قانون الإيجار الجديد..إجـــــارة.. أم جــــــــور؟!

قانون الإيجار الجديد..إجـــــارة.. أم جــــــــور؟!

أخبار سورية

الخميس، ٢٦ نوفمبر ٢٠١٥

الأزمنة – مجد سليم عبيسي
بعد أن سفحنا الأحبار الكثيرة في سبيل إيصال الصوت لتحسين دخل المواطن واستعادة شعوره بقيمة الليرة السورية الواحدة، وبعد معارك عدة وجهنا خلالها بضرب جبهات المؤجرين للعقارات السكنية نصرة للمهجر وصاحب الدخل المحدود.. لم نجد من حليفتنا الحكومة سوى الصمت.. ومنذ أيام عدة استبشرنا بالخروج عن الصمت بخطوة اعتقدناها طويلة نحو وجهتنا عبر القانون الجديد رقم 20 لعام 2015 حول العقارات المعدة للسكن أو الاصطياف أو السياحة أو الاستجمام والعقارات المعدة لممارسة أعمال تجارية أو صناعية أو حرفية أو مهنة حرة أو علمية منظمة قانوناً. ولكن ردود الفعل الخبيرة وردود أفعال المنتظرين اتفقت على أن هذا القانون لم يمنع بعد صاحب العقار من امتصاص بدلات الإيجارات بشراهة من شرايين عوز المهجر والنازح والذي يعاني سلفاً فقراً في الكفاف!!
 
العقد شريطة المتعاقدين.. طامة؟!
جاء القانون الجديد بـ /19/ مادة خاصة بتنظيم تأجير العقارات، وبعد أن طالت مدة دراسته تعلقت الآمال بأن يخرج بما يلجم جموح بعض أصحاب العقارات واستغلالهم لأوضاع المحتاجين. ولكنه مع الأسف لاقى انتقاداً ليس بقليل من قبل القانونيين والخبراء العقاريين وحتى المستأجرين أنفسهم.
أحد الخبراء العقاريين أكد في تصريح صحفي أن المرسوم لن يكون مجدياً إن لم يشمل الحالات السابقة من قضايا فروغ الإيجارات القديمة، في حين نوه آخر إلى أن المستأجرين قبل صدور القانون بموجب عقود موقعة سابقاً، لن يستفيدوا من أي ميزة في هذا القانون الذي ركز على أن العقد شريعة المتعاقدين..
رأي آخر أشار إلى أن القانون الجديد هو عبارة عن جمع للقوانين السابقة، ولم يأت بأي جديد إلا في حالة العقارات المؤجرة تجارياً، حيث أعطى الخيار للمؤجر عند البيع حق الفروغ أن يسترد عقاره، أو يتقاضى 10% من ثمن المبيع بعد إبلاغه بالثمن الذي بيع به حق الفروغ، في حال طبق على الحالات القديمة، وهذا غير واضح في القانون، أما في الحالات الجديدة فهي غير موجودة، اعتماداً على قاعدة أن العقد خاضع لإرادة المتعاقدين.
دوران الآراء في فلك أن القانون يدع العقد لأهواء المتعاقدين بحد ذاته طامة، لسبب أن الأمل الأساس بتحرير الإيجارات من هوائية أصحاب العقارات كانت هي المطلب المرجو من هكذا قرار، بمعنى أنه إن لم تتدخل الجهات المعنية بمندوبين عقاريين مشرفين وضابطين لعملية التعاقد بين المؤجر والمستأجر وفق مقياس مقنن ومحدد سلفاً ضمن القانون، فستبقى العشوائية سائدة، والتحكم بالمحتاجين لمسكن هي ديدن العلاقات العقارية بوجود هذا القانون الجديد أو عدمه.
 
ضبط الإيجار من دون ضبط سعر العقار؟!!
جاء في المرسوم ضبط لنسبة الإيجار وفقاً لقيمة العقار، ولكن لم يتم ضبط قيمة العقار نفسه!! بمعنى أن عملية تحديد الإيجار بما يتناسب مع دخل المواطن السوري والقيمة التقديرية لمتوسط نفقاته المعيشية في الشهر لم تؤخذ بعين الاعتبار في القانون، وبالتالي لم يستفد المواطن شيئاً وبقي واقعاً تحت كسر الإيجار الذي يتطلب منه أن يتبع الطرق الملتوية في معظم الأحيان لموازنة الدخل مع الرقم الكبير لبدل إيجار مسكنه.. وأبسطها التهرب من سداد فواتير الكهرباء والماء والاستجرار بطرق غير قانونية!! وبالتالي تقل موارد الدولة النظامية مقابل زيادة مكاسب أصحاب العقارات!!
ضمن القانون الجديد يصل متوسط الإيجار الشهري السكني لعقار متوسط يقدر ثمنه بـعشرين مليوناً –وهذا طبعاً رقم هزيل مقارنة بالأرقام الكبيرة لأسعار العقارات اليوم- يصل إلى أكثر من ثمانين ألف ليرة شهرياً.. بمعنى أن المواطن السوري سيدفع دخله المحدود بالكامل وزيادة عليه لسداد بدل إيجار مسكن يؤويه وعائلته!!
وهذا ما يمكن ملاحظته بوضوح في الفقرة "د" من المادة الأولى من المرسوم 20:
"د- تحدد أجور العقارات المبينة في الفقرة ج من هذه المادة وفقاً للنسب الآتية من قيمة العقار المأجور بتاريخ رفع الدعوى وذلك عن سنة ميلادية..
1-5 بالمئة من قيمة العقارات المؤجرة للسكن مضافاً إليها 20 بالمئة من قيمة الأثاث الداخل في عقد الإيجار.
2-6 بالمئة من قيمة العقارات المؤجرة لمزاولة مهنة حرة أو علمية منظمة قانوناً.
3-7 بالمئة من قيمة العقارات المؤجرة للدوائر الرسمية لاستعمالها محاكم أو المؤجرة للاستثمار التجاري أو الصناعي أو لمهنة حرفية أو المؤجرة للأحزاب السياسية أو الجهات العامة أو الوحدات الإدارية أو المنظمات الشعبية أو النقابات على مختلف مستوياتها أو الجمعيات.
4-8 بالمئة من قيمة العقارات المأجورة لاستعمالها مدارس."
حتى هذه النسب المحددة لضبط الإيجار هي مطاطة في المرسوم. فبحسب تصريح للمحامي والباحث العقاري د. عمار يوسف أكد أنه "لن يكون للقانون أي منعكس على خفض أسعار الإيجارات، لأن ارتفاع أسعار الإيجارات عائد لحالات العرض والطلب، وكذلك فرز المناطق في سورية إلى آمنة وغير آمنة، إضافة إلى مشكلة أساسية هي غلاء المعيشة بشكل عام، وارتفاع سعر الصرف، ما أفقد العملة السورية شيئاً من قيمتها. لهذه الظروف جميعاً ارتفعت الإيجارات بشكل غير منطقي، والارتفاع مستمر طالما لم تنته الظروف التي رفعت الأسعار".
 
أربع إشارات تعجب في القانون:
أولاً:
أشار د. يوسف أيضاً إلى أنه في هذه الفترة يقوم المؤجر بإبرام عقد لا يتجاوز ستة أشهر مع المستأجر، وذلك لغرضين، الأول: إنه يتقاضى البدل عن كامل المدة العقدية، والثاني: إنه يقوم برفع بدل الإيجار بعد هذه المدة العقدية مرغماً المستأجر على خيارين لا ثالث لهما، دفع الزيادة أو الإخلاء من العقار، وهذا لا يمكن أن يطوله القانون بأي حال من الأحوال، وكذلك لا يمكن للقانون أن يرغم المؤجر على تأجير عقار، وكذلك لا يمكن إرغامه على تحديد بدل الإيجار وفق القواعد القانونية.
وحول هذه النقطة اقترح "أحمد سمعان متعهد وخبير في الشؤون العقارية" أن يكون في أي عملية توقيع لعقد بين طرفين ممثلاً من البلدية كخبير لتقييم العقار وتقييم بدل إيجاره، ويشارك بعملية توثيق العقد، ويأتي تقييمه لسعر إيجار العقار بصفته مندوباً معتمداً رسمياً. عندها سيكون عمل اللجنة المذكورة في القانون سابقاً لتقاضي إيجار المدة العقدية كاملة، ولن يقع المواطن في غبن، ولن يضطر لرفع دعوى لاحقة، لتأتي اللجنة وتقيم بعد انتهاء المدة العقدية.
 
ثانياً:
تنص المادة (3) من القانون في الفقرة أ: "تسجل عقود الإيجار لدى الوحدات الإدارية “المحافظة – المدينة – البلدة – البلدية على أن تتضمن هذه العقود مفصل هوية المتعاقدين وعنوان كل منهما وتوقيعهما أو من يمثلهما قانوناً ومدة الإيجار وبدله وأوصاف المأجور والغاية من التأجير وجميع الشروط المتفق عليها ويستوفى من المؤجر عند التسجيل رسم مقداره 1 بالمئة من بدل الإيجار الشهري على ألا يقل هذا الرسم عن خمسمئة ليرة سورية للعقار السكني وعن ألف ليرة سورية للعقار التجاري أو الصناعي والمكاتب الفنية والخدمية ويصدر وزير الإدارة المحلية التعليمات التنفيذية لهذا التسجيل."
كما قال أيضاً رئيس اللجنة القانونية والدستورية بمجلس الشعب، نبيل درويش عبر حديث إذاعي: "إن من يجد نفسه مغبوناً بعد صدور هذا القانون، يمكنه أن يرفع دعوى لتأتي لجنة التقييم، وما سبق القانون من عقود، يكون العقد شريعة المتعاقدين.
وأضاف: إن القانون الجديد تناول موضوع تحديد قيمة العقار، فالمادة 6 منه تتحدث عن الغبن من أحد الطرفين بالعقد، وتنص على ادعاء المؤجر أو المستأجر الغبن في بدل الإيجار، لكن هذا لا يعفي المستأجر من دفع بدل الإيجار المستحق بمقتضى الأحكام القانونية، على أن يجري الحساب بعد صدور حكم قطعي، كما لا يسمح الادعاء بالغبن بتحديد الأجرة إلا مرة واحدة كل ثلاث سنوات، تبدأ مدتها من تاريخ التعاقد بين الطرفين».
 
هنا يمكن ملاحظة قضية مهمة لم يتطرق لها القانون، وهي أن العقد المبرم بين الطرفين، يثبت في البلديات بسعر متدن جداً، هرباً من الضرائب، من دون رقيب أو حسيب!! فكيف سيستطيع المواطن المتعرض للغبن، أن يطلب لجنة للتقييم على أساس إيجار غير موجود بالعقد، ومبرم شفهياً، بينما مثبت لدى الجهات الرسمية بأسعار وهمية، وهذه الأسعار المسجلة لقيمة الإيجارات لا تحتاج إلى خبير كي يكشف مدى زورها، ويكون إلزام المؤجر بسعر معين وواقعي يسجل في العقد مستحيلاً، وإلا فسيحجم المؤجر بكل بساطة عن تأجير عقاره، ولا يوجد قانون في العالم يجبره على ذلك؟!
 
ثالثاً:
نص القانون الجديد، على أنه إن تنازل المستأجر عن المؤجر لمستأجر آخر، فإنه عليه إعلام صاحب العقار، وأن يدفع 10% من قيمة العقار، فإن كان العقار يساوي سعره 30 مليون ليرة مثلاً، فيجب على المستأجر أن يدفع 3 ملايين ليرة لصاحب العقار في حال تنازل عنه لمستأجر آخر.
هنا يؤكد أستاذ كلية الحقوق بجامعة دمشق، محمد خير العكام، في تصريح لإحدى الوسائل المحلية: "أن قانون إيجار العقارات الجديد أنصف المؤجر على حساب المستأجر".
هذا البند لم يكن موجوداً في القانون القديم، بل على العكس، سمح القانون السابق للمستأجر أن يتنازل عن المؤجر من دون علم صاحبه لأنه دفع له فروغاً أثناء استئجاره للعقار، مشيراً إلى أن المؤجر كان يرفع دعوى تخمين على المستأجر الجديد لتخمين قيمة العقار.
وإن إنصاف الطرفين يتجلى بتخفيض قيمة المؤجر أثناء تنازل المستأجر لآخر من 10% إلى 2 أو 3% تدفع لصاحب العقار.
 
 
رابعاً:
القانون جاء بـ 19 مادة، يتفرع عن كل منها فقرات وللبعض منها تعدادات وتفريعات، وبعض تلك الفقرات مرتبط بمواد وفقرات أخرى، إضافة إلى ما نصت عليه بعض المواد من ارتباطات بقوانين ومراسيم سابقة واستمرارية مفاعيلها، بحيث تعتبر استثناءً في معرض تطبيق القانون الجديد.
ما يجعل البحث في مدلول فقرة ما في معرض إيجاد حل لقضية أو مشكلة تعاقدية قائمة، متشابكاً ومتشعباً لمعرفة ارتباطاتها وحيثياتها في متن القانون نفسه والقوانين والمراسيم السابقة المرتبطة به. ويجعل الحل لحالة معينة بعيداً عن الموضوع والمباشرة وغير واضح المعالم!!.
 
حتى المالك لم يسلم !!
القانون الجديد لم ينصف المستأجر الجديد ببدل إيجار منطقي، ولم يضع ضوابط لإبرام عقود نظامية. ومن جهة أخرى لم ينصف المؤجر القديم بموجب الفقرة ج من المادة 1:
"ج- تبقى العقارات المؤجرة في ظل نفاذ أحكام المرسوم التشريعي رقم 111 لعام 1952 وتعديلاته خاضعة لأحكام التمديد الحكمي وتحديد بدل الإيجار."
أي إن العلاقة الإيجارية القديمة لا يمكن إنهاؤها إلا مقابل سداد المؤجر 40% من قيمة المأجور للمستأجر، وبالتالي لا يمكن للمالك استرداد عقاره إلا بسداد النسبة المذكورة. وهنا أيضاً لم يرفع القانون الجديد الغبن عن عقود الإيجارات القديمة أيضاً ومنه ستبقى الدار المأجورة قديماً حقاً مسلوباً يتوارثها أبناء المستأجرين وبأجرة زهيدة جداً محميين بالقانون 111 لعام 1952م ؟!.