الغلاء وانقطاع الكهرباء يجهزان على مواسم المونة.. 90% من الأسر الريفية انتقلت لتجفيف المونة بدلاً من تجميدها

الغلاء وانقطاع الكهرباء يجهزان على مواسم المونة.. 90% من الأسر الريفية انتقلت لتجفيف المونة بدلاً من تجميدها

أخبار سورية

الجمعة، ٢٩ أبريل ٢٠١٦

وقفت أم محمود تحصي نقود الجمعية المشاركة فيها مع صديقاتها إن كانت تكفي لشراء ما يمكن أن يؤمن لها زاداً كافياً تدخره لأيام الشتاء وسط هذا الغلاء الفاحش أم لا؟

50 كيلو غراماً من الفول ومثلها من البازيلاء اعتادت عائلة أم محمود أن تمون، بعد أن انتقلت أسرة ابنتهم للسكن معهم عقب وفاة زوجها، كمية بالكاد تكفيهم مدة عام، فالعام الماضي كان كارثياً بالنسبة لهم حيث اضطرت أم محمود لرمي أكثر من نصف المونة بعد تلفها بسبب انقطاع الكهرباء ساعات متواصلة لكنها رغم ذلك أصرت على ادخار المونة هذا العام وهي تقول : «ما عنا غير المونة نأكلها» وكأنها تشير إلى أنها أكثر ما تعتمد عليه عائلتها في الشتاء.
لا يمكن القول: إن تحضير المونة في الظروف الحالية الصعبة التي تمر فيها سورية هو نوع من البطر، وإنما يمثل حاجة اقتصادية ضرورية أكثر من أي وقت مضى كما أنها تشكل عنصراً غذائياً سليماً من الناحية الصحية.
الأستاذ في قسم علم الاجتماع د. طلال مصطفى قال: إن الإنسان لا شعورياً يتجه بفطرته لعملية التخزين سواء كان في حالة السلم أو الحرب محاولاً البحث عن أمنه الغذائي الذي يرتبط باستمرار حياته ووجوده، مضيفاً أنه في حالة الحرب يصبح لدى الإنسان دافع أقوى للتموين والتخزين خوفاً من الانقطاع.
بينما رأى الأستاذ في كلية التربية د. رياض العاسمي أن عملية تخزين المونة وادخارها يتعلقان بحب امتلاك الفرد للأشياء، فهي عادة موجودة عند شعوب متباينة في العالم نتيجة اختلاف الظروف المناخية وتعطي الفرد شعوراً بالطمأنينة والراحة النفسية أنه يمتلك احتياجاته البيولوجية الأساسية في وقت الشدة.
تجفيف طبيعي
عشرات الأسر خسروا ما ادخروه العام الماضي من مواد غذائية، والكثير منهم أجبر على إفراغ ثلاجته من أكياس المونة التالفة قبل مجيء أيام الشتاء، حتى اننا لا نبالغ إذا قلنا انه لم تعد هناك «حاوية» إلا ترى بجوارها مئات الأكياس المرمية من المونة التالفة، لكن أغلبهم عاد للتموين هذا العام بالطريقة نفسها (التفريز) عبر الثلاجة وهو على أمل أن يكون وضع الكهرباء أفضل هذا العام، في حين لم يكلف البعض الآخر نفسه عناء التفكير بوضع الكهرباء، حيث قام بتخزين المونة من خلال تجفيفها تحت أشعة الشمس ليضمن صلاحيتها مدة أطول.
90%من الأسر السورية في الأرياف عادت لفكرة المونة المجففة طبيعياً تحت أشعة الشمس كما قال د. مصطفى، وذلك في خطوة للتأقلم مع انقطاع الكهرباء، بينما نسبة كبيرة من الأسر في المدينة بدأت اعتماد تلك الطريقة خوفاً من انقطاع المواد الغذائية بسبب الحرب، كنوع من المضادات الأولية والحالات الدفاعية اللاشعورية عن أمنهم الغذائي. وأضاف: هذا النمط الذي اعتمده أجدادنا مازال بعض السوريين يعتمدونه وعادوا إليه مجدداً بسبب ظروف الحرب في البلاد فالكثير من الأسر في العام الماضي اضطر لتقديم مونته كهدايا للجيران أو رميها بسبب تلفها.
غلاء وحرمان
يبقى موسم المونة في واقع الحرب غصة بالنسبة لبعض الأسر المهجرة التي بالكاد تؤمن قوت أولادها كل يوم بيومه، يتحسرون على ما آل إليه حالهم من تهجير واضطرار لدفع أكثر من نصف راتبهم للإيجار، ناهيك بالغلاء الفاحش الذي عمّ كل شيء وحرمهم من الاستمتاع بالتحضير لمونة الشتاء.
أنواع المواد الغذائية المخزنة وكميتها وتالياً مدة كفايتها تختلف من بيت لآخر، فبعض الأسر تمون لأسبوع وأخرى لشهر وغيرها لمدة عام، وهذا التباين الكبير يعود إلى الحالة المادية للأسرة وبعد النظر والتخطيط السليم لربة الأسرة وهنا يقول د. مصطفى: أغلب الأسر كانت تمون لمدة عام كامل قبل الحرب، أما اليوم بسبب ارتفاع الأسعار وعدم كفاية الدخل، بات هناك نوع من الميزانية الغذائية المخصصة لمدة شهر أو أسبوع أحياناً، وهؤلاء الأسر نسبتهم كبيرة.
وأضاف: هناك أولوية في عملية التخزين فدائماً تبحث الأسرة عما هو مهم من المواد الأساسية (كالزيت، البقوليات، القمح...) ومن ثم تخزن المواد الأخرى التي يمكن الاستغناء عنها.
تستغلها لتعتاش
حالة استنفار تصيب عائلة أم مجد عند مجيء موسم الفول والبازلاء فجميع أفراد الأسرة ينهمكون في «تفليق» هذه المواد لبيعها في السوق، فهي بذلك تؤمن إيجار المنزل لمدة خمسة أشهر وتقول: هذه المواد مطلوبة من قبل بعض السيدات اللواتي لا يقمن بتخزين المونة بسبب أوضاعهن الوظيفية، بينما لا تتكاسل أم سليم عن تخزين المونة بدافع البيع إضافة لتأمين الغذاء الصحي السليم لأسرتها في فصل الشتاء وترى أن التموين أفضل من شراء المواد المعلبة الجاهزة لاعتبارات اقتصادية أيضاً، وهنا يقول العاسمي: تتحول ظاهرة المونة عند بعض التجار من كونها عادة طبيعية إلى حالة مرضية، نتيجة مشكلات نفسية يعانيها الفرد بأن يقوم بجمع المواد الغذائية ليس بقصد الاستفادة منها وإنما لحرمان الناس واستغلالهم عبر احتكارها وبيعها بأسعار عالية، وهذا شكل من أشكال التدمير الذاتي للمجتمع.
دانية الدوس - تشرين