هل نُعيد النظر؟.. الصناعة النسيجية.. أزمات متتالية وتردد في القرار الاقتصادي..والمستقبل تحكمه صحة التوجهات الصناعية

هل نُعيد النظر؟.. الصناعة النسيجية.. أزمات متتالية وتردد في القرار الاقتصادي..والمستقبل تحكمه صحة التوجهات الصناعية

أخبار سورية

الثلاثاء، ٣٠ أغسطس ٢٠١٦

قطاع الصناعات النسيجية الأهم والأكبر في مسيرة الصناعة السورية، تأثر أكثر من أي قطاع آخر بالأزمة، وبالقرارات القاصرة عن استيعاب أهمية هذه الصناعة، وتأثير عراقتها،  وتميزها كصناعة سورية خاصة وذات بصمة وعلامة، ولا يشكل الرقم المقدّر لأضرار قطاع النسيج والذي يتجاوز 3000 مليار ليرة سورية كأضرار وأكلاف استبدال الخسارة الأكبر، وإنما يسحب معه خسارة الخبرات الفنية، وهجرة الصناعيين، وغياب ربط الخطط بواقع الإنتاج، واحتياجات التطوير التي لم يعد مقبولاً ركنها على الرف، حيث تبرز، وفي ضغط الواقع، أهمية التركيز على نسيج شبكة متكاملة من واقع صناعي، تتوفر له أرضية المواد الأولية والخيرات الصناعية والأماكن، وإن تضرر كثير منها، ولكن امتلاك هذا القطاع نقاط قوة وركائز أساسية، يمكن تقويتها والتفكير بأسلوب مختلف عن المتبع سابقاً، وجعل ربحية قطاع النسيج تفتح طريقاً لمسار التجديد والابتكار والتركيز على السمة الخاصة لصناعة سورية.

الصناعة تتجدد بتفكيرها
يرى وزير الصناعة المهندس أحمد الحمو أن الصناعة النسيجية أساسية وهامة في الاقتصاد السوري، تتوفر لها ركائز الخبرة والمهارة الفنية، وتوفير المواد الأولية ما أكسبها شهرة عالمية، ورغم معوقات تسويق القطن، وتدني إنتاجية المحالج ومعامل الغزل والنسيج والألبسة، فإن الوزارة تسعى لتوفير الدعم اللازم للمنشآت الصناعية الخاصة والعامة التي هي قيد الإنتاج، وتشجيع الصناعيين الجدد على إقامة منشآت في المناطق الآمنة لتأمين احتياجات السوق المحلية، وخفض الاستيراد، وتنشيط التصدير، وتحريك عجلة الإنتاج الوطني، وهذا يتطلب وضع خطط يتشارك فيها القطاع العام والخاص والجمعيات الأهلية، والتعاون بين كل الأطراف لوضع التصورات المثالية لإعادة تأهيل هذا القطاع وتطويره.

عراقتنا ثابتة
غسان قلاع رئيس اتحاد غرف التجارة، أكد على عراقة حرفة النسيج في بلادنا، وليس النسيج فقط، بل مستلزمات هذه الصناعة من أدوات وخراطة وغيرها من احتياجات النول، هناك من صمم آلة للألبسة الداخلية الرجالية، وهناك قرية في حمص أهلها كلهم مختصون في صنع العباءات وكنا نصدّر، ولكن منذ اخترعنا الترخيص الإداري وعقدنا الحصول عليه، وعقدنا الإجراءات الإدارية، انعكس ذلك على الصناعة، والمطلوب من وزارة الصناعة تبسيط الإجراءات الإدارية، وأن تكون من  أنصار العمل الصناعي مهما كان بسيطاً، لأن إنتاجه يساهم في تخفيض الأسعار والتكلفة.

سلسلة إنتاج
ويرى فؤاد اللحام، مستشار الاتحاد العربي للصناعات النسيجية، أن سورية بين عدد قليل من الدول العربية، تتمير بوجود سلسلة إنتاج الصناعات النسيجية فيها، بدءاً من مادة القطن الخام، وحتى المنتج النهائي من الأقمشة والملابس بأنواعها المختلفة، حيث بلغت مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي للصناعات النسيجية عام 2008 نحو 83٪، كما بلغت مساهمة الصناعات النسيجية في الناتج المحلي الصناعي، عدا تكرير النفط 27٪ ، وساهمت بحوالي 40٪ من الصادرات الصناعية  غير النفطية وبحوالي 30٪ من إجمالي عدد العاملين في الصناعة، كما بلغ عدد المنشآت النسيجية المسجلة رسمياً لغاية عام 2015 نحو 23267 منشأة، عدا المنشآت غير النظامية.
وحول وضع الصناعات النسيجية السورية قبل الأزمة، يؤكد اللحام على زيادة حجم المخاطر والصعوبات التي واجهتها والتي تجلت بشكل خاص في تحرير التبادل التجاري، وفتح السوق السورية نتيجة استكمال تنفيذ الاتفاقيات الجماعية والثنائية مع عدد من البلدان العربية وتركيا، وارتفاع أسعار المحروقات داخلياً، وأسعار العديد من مدخلات الإنتاج، وضعف التكامل بين طاقات حلقات إنتاج القطن والغزل والمنتجات النسيجية الأخرى، وضعف مستوى التصميم، وعدم تنفيذ البرنامج الشامل للتحديث والتطوير الصناعي الذي أعده، وبرنامج التحديث والتطوير الصناعي الذي تم إعداده 2007 بهدف تحديث وتطوير 1000شركة صناعية خلال 3 سنوات من ضمنها الشركات النسيجية، والافتقار إلى العديد من الهيئات الداعمة الضرورية لتعزيز القدرة التنافسية للمنشآت الصناعية، وانتقال العديد من الصناعيين إلى التجارة، واستيراد المنتجات المشابهة لما ينتجونه، وتراجع عدد المشاريع الصناعية المنفذة، والغاء 3282 سجلاً وقراراً صناعياً عام 2009، شكّلت المنشآت النسيجية نسبة 46٪ منها، كما تم تشميل وترخيص وتنفيذ مشاريع صناعية جديدة في عدد من المدن السورية الآمنة، حيث تم خلال الفترة 2011-2015 تنفيذ 298 مشروعاً نسيجياً، مجموع رأسمالها 4ر3 مليار ليرة سورية، وتشغل 3450 عاملاً، ويتوزع عدد هذه المنشآت كما يلي: 211 مشروعاً وفق القانون رقم 21، و82 منشأة حرفية، و6 مشاريع وفق قانون الاستثمار، كما تمت إعادة تشغيل 22 شركة من شركات القطاع العام الصناعي المتضررة جزئياً (التي تراوحت أضرارها ما بين 45٪-60٪، سواء بمقراتها الأصلية، أو في مقرات مؤقتة جديدة.

عودة للتصدير
وقد استطاعت عدة منشآت صناعية قيد التشغيل معاودة التصدير إلى بعض البلدان العربية، وعدد من البلدان الأخرى مثل: إيران، وروسيا، والمشاركة في عدد من المعارض المتنوعة والمتخصصة داخل وخارج سورية، حيث بلغت قيمة الصادرات النسيجية التي تم تصديق شهاداتها من قبل غرفة صناعة دمشق وريفها خلال عام 2015 نحو 6ر13 مليار ليرة سورية، أما بالنسبة لصادرات القطاع العام فقد انخفضت صادرات مؤسسة الأقطان من 192 مليون دولار عام 2010 إلى 2 مليون دولار عام 2012، وتوقفت تماماً بعد ذلك، كذلك تراجعت صادرات المؤسسة العامة للصناعات النسيجية من 195 مليون دولار عام 2010 إلى 135 ألف دولار عام 2015، ونحو 146 ألف دولار في نصف عام 2016 نتيجة بيع عوادم!.

الإجراءات والتدابير المتأخرة
ويؤكد اللحام على مجموعة الإجراءات والتدابير ذات العلاقة بالقطاع الصناعي، وإصدار عدد من التشريعات في إطار العمل على معالجة عدد من المطارح التي يواجهها الصناعيون في عملية إعادة تأهيل وتشغيل منشآتهم، من أهمها: تعديل مطارح ونسب رسم الإنفاق الاستهلاكي، وتشكيل لجنة لحماية الإنتاج الوطني، ودعم المنتج المحلي، وإلغاء القرار الخاص بتشميل البضائع والسلع عربية المنشأ المشمولة بأحكام اتفاقية التجارة الحرة العربية الكبرى حصراً، والواردة إلى سورية من غير بلد المنشأ بميزات الاستيراد من بلد المنشأ المنصوص عليها بأحكام الاتفاقية، وفرض رسم بنسبة 30٪ من القيمة على كل المواد والبضائع ذات المنشأ أو المصدر التركي، والمستوردة إلى الجمهورية العربية السورية لمصلحة دعم إعمار القرى النامية، كما أن الكثير من الصناعيين يرون أن معظم الإجراءات والتدابير التي اتخذتها الجهات الحكومية المعنية منذ بداية الأزمة وحتى الآن، فيما يتعلق بقطاع الصناعة، اتسمت بالتأخر، والبطء، واعتماد أسلوب العمل يوماً بيوم في معالجة المشاكل، إضافة إلى الارتجال والتسرع في عدد من القرارات دون إجراء الدراسات المعمقة لها، أو مشاركة الصناعيين ومنظماتهم في هذه القرارات التي لم تتجاوز في كثير من الأحيان مرحلة سماع الرأي دون الأخذ به، وذلك بالنسبة للعديد من القضايا الحساسة.
وتتطلب عملية إعادة تأهيل الصناعة النسيجية إجراءات عديدة من أهمها: تحسين بيئة الاستثمار الصناعي، وإصدار قانون تشجيع الاستثمار الجديد، وتحديث القوانين الناظمة للنشاط الصناعي، وإعادة منح القروض بشروط ميسرة، وتطوير المنتجات المصرفية العامة والخاصة، وتطبيق التأجير التمويلي، واعتماد سياسة حمائية للصناعة لفترة زمنية محدودة، وبشروط محددة، وإصلاح وتطوير البنى التحتية، واعتماد أسلوب المناطق الاقتصادية الخاصة، والتجمعات العنقوية في عملية إعادة تأهيل المناطق الصناعية المتضررة، وأتمتة ما يمكن من العمليات المتعلقة بالنشاط الصناعي للحد من الفساد.
إن إعادة تأهيل قطاع الصناعات النسيجية تتطلب مجموعة أخرى من الإجراءات والتدابير الإضافية التي تعالج هذا الموضوع بشكل متكامل ليشمل كافة حلقات سلسلة إنتاج الصناعات النسيجية، بدءاً من زراعة القطن، وصولاً إلى المراحل الأخرى، بما فيها التصميم، ونبين فيما يلي الخطوط العامة الرئيسية لكل حلقة من حلقات إنتاج الصناعات النسيجية وإعادة تأهيل الأراضي الزراعية وتحديد المساحة المخصصة لزراعة القطن، وفق طاقة وحاجة المحالج ومعامل الغزل الخاصة للحيلولة دون تصدير القطن الخام والغزول. وتخصيص خط إنتاجي أو معمل لإنتاج الأقمشة القطنية العضوية والنسيج الفني المتخصص بالاستخدامات الصناعية، كالفلاتر وغيرها، والتركيز على إنتاج الأقمشة التي تلبي حاجة السوق المحلية، وتشجيع إقامة العناقيد الصناعية النسيجية.

القرار السلبي
مع معاناة الصناعيين في القطاع النسيجي تبرز مسألة أساسية هي أثر القرارات المرتجلة وغير المدروسة على تراجع الصناعات النسيجية، السيدة سها شويحنة، صناعية ومصممة أزياء، تقول، أكبر نقطة ضعف واجهت الصناعة السورية كانت في عام 2006، عندما صدر قرار استيراد الألبسة الجاهزة، وخاصة ألبسة الأطفال، ورغم أن الصناعة الوطنية كانت رائدة في هذا المجال وناجحة وتنافس الجوار، وتصدر حتى لدول أوروبية وكل ذلك تم تميزه، ورغم المطالبة بوضع ضوابط لاستيراد الألبسة والنقاش الحاد مع وزير الاقتصاد آنذاك وتقديم دراسة حول المواد التي يمكن إدخالها والمطالبة بحماية المنتج السوري كما كان سابقاً، وكنا مصدرين، وليس مستوردين، وتؤكد شويحنة أن إنتاج الصناعة السورية تم التأثير عليه قبل الأزمة من خلال الاتفاقيات التي أدخلت البضائع الأجنبية، ومنعت التصدير. واليوم للنهوض بهذا القطاع فإننا بحاجة لإصدار قوانين داعمة للإنتاج، وتمويلها وتأهيلها وتسهيل دخول خبراء من دول صديقة لإعادة النهوض والتأهيل ودراسة الاستيراد والقرارات الناظمة لها بما يخدم تطوير الصناعة وليس وقفها، المطلوب حماية الصناعة الوطنية وتكميلها بالاستيراد وليس العكس، سورية بلد منتج وليس مستهلكاً، كما تؤطره القرارات الاقتصادية المتسرعة. إن البيروقراطية تسحب الصناعيين إلى الوراء، وتواجه أيادي خفية لإعاقة كل منتج ومطور للصناعة الوطنية وليس لدى الحكومة خطة لتمويل التصنيع وفتح المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
تسهيلات مطلوبة
بسام العبد، عضو غرفة صناعة حمص، يرى أن القطن من أهم مدخلات الصناعات النسيجية، وبسبب الأزمة وظروف الحصار الاقتصادي، فإن استمرار توفر القطن وإتمام عملية إنتاجه وتحويله إلى غزول يعطي الدعم الكبير للصناعات النسيجية، بينما تقتصر عمليات الاستيراد على النمر التي لا تستطيع معامل الغزل إنتاجها، وبذاك نحافظ على القطع الأجنبي، ويؤكد العبد أن دور غرفة صناعة حمص كبير، لأنها تمثل الصناعيين من كافة الأمور المتعلقة بالإنتاج، وعليها تقع مسؤولية التواصل مع كافة الجهات المعنية لحل مشكلات الصناعيين، فيما يتعلق بعقود الصناعيين المتعثرة مع القطاع العام، وجدولة قروض المنشآت المتعثرة، والتواصل مع اتحاد المصدرين السوريين بهدف معرفة كافة المعارض المقامة خارج القطر وتشجيع تصدير وتعريف الدول الخارجية بالمنتج السوري، ومساعدة الصناعيين في تأمين المحروقات والكهرباء، وعودة العمل بنظام التعليم المزدوج (التلمذة الصناعية)، ويطالب العبد بإنهاء العمل بلجنة البلاغ رقم 9، والسماح بإقامة منشآت صناعية بكافة أنواعها وتصنيفها في الوحدات الإدارية على مختلف مستوياتها، وتفعيل العمل بلجنة البلاغ 16 الذي اعتبر التجمعات الصناعية في محاور مختلفة، ريفاً ومدينة، مناطق صناعية يمكن تنظيمها.

عرقلة الصناعة
من المحبط أن نجد أن قرارات إدارية ورسمية تكون معرقلة للصناعة النسيجية الوطنية، والمحبط أكثر أننا نمتلك المقومات والأسس والمعايير وكل الدوافع لتكون لدينا صناعة نسيجية خاصة، تغطي السوق المحلية وتصدر للخارج، فلماذا وصلنا إلى هذه الدرجة، وخرجنا عن التقييم في معايير التصدير والأسواق التصديرية، وتتوفر في أسواقنا كل المنتجات المستوردة؟؟ وإذا كان للاقتصاد وقراراتها المتلاحقة دور في تراجع الأداء الصناعي العام والنسيجي خاصة، فكل شيء قابل للمراجعة، والأحكام إلى الخبرات الوطنية الاقتصادية والصناعية التي يمكن أن تدرس كل القرارات التي كان لها أثر سلبي على الصناعة الوطنية، وتعيد صياغة قرارات جديدة تساهم بدفع وتيرة الإنتاج، وتحرك آلات المصانع وتحفز الخبرات الوطنية التي مازالت تعمل وتقدم الخاص والمتميز.
هل يعقل أن بعض خطط زراعة القطن كما هي قبل الأزمة، أمر عجيب، وهل يفيد أن تبقى تدور في فلك واسع، والحديث عن إصلاح الأضرار، ودور الأزمة، والمهم أولاً الإقلاع وتسريع وتائره بكل مناصيها، والخروج بالتأكيد بصناعة وطنية خاصة لها علامتها الفارقة في أسواق العالم.

ابتسام المغربي