل الإجتماعي، حول عناوين الحرب وتفاصيلها في سوريا، تصل أحيانًا حدّ التجاذب والإنحياز. وأبرز هذه التجاذبات ما يحصل من جدال حول الهدنة، لينقسم الناس بين مؤيد ومعارض لها لا تخلو فيها آراء المؤيدين عن المغالاة ولا المعارضين عن النبذ.
الحقائق حول حرب مركبّة ومعقدة كالتي تجري في سوريا تستلزم معارف تفصيلية في اصل المشكلة، والأبعاد التاريخية والسياسية ونشوئها والمراحل التي مرّت بها، ما يرتّب مسؤولية مضاعفة على المتابعين الذين من واجبهم إبراز هذه الحقائق بأقل قدر ممكن من التبيان البعيد عن التعقيد، وهذا ما يحتاج لعملية ربط سلسة لسلسلة الأحداث والوقائع التي قد تمتد لعقود طويلة الى الوراء، مع تتالي الأحداث خلال الصراع الحالي الذي يمتد على كامل مساحة الارض التي قسّمتها اتفاقية سايكس - بيكو المنتهية الصلاحية.
أمّا السؤال المركزي الأساسي فهو: هل ما يجري هو إحداث بديل عن سايكس - بيكو، أم أنّ الأمور تسير الى ما هو أبعد من ذلك؟
هذا في العنوان الرئيسي، والذي يستأهل الإجابة عليه ولو سريعًا قبل الدخول الى شرح احد تفاصيل الحرب في سوريا، وهو موضوع الهدنة المتأرجحة.
لا يغيب عن بال احد أنّ اتفاقية سايكس - بيكو المنتهية كإتفاقية بالمعنى القانوني، ورغم أنها في مكان ما اصبح ضحاياها اي الدول الوطنية التي تشكلت بموجبها الأكثر حرصًا على بقاء مفاعيلها كبديل سيء عن الأسوأ القادم، وهو تقسيم المقسّم اصلًا على اسس جغرافية هذه المرة على اسس طائفية ومذهبية وإثنية تخدم كلها بقاء الكيان الصهيوني، ولكن هذه المرة كدولة يهودية تتماهى مع طبيعة الكيانات المنوي احداثها والتي تشكلت بالمعنى الجغرافي الى حد ما وخصوصًا في العراق. ولم يتجرأ أحد بعد الى اعلانها ككيانات برسم الإعتراف الدولي، وهو في الحقيقة ما سعت إليه اميركا ولا تزال تسعى رغم تعسّر سعيها ووصول مشروعها الى خط مسدود مصطدمًا بمقاومة لم تكن اميركا تحسب انها ستكون بهذا الشكل، وهو بنتيجة التقديرات الأميركية الخاطئة لموازين القوى وطبيعة وتركيبة الدولة السورية التي يتبين يومًا بعد يوم لأميركا وحلفائها انها منظومة متماسكة وقوية، وليست مجرد نظام على شاكلة الأنظمة الأخرى التي تهاوت سريعًا امام عاصفة "الربيع العربي".
ولكن، لماذا هذه المقدمة الطويلة للكلام عن تفصيل من تفاصيل الحرب في سوريا وهو الهدنة؟
لأنّ الولوج الى تعريف دقيق للهدنة المنشودة لا يمكن فصله عن طبيعة توزع موازين القوى الحالية وطبيعة الحرب الدائرة في سوريا، فليس هناك شك عند أحد أنّ الحرب في سوريا هي حرب عالمية لم يكن الجانب الأميركي يرغب أن تطول الى هذا الحد، ولكنه بات ملزمًا على خوضها بمتغيراتها وموازين القوى الموجودة أصلًا والناشئ منها والمتراكم بفعل المواجهة.
في الأساس، كانت الخطة الأميركية تسير وفق تخطيط على ثلاث مراحل:
1-    المرحلة الأولى وهي تفكيك الإتحاد السوفياتي ودول الكتلة الإشتراكية، وإضعاف روسيا الدولة الأكبر بين هذه الدول وفصلها نهائيًا عن أوكرانيا ثاني اكبر الدول الإشتراكية، وهو أمر تحقّق بأغلبه سوى أنّ روسيا الإتحادية في عهود ميدفيديف وبوتين لم تستسغ الهزيمة وسارت في برنامج متصاعد لإستعادة مكامن القوة، ولتعود مع بدء تنفيذ المرحلة الثانية من الخطة الأميركية الى الواجهة وبقوة لتطرح نفسها كشريك فاعل في ادارة الملفات الإقليمية والعالمية.
2-    السيطرة على منطقة الشرق الأوسط وتحديدًا الدول التي يعتقد الأميركيون انها في الحد الأدنى دول غير صديقة وتشكل خطرًا كبيرًا على مسار خطتها، وهو ما بدأ في العراق سنة 2003 وكان مقررًا له ان ينتهي في سوريا في مطلع العام 2012 بعد استنفاذ خط سير مقرر تخلله الكثير من المحطات التحضيرية لقلب المزاج الشعبي وتغييره في بلدان المنطقة، ليخدم طبيعة المرحلة الناشئة الجديدة بحسب الخطة الأميركية القائمة على الإنقسامات الحادة والعامودية، وهو ما حصل جزء كبير منه في المنطقة وفي سوريا. إلّا أنّ المعركة في سوريا لا تزال مستمرة وباتت مساراتها تتجه بغير ما يرغب الأميركيون، بحكم دخول ايران وروسيا على خط الحرب، وخصوصًا روسيا التي يشكل مجرد تواجدها في سوريا رادعًا لأطراف دولية وإقليمية لا ترغب في الدخول بمواجهة مع روسيا.
3-    المرحلة الثالثة والتي باتت بعيدة بعض الشيء، والتي كان من المقرر أن تبدأ بعد تفكيك سوريا وإبقائها في الفوضى لعشرات السنين، وهي التوجه الى شرق آسيا وعلى رأسها الصين.
امام هذا المشهد الكبير لطبيعة المواجهة، تصبح الهدنة مجرد تفصيل تحتاجه اطراف الصراع بشكل مختلف وبنسبة متغيرة من الحاجة، وهي أي الهدنة ليست اكثر من وقفة تعبوية ليس للجماعات المسلحة وداعميها فحسب وإنما للجيش السوري وحلفائه، فلا احد يستطيع ان يُنكر ان ضربات موجعة وكبيرة لحقت ببنية الجيش وتشكيلاته تحتاج الى وقفة يتم من خلالها اعادة تنظيم الوحدات ورفدها بالأسلحة والعتاد، ومنحها فترة من الراحة لتستطيع مواكبة التطورات القادمة.
هذا في الجانب التقني المتعلق بالهدنة، اما في الجانب السياسي فالهدنة محطة لإختبار النوايا ويمكن من خلالها تبيان امكانية احداث متغيرات في طبيعة واصطفافات بعض الجماعات المسلحة، والتي يرغب بعضها فعلًا بتسوية اوضاعه والشروع بمصالحة، اضافة الى الدخول في مرحلة شد الحبال بين الروس والأميركيين التي يمكن من خلالها انتزاع اوراق عديدة بعد فرزها، وهو ما يسعى اليه الجانبان.
تقديري أنّ مرحلة الهدنة هي مرحلة مؤقتة، وأنّ الميدان سيعود الى الإشتعال بقوة غير مسبوقة، والجبهتان الأكثر ترشيحًا في الفترة الحالية هما جبهتا حلب ومعركة فتح الطريق الى دير الزور، رغم أنّ الأيام الخمسة القادمة سيكون ما بعدها اختبارًا جديًا للروس في تنفيذ ما اعلن عنه وزير الدفاع الروسي اليوم من أنّ روسيا ستستأنف عملياتها وبشكل اكبر بعد الخامس والعشرين من الشهر الحالي ضد كل من يرفض الهدنة.
وإن لم تحصل عملية فرز الجماعات المسلحة خلال شهور بعد صدور قرار وقف الأعمال العدائية، فلا اعتقد أنّ معجزة يمكن ان تحصل خلال خمسة ايام وتؤدي الى عملية التصنيف والفرز ما سيؤدي فعلًا الى اشتعال الميدان من جديد، أو أقله توجيه ضربات عنيفة لأي جهة تخرق وقف إطلاق النار على الرغم من عدم رغبة اميركا بحدوث ذلك، وهو ما يجب ان ننتظره ليتبين لنا الخيط الأبيض الروسي من الخيط الأسود الأميركي.