حلب.. بين خبث كيري وديبلوماسية لافروف

حلب.. بين خبث كيري وديبلوماسية لافروف

أخبار سورية

الجمعة، ٦ مايو ٢٠١٦

عمر معربوني - بيروت برس -
رغم الكثير من التوضيحات الإيجابية لوزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف حول الصراع في سوريا، وهو ما سنستعرضه في موضوعنا، إلّا أنّ أمرًا ملفتًا ساقه لافروف في تصريحه يستخدمه البعض ببعدٍ مختلف، عندما قال إنّ "الرئيس الأسد ليس حليفنا بالمناسبة. نعم، ندعمه في مكافحة الإرهاب والحفاظ على الدولة السورية، لكنه ليس حليفنا مثلما تركيا حليف للولايات المتحدة".
هذا الكلام لم يتم توضيحه بشكلٍ كافٍ اذا ما كان لافروف يقصد أنّ الرئيس الأسد ليس تابعًا لروسيا كحال تركيا في تبعيتها لأميركا، أو أنه فعلًا يقصد المعنى الحرفي لما جاء على لسانه في آخر تصريح له، وهو أمر مستبعد برأيي بالنظر الى طبيعة العلاقة التي تربط بين سوريا وروسيا وهي علاقة تاريخية تمتد الى عقود من الزمن.
واذا ما كان لافروف يقصد المعنى الحرفي لكلماته، وهو ما يحتاج الى التوضيح، فإننا يجب أن نقارب الصراع في سوريا من زاوية مختلفة عما قاربناه سابقًا، وهو أمر ليس هينًا ويأخذ الأمور باتجاهات مختلفة تمامًا.
وإن كان لافروف قد أورد في تصريحه الكثير من التوضيحات حول الدور السلبي لأميركا في تعاطيها مع الحرب السورية، وآخرها إشارته الى رغبة اميركا في تحييد جبهة النصرة عن الإستهداف وادخالها ضمن مفاعيل قرار وقف الأعمال العدائية، وهو مطلب جاء على لسان رياض حجاب في آخر تصريحاته أيضًا عندما طالب بوقف إطلاق نار شامل على كل الأرض السورية كشرط للعودة الى المفاوضات، ولا ننسى طبعًا الهجوم الذي شنّه جون كيري على الرئيس الأسد وحمّله مسؤولية استمرار الحرب وهدّد بالعودة الى الحرب وكأنّ سوريا حاليًا هي واحة سلام ولا تعاني من ويلات حرب مستمرة على مدى خمس سنوات.
طبعًا لم يعد خافيًا على أحد رغبة اميركا بتحقيق متغيرات ميدانية لمصلحة الجماعات المسلحة او كما تصفها بالمعارضة المعتدلة، وهو أمر يبدو واضحًا من خلال تحميل الجيش السوري مسؤولية الخروقات كلها دون الإشارة كليًا الى ما تقوم به الجماعات المسلحة من هجمات ولا القصف الذي تستهدف به الأحياء الغربية لمدينة حلب، وما الكلام الأميركي عن امكانية هجرة حوالي 400 الف من السوريين يقطنون الأحياء الشرقية لحلب التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة إلّا محاولة لقلب المشهد، حيث يتناسى الأميركيون أنّ حوالي أربعة ملايين من السوريين يقطنون الأحياء الغربية لحلب التي يسيطر عليها الجيش السوري والتي تعرضت على مدى 13 يومًا لقصف غير مسبوق من الجماعات المسلحة، ما أدّى الى استشهاد اكثر من 160 شخصًا وجرح حوالي الألف من السوريين.
لافروف الذي تكلم بلغة قاسية حول نوايا تركيا وطموحاتها العثمانية كما وصفها وعدم تجرؤ السعودية وتركيا على القيام بتدخل بري في سوريا بسبب وجود القوات الروسية، ورغم انه تعرض للسياسة الأميركية بوضوح إلّا أنّ كلامه اقتصر على العناوين وبلغة ديبلوماسية اقرب الى العتب حيث قال: "أعتقد أنه بمقدور واشنطن مطالبة حلفائها في الناتو بتنفيذ القرارات التي تنص صراحة على ضرورة مشاركة الطيف الكامل من المجتمع السوري في المفاوضات. وبمقدورها أيضًا الوفاء بالوعد القديم بابتعاد ما يسمى "المعارضة المعتدلة" التي يدعمونها عن "جبهة النصرة" و"داعش""، وأشار إلى وجود تقدم ملموس في مجال إيصال المساعدات الإنسانية إلى الشعب السوري، وندد بإغلاق تركيا لمعبر "القامشلي" على الحدود مع سوريا أمام المساعدات الإنسانية.
لافروف الذي يدرك الرغبات الأميركية، يبدو أنه يمارس هذه الأيام ديبلوماسية ممزوجة بالدهاء هدفها استنفاذ أوراق الضغط الأميركية والمحاولات الرامية الى خلق واقع جديد يتم استثماره في مفاوضات جنيف، ويتم تسجيلها كإنجاز لإدارة الرئيس أوباما في آخر أيامها.
حلب وجبهاتها بتقديري ستشهد مزيدًا من الضغط ليس آخرها الهجوم الذي تقوم به الجماعات المسلحة على جبهة خان طومان منذ ساعات، والذي تم استيعابه من قبل الجيش السوري وتم إلحاق خسائر كبيرة بالمهاجمين على غرار الهجمات السابقة الفاشلة على مدى شهر.
هذا النوع من العمليات سيكون عنوان المرحلة القادمة، وسنشهد مزيدًا من المراوحة حتى تكتمل الصورة بشكل اوضح على المسار الديبلوماسي رغم جهوزية الجيش السوري للقيام بأي نوع من العمليات سواء كانت هجومية او دفاعية، إلّا أنّ المسألة الساسية الآن هي العمل الروسي الجدي على موضوع عزل جبهة النصرة عن الجماعات الأخرى والذي سيصل برأيي الى طريق مسدود وسيرى الجانب الروسي نفسه مرة جديدة في قلب الميدان وبقوة.
بين خبث كيري وديبلوماسية لافروف الوجع والألم سيكون نصيب السوريين وتحديدًا منهم اهل حلب الذين يدفعون ثمنًا كبيرًا لصمودهم وتمسكهم بأرضهم، رغم أنّ الحل الأوحد في ظل هذه المراوحة هو كسر الخطوط الحمراء الأميركية من خلال عمليات محدودة ذات مردود كبير، وأعني بها أقله استكمال العمليات باتجاه طريق الكاستيلو وقطع الإمداد عن الجماعات المسلحة في أحياء حلب الشرقية واستعادة تل العيس.
امام هذا الصلف والخبث الأميركي، هناك لغة واحدة تفهمها اميركا والجماعات التي تشغلها وهي لغة الحسم، فأميركا لا تقدم أية تنازلات الا وهي مجبرة، والسؤال هو: هل سيتم كسر الإرادة الأميركية في الميدان وثمن كسر هذه الإرادة في المناسبة أقل بكثير من ثمن المراوحة والإستنزاف؟
الجواب برسم القيادة السورية وحلفائها الروس والإيرانيين، فهم وحدهم يملكون كامل المعطيات للإجابة على هذا السؤال.