الجيش العربي السوري والانهيار المزعوم..

الجيش العربي السوري والانهيار المزعوم..

أخبار سورية

الجمعة، ٣١ يوليو ٢٠١٥

 عمر معربوني 
السؤال البديهي بعد جولات من المعارك في سياق الحرب التي تستهدف سورية وخصوصًا الحرب الإعلامية والنفسية، هل وصل الجيش العربي السوري إلى حافّة الانهيار وسيخسر الحرب؟ أو أنّ الأمر مجرّد تضخيم لحقائق ليست موجودة؟
والجدير بالذكر، أنّ هذا المقال يتزامن مع حلول العيد الـ 70 لتأسيس الجيشين العربي السوري واللبناني اللذان يخوضان الحرب في مواجهة الإرهاب بكفاءة وجدارة قلّ نظيرهما، وموضوعنا الليلة سيكون عن الجيش العربي السوري على أن يكون لنا غدًا مقال عن الجيش اللبناني ومواجهته للإرهاب.
بداية، لا بدّ من الإشارة أنّ العمل الدعائي من قوى الهجمة على سورية ومنذ اليوم الأول لشن الحرب لم يتوقف لحظة واحدة ضمن خطط ممنهجة تهدف إلى إسقاط سورية الدولة والمجتمع من خلال إسقاط مؤسسة الجيش والقوات المسلّحة التي تخوض الحرب للسنة الرابعة على التوالي، وهو أمر ليس بالهيّن ولا السهل خصوصًا أنّ الكثير من التعقيدات تواكب هذه الحرب لجهة تغليف الهجمة بالثورية والتغيير الذي يتنافى مع المسارات الطبيعية لعمليات التغيير. وحقيقة الأمر أنّ الجيش العربي السوري يخوض الحرب في مواجهة عدو يدرك منذ اللحظة الأولى ماذا يريد لجهة خوضه الحرب اللامتوازية القائمة على أنماط متطورة من حروب العصابات، والتي تعجز كبرى الجيوش عن تحمل نتائجها والصمود في مواجهتها، وهو أمر لم يحصل في سورية وللجيش العربي السوري للعديد من الاعتبارات التي سنأتي على ذكرها في سياق المقال.

وبحسب مخططات الجماعات التكفيرية، فإنّ المهمة الأساسية لها كانت العمل على تفكيك الجيش السوري وهي مهمة تتقاطع مع الرغبة الأميركية والصهيونية والتركية والسعودية، حيث أنّ هذه الجماعات في وثائقها تعتبر تحقيق الهزيمة بالجيش العربي السوري مهمة شاقّة وطويلة. وهذه الجماعات ومشغليها وداعميها باتوا يُدركون أنّ مرحلة تفكيك الجيش العربي السوري طالت أكثر من المدّة المخطط لها بكثير، وأنّ مرادهم لم يتحقق حتى اللحظة حيث تشير الوثائق إلى وصول نسبة المنشقين عن الجيش نسبة إلى 11% وهي نسبة قليلة جدًا على عكس ما كان مطلوبًا تحقيقه.

وعلى مدى أربع سنوات من الحرب، ورغم التضحيات الكبيرة وعدد الشهداء الكبير في صفوف الجيش العربي السوري، إلاّ أنّ النتائج حتى اللحظة تشير إلى وقائع ومعطيات تصب في مصلحة الجيش العربي السوري في المسار العام للمعركة الشاملة. وهنا لا بدّ من استعراض هذا المسار للدلالة على طبيعة الوقائع الميدانية انطلاقًا من خرائط السيطرة وكيفيتها، مع ضرورة الإشارة إلى أنّ الجيش العربي السوري يخوض المعركة حتى اللحظة بقيادة موحدة تشمل كل وحدات القيادة والسيطرة من رئاسة الأركان العامة وهيئة التخطيط والعمليات وأجهزة الاستخبارات المختلفة ضمن مستوى عالٍ من التنسيق وبأداء متميز استطاع أن يواكب طبيعة العمليات ويخرج بتجربة كبيرة شكّلت ردًّا على أساليب الحرب اللامتوازية عبر التخلي عن النمطية والذهاب إلى اللانمطية، سواء في أشكال وأنماط القيادة والسيطرة أو بالنسبة لخوض المعارك ضمن تشكيلات وأنماط قتال غير معتادة عقّدت على الجماعات الإرهابية مهمتها في تفكيك وهزيمة الجيش العربي السوري ووضعتها في مرحلة الاستنزاف حيث باتت وحدات الجيش العربي السوري تمتلك خبرات كبيرة بأنماطها وأساليبها، وأعني هنا ممارسة الحرب العكسية بأسلوب الجماعات الإرهابية.
وحتى لا أدخل كثيرًا في توصيفات أكاديمية، سأقوم باستعراض الواقع الميداني في سورية للدلالة على الحقائق والنتائج انطلاقًا من خرائط السيطرة الحالية.

يتميز الميدان السوري حاليًا بثلاثة أشكال ميدانية:
1- الجبهات المتحركة كجبهتي الحسكة والقلمون، وهما جبهتان تشهدان إنجازات وانتصارات ذات طابع استراتيجي وليس موضعي، أمّا بخصوص جبهة الحسكة فإنّ الانتصارات التي يحققها الجيش العربي السوري هناك ترتبط بالبعدين السياسي والعسكري حيث تدحض النتائج الميدانية ما يحاول أعداء سورية ترويجه حول نوايا التقسيم واستغلال الكلام عن التخلّي عن الجغرافيا، فالدولة السورية من خلال انتصارات الجيش ترد بالسلوك على هذه الادعاءات. أمّا في الجانب العسكري، فإنّ هذه الانتصارات سيكون لها نتائج مفيدة في سير الحرب على كامل المنطقة الشرقية، إذا ما تابعنا تطور العمليات في دير الزور وفي محيط تدمر عندها يمكننا مشاهدة المشهد المستقبلي لسير العمليات العسكرية لجهة ربط الجبهات ببعضها بعد تحقيق حالة الانهيار في صفوف الجماعات الإرهابية. أمّا بالنسبة لمعركة القلمون، فهي تشهد المراحل الختامية لتحقيق إنجاز استراتيجي كبير سيؤدي إلى إفشال مخطط ربط القلمون بحرمون بعد تحرير مدينة الزبداني وتحقيق أعلى مستويات الأمان للمجال الحيوي للدولة السورية الممتد من العاصمة دمشق وصولاً إلى المنطقة الوسطى على مشارف حمص، وهو أمر سيكون له نتائج أخرى أيضًا لجهة الاستغناء عن أعداد كبيرة من المقاتلين يتمركزون حاليًا في جبهة القلمون يمكن زجّهم بالقتال في جبهات أخرى بحسب الأولوية والأهمية الميدانية.

2- الجبهات الثابتة والتي تدور فيها معارك خطوط تماس بهامش قتال متحرك شبه جامد، كجبهات حلب وحمص وحماه والغوطة الشرقية والجنوب السوري، حيث تشهد هذه الجبهات شبه حالة قتال نمطية يمارس فيها الجيش العربي السوري والجماعات الإرهابية تبادلاً للنار على خطوط التماس بفارق أنّ الجيش العربي السوري يملك قدرات استطلاع وقطع خطوط إمداد أفضل لجهة استخدام سلاح الجو والمدفعية لهذه الغاية. وهنا لا بد من ضرورة الإشارة إلى أنّ هذا النوع من القتال تفرضه معطيات ميدانية ترتبط بعوامل عديدة يعمل الجيش العربي السوري على توفيرها للانتقال إلى المرحلة اللاحقة التي لم ولن تتوفر للجماعات الإرهابية المسلّحة، وهي قدرة تفعيل الفعل الاستراتيجي رغم قيام هذه الجماعات بشن هجمات مستمرة خصوصًا على جبهات حلب التي وعلى مدار أكثر من سنة حقق الجيش العربي السوري فيها انتصارات نوعية وحرر خلالها مساحات واسعة في الأرياف الشرقية والشمالية والجنوبية والغربية لمدينة حلب، ومن ضمنها السجن المركزي والمدينة الصناعية ومزارع الملاح وصولاً إلى تموضع وحدات الجيش على بعد كيلومترات من بلدتي نبل والزهراء في الريف الشمالي. أما في حمص، فلا بد أن نذكر أنّ تحرير أرياف حمص من تل كلخ إلى منطقة الحصن وكامل المدينة أيضًا هي إنجازات تمت خلال نفس الفترة التي كانت تجري فيها العمليات في أرياف حلب، وكذلك أرياف حماه التي لم يتبقَ منها كمواقع هامّة سوى اللطامنة وكفرزيتا خصوصًا أنّ مدينة مورك كانت من أكبر معاقل الجماعات المسلّحة. هذا بالإضافة إلى إنجازات كبيرة في الغوطة الشرقية من تحرير المليحة ومناطق عديدة، وصولاً إلى عدرا البلد وعدرا العمالية فمشارف دوما والعديد من العقد القتالية وأهمها مثلث الربط بين محافظات ريف دمشق والقنيطرة ودرعا والكثير الكثير من الإنجازات.

3- جبهات السيطرة المتبادلة، ويمكن إطلاقها بامتياز في هذه الفترة على جبهات إدلب ومدخل سهل الغاب حيث كان لانسحاب الجيش العربي السوري من مدينة إدلب وخوضه قتالاً غير متكافيء على جبهات جسر الشغور وأريحا نتائج أرخت بظلها على هذه الجبهة، تؤدي إلى سيطرة متبادلة وغير مستقرة حتى اللحظة لمجموعة كبيرة من الأسباب تختلط فيها عوامل البيئة الحاضنة وزج الجماعات المسلحة لإمكانيات بشرية وعسكرية وتدخل مباشر للمخابرات التركية في الدعم اللوجستي والناري وتوفير إمكانيات التشويش الإلكتروني والمعلومات الدقيقة عن تموضع وحدات الجيش وطبيعة تسليحها وانتشارها، وفرتها المخابرات التركية عبر صور الأقمار الصناعية والاستطلاع الجوي وهو أمر ساهمت فيه المخابرات الأميركية بشكل كبير.
وإذا كان لا بد من رد على رد الجماعات المسلحة ووسائل إعلامها على تفسير قول الرئيس الدكتور بشار الأسد أنّ الجيش يعاني من التعب، وما تم البناء عليه من انهيار وشيك للجيش العربي السوري، والرد هنا بسيط وواضح من خلال العرض لوقائع الميدان ومن خلال تعابير نص خطاب الرئيس السوري الذي يتطابق مع هذا العرض لجهة التعامل الواقعي مع الحرب وجبهاتها لجهة التخلي أحيانًا عن مواقع معينة لمصلحة مواقع أخرى أكثر أهمية، والسبب هنا مزدوج أحده يرتبط بأولويات القيادة والثاني يتعلق بالحفاظ على سلامة الجنود، وهو أمر ضروري برأيي للاستمرار بخوض الحرب وتغيير معادلاتها ونتائجها من خلال العمل بدقة وبالاعتماد على عامل الزمن لترابط الموضوع بالموارد البشرية اللازمة وبعض التفاصيل التي يتم التعامل معها بدقّة ومهنية وإبداع.

ختامًا، ليس هناك ما يدل أو يشير إلى انهيار، لا الآن ولا في المستقبل البعيد، في ظل إمساك الجيش السوري بالمنطقة الحيوية للدولة التي يسكنها أكثر من 65% من سكان سورية. إضافة إلى أمر هام وهو أنّ النازحين بنتيجة الحرب، إما ينزحون إلى مناطق الدولة أو إلى الخارج وهو ما يؤشر على معطى بغاية الأهمية، أنّ مناطق الجماعات المسلّحة لم تشكل بيئة مستقرة وآمنة للسوريين وهو أكثر المؤشرات وضوحًا لفشل مشروع هذه الجماعات الذي ربما تطول حلقاته إلاّ أنها محكومة بنهاية مؤكدة لمصلحة الدولة السورية والجيش العربي السوري.