قرى سهل الغاب السوري بمواجهة التكفيريين الوهابيين … أسطورة صمود

قرى سهل الغاب السوري بمواجهة التكفيريين الوهابيين … أسطورة صمود

أخبار سورية

الثلاثاء، ١١ أغسطس ٢٠١٥

يونس أحمد الناصر
كفريا و الفوعة و حق الحياة
ربما تكون قصيدة أبو محمد الجولاني قائد ما يسمى جبهة النصرة التي ينعق بها طفل صغير من ” بنش ” على أكتاف مقاتلي النصرة قبل سنوات أصدق تعبير عن مكنون ثورتهم اللعينة حيث يقول هذا الطفل : رح نذبح الشيعة … بكفريا و الفوعة , و يعلنون الولاء لتنظيم القاعدة.
ما وضع كل معتنقي الأديان و المذاهب الأخرى تحت سكين هذه الطائفية البغيضة , ووضع أبناء كل مكونات المجتمع السوري أمام خيار لا ثان له وهو المقاومة و المحافظة على حقهم في الحياة , بمواجهة الوهابية التكفيرية التي وضعت لها هدفاً وحيداً هو وضع حد لحياتهم بأبشع الطرق البربرية
الحق في التعبير و حق الحياة , حق مشروع حفظته كل القوانين
تسلل الفكر الوهابي إلى أبناء الطائفة السُّنية في المناطق التي دخلها هؤلاء الهمج , فمنهم من اعتنقها عن اعتقاد حقيقي براية هؤلاء و أهدافهم المعلنة وهي الدفاع عن الطائفة السنية و العودة بالدين إلى الطريق الصحيح و نشر الإسلام بحد السيف كما يعتقدون و يقولون( بأن الإسلام لا ينتشر إلا على الأشلاء الآدمية) , و منهم من اعتنقها خوفاً على حياته من هؤلاء المجرمين القتلة الذين لا يعترفون بحق البشر في التعبير و لا حقهم في الحياة , و لا يرون العالم سوى من منظورهم الضيق و هو( إما أن تكون مثلي أو تموت ) , فمارس هؤلاء أبشع الجرائم بحق المسيحيين رجال دين و مواطنين , و قتلهم و التمثيل بجثثهم و حرق لكنائسهم و تخريب لأديرتهم و تصويرها و بثها للعالم , ناهيك عن استهدافهم لمعتنقي الطوائف الإسلامية الأخرى كالدروز و الإسماعيلية و العلويين و حتى من أبناء الطائفة السنية نفسها الذين لا يقولون بمقالتهم .
كفريا و الفوعة…. وحق الحياة
تبعد بلدتي “الفوعة” و”كفريا” عن مدينة “إدلب” حوالي 10 كيلومترات شمالی شرق مدينة “إدلب”، ويفصلهما عن بعضهما حوالي ثلاثة كيلومترات، قبل سقوط مدينة “إدلب”، وبالنظر إلى كون المناطق المجاورة لهاتين البلدتين قد وقعت تحت سيطرة الجماعات الإرهابية المسلحة ومن بينها “جبهة النصرة”، كان هناك طريق واحد يربطهما بمدينة “إدلب”، وبدخول الميليشيات إلى “إدلب” قُطع أيضاً هذا الطريق.
وعندما سيطرت الجماعات التكفيرية -“جيش الفتح” على مدينة “إدلب” في 29 آذار/ مارس الماضي، كانت ترى أن أمر بلدتي “الفوعة” و”كفريا” منتهياً، لكن على خلاف ما توقعه التكفيريون، لم تكن البلدتين لقمة سهلة بالنسبة لهم، ولا تزال البلدتين صامدتين بوجه الوحوش البشرية و آلاف القذائف التي تسقط عليهما يومياً , و إن الرجال المدافعين عن البلدتين أفشلوا كل محاولات النصرة بالسيطرة عليهما رغم الحصار الخانق على مدى السنوات الماضية من تاريخ العدوان على سورية .
تشير أحدث الإحصائيات إلى أن عدد سكان بلدة “كفريا” يبلغ حوالي 15 ألف نسمة، بينما يبلغ عدد سكان بلدة “الفوعة” حوالي 35 ألف نسمة، أي أن مجموع عدد السكان في المدينتين يصل إلى 50 ألف نسمة، وتقع مدينة “بنش” جنوبي “الفوعة”، وتعد هذه المدينة من المناطق التي دخلها فيروس الوهابية القاتل ، وقد تكونت بها أولى الجماعات الإرهابية التكفيرية مثل جماعتي “أحرار الشام” و”جبهة النصرة”.
في الشمال، تجاور “كفريا” أيضاً مدينة “معرة مصرين”، وهي كمدينة “بنش” تقع تحت سيطرة الجماعات الإرهابية المسلحة، وترتبط مدينتا “الفوعة” و”كفريا”، اللتين تفصلهما مسافة ثلاثة كيلومترات- بطريق ترابي يقع تحت سيطرة الجيش العربي السوري.
في أعقاب سيطرة ما يسمى جيش الفتح العثماني و الذي تشكل جبهة النصرة العمود الفقري له على مدينة “إدلب”، قامت الجماعات الإرهابية التكفيرية بمحاصرة مدينتي “فوعة” و”كفريا” بهدف السيطرة عليهما، والآن فإن حوالي 50 ألف نسمة يقعون تحت الحصار الكامل للتكفيريين ، ويعيشون في أوضاع بالغة السوء، وتشهد بعض مناطق “الفوعة” المجاورة لمدينة “بنش” اشتباكات متفرقة بشكل يومي بين لجان الدفاع الشعبي والإرهابيين التكفيريين، في الوقت الذي لا يجب أن نتجاهل فيه القناصة التكفيريين الذين يستهدفون أهالي هذه المنطقة.
كذلك الأمر في مدينة “كفريا”، حيث تشهد المناطق المجاورة منها لمدينة “معرة مصرين” اشتباكات يومية عنيفة بين لجان الدفاع الشعبي لهذه المدينة والعناصر الإرهابية في مدينة “معرة مصرين”.
يعد الاعتداء الذي حدث على بلدتي “الفوعة” و”كفريا” في 25 من شهر شباط/ فبراير الماضي ، وقد واجه مقاومة شرسة من قبل لجان الدفاع الشعبي، مما أضطر الجماعات الإرهابية إلى الانسحاب ليتكرر الهجوم اليوم بضراوة أشد من السابق ، و يمكن القول بكل ثقة إن الأوضاع الأمنية لهاتين البلدتين تقع تحت سيطرة لجان الدفاع الشعبي، وأن هذه القوات تسيطر تماماً على كافة النقاط الحدودية المحيطة بهاتين المدينتين، وترصد منها تحركات الجماعات الإرهابية التكفيرية.
منذ بداية الأزمة في سورية، كان سكان المدينة الذين يعتنقون مذهب الشيعة كما ذكرنا في بلدتي “الفوعة” و”كفريا” حاضرين دائماً في الدفاع عن بلداتهم إلى جانب الجيش والقوات المسلحة السورية ضد الميليشيات الوهابية و التي ارتكبت جريمة قرية ” حطلة ” الشيعية في دير الزور الشهيرة و التي قتلوا خلالها النساء و الأطفال بدم بارد , و على كاميرات الإعلام تباهى نوَّاب كويتيون بجريمتهم النكراء بذبح أبناء تلك القرية , كما شارك أبناء هاتين البلدتين في عمليات كسر الحصار على مدينتي “نبل” و”الزهراء” في الريف الشمالي لمدينة “حلب” المحاصرتين أيضا من قبل الميليشيات الوهابية التكفيرية , فالشيعة كما ذكرنا وفق مفاهيم الوهابية «كفرة»، ومن هذا المنطلق يتوجب وفق عقيدة النصرة قتل سكان هذه المناطق جميعاً.
كفريا و الفوعة و نبل و الزهراء … صمود أسطوري
مئات السنين عاش خلالها سكان هذه المناطق بتوادٍ و تراحم مع جيرانهم من كل مكونات المجتمع السوري حتى دخل هذا الفكر التكفيري الغريب , حيث قامت هذه الجماعات الإرهابية بالقطع الكامل لكافة خطوط نقل الماء والكهرباء والغاز، ومنع دخول كافة أنواع المواد الغذائية، والدواء والمساعدات إلى هاتين المدينتين، حيث واجه الأهالي في الأسبوع الأول من الحصار نقصاً في الدقيق والوقود، مما أدى إلى غلق المخابز, فعمل أهالي البلدتين المحاصرتين على استخدام الحطب لتوليد الوقود، كما قاموا بطحن القمح بأنفسهم لتوفير الدقيق، واتجه أهالي مدينتي “فوعة” و”كفريا” كذلك إلى زراعة الخضروات لتوفير احتياجاتهم من المواد الغذائية الأخرى، و يعمل الجيش السوري أيضاً لتوفير الإمداد اللازم عبر عمليات الإنزال الجوي، إلا أن عدد السكان الكبير لهاتين البلدتين يجعل هذه المساعدات غير مؤثر بشكل كبير , فالأزمة خانقة و الصمود كبير .
ومن خلال ما تم ذكره عن الأوضاع الأمنية والمعيشية لبلدتي “الفوعة” و”كفريا”، يمكن إدراك الأوضاع الصحية لهما، حيث تواجه الآن المستشفى التخصصي لبلدة “الفوعة”، والمركز الصحي في مدينة “كفريا” نقصاً في الدواء والمعدات الطبية، الأمر الذي صعَّب من علاج الأفراد المتضررين من القذائف التي تطلقها الميليشيات المسلحة بشكل عشوائي على البلدتين أيضاً.
أهالي بلدتي “فوعة” و”كفريا” يؤكدون إصرارهم على التصدي لهجمات الجماعات التكفيرية بكل ما لديهم من قوة، حيث لا خيار آخر لهم سوى الموت أو الصمود , و دخول الإرهابيين مناطقهم يعني الموت المحتم لهم, و كارثة إنسانية رهيبة يحاول الجيش السوري و القوى المدافعة عن هذه البلدات الحؤول دون حدوثها , في الوقت الذي يقف العالم الذي يدعي الديمقراطية و الحرية ينظر بوقاحة لما يحدث دون أن يحرك ساكناً, بل أكثر من ذلك لا زال السلطان العثماني أردوغان و خلفه الوهابية البغيضة يقدمون كل وسائل الدعم لهذه العصابات التكفيرية, وستبقى المنظمات الدولية بما فيها الأمم المتحدة تتفرج و سيبقى بان كيمون القلق دائماً قلقاً على مصير الشعوب التي تتعرض للفناء و يرقص في مراقص نيويورك على جثث الضحايا في العالم أجمع .