من «أضواء على الأحداث».. إلى أضواء على «الدموع»...«مرايا المخ» تعكس جمر القلوب وصفحات الناس المبللة بالدمع والدم

من «أضواء على الأحداث».. إلى أضواء على «الدموع»...«مرايا المخ» تعكس جمر القلوب وصفحات الناس المبللة بالدمع والدم

ثقافة

الثلاثاء، ٢٥ نوفمبر ٢٠١٤

... أيام القناة التلفزيونية الوحيدة واليتيمة.. وأيام التقاط البث على «الأنتيل» الداخلي المدعّم في المناطق البعيدة بأسلاك معدنية و«اختراعات» محلية الصنع للتحايل تلمساً لتحسين جودة البث غير المباشر، كانت السهرات العائلية تنتظر في أغلبها الأعم مسلسل السهرة اليومي الذي يسبقه برنامج سياسي عتيق اسمه «أضواء على الأحداث» وكان اسم عبد السلام حجاب طويلاً بحجم انتظار وخاصة لدى متابعي المسلسل الذين لا جلد لهم للمتابعة السياسية وتحليلاتها والدخول في أنفاقها ودهاليزها..
عبد السلام حجاب يكشف اليوم- في عصر الفضاء المفتوح وشلالات البث المباشرفي شاشات ثلاثية الأبعاد فائقة الدقة والتدفق- عن وجوه أخرى له ويسلط الأضواء هذه المرة على «الدموع» ويطل على الجمهور من بين دفتي كتيّب صغير يقول فيه: «ربما كان طبيعياً أن يلتقط أحد لحظة الدمع في حياتنا، ونستمر في متابعة يومياتنا المتواصلة، باحثين عن فرحة قادمة أو ضحكة وضع لها فلاسفة مراتب وأوجدوا لها تصنيفات، لكن الطبيعي أيضاً أن تجد الدموع من يلتقط لحظاتها كي يبحث فيها ولها عن السر الكامن وراءها، ليس فقط من أجل متعة الكشف والمعرفة، بل أمل بالوصول  إلى ما هو أبعد من ذلك، ويتعلق بفلسفة مفارقة الدمعة للعين، وجريانها على الخدين؟!».
شيفرة.. ومرايا المخ
قبيل الشروع في كتيّبه «فلسفة الدموع» بدا أن فكرة الدموع وفلسفتها استحوذت على اهتمام عبد السلام حجاب الكاتب والإعلامي، وشغلت حيزاً في انشغاله الذهني بها وكانت الفكرة وجوانب من طروحاتها وردت في مقالة مطوّلة أوحت للكاتب أن يطوّرها ويستزيد في بحثها فكان الكتيّب الصادر عن دار «الشرق» بدمشق الذي قدم له كل من: د. نبيل طعمة وفؤاد بلاط يتناول العديد من القضايا والموضوعات مثل: الدمعة والعين، الدموع في الدين والأدب، الدموع والفلسفة، الدموع في زمن الأزمة.
ويتساءل الكاتب من منا لم يثمل من مذاق الدموع المر والمالح في ليالي الوحدة أو أوقات الفرح، مشيراً  إلى الناحية العلمية التي عرفت الدموع بأنها حصيلة «شيفرة» خاصة، أو رسالة موجهة من المخ  إلى الغدة الدمعية، نتيجة انفعالات داخلية... لذلك أُطلق عليها في المجال الطبي مرايا المخ، أما في ميادين الحياة الإنسانية فإن الدموع برأي الكاتب: «مرايا المشاعر وخلجات الأنفس».
تماسيح.. وصرخة أولى
ويذهب حجاب  إلى ابن القيم الذي قال إن البكاء أنواع منها: بكاء الرحمة والرقة، بكاء الخوف والخشية، بكاء الفرح والسرور، بكاء الجزع والحزن، بكاء الضعف والنفاق، البكاء المستعار، وبكاء الموافقة. أما أنواع وأسماء وأوصاف الدموع التي يرى الكاتب أنها تخفي حكمة مستترة محملة بقيم إنسانية ومعرفة ذات سر إلهي فهي: دموع المحبين والعشاق، السرور والأفراح، الأحزان والأتراح، الخوف والرهبة، الفشل والخيبة، العطف والشفقة، البشرى والرجاء، اليأس والثناء، التوبة والندم، الدموع الصادقة، الكاذبة، دموع المنافقين والكاذبين، الأبرياء والمظلومين، دموع العابد والزاهد، ودموع الساجد والمجاهد، ولا ينسى في مطرح آخر أن يشير  إلى «دموع التماسيح»، لكن الكاتب لم يقل لنا شيئاً عن بكاء الولادة والصرخة الأولى..
امرأة.. رجل.. وتعسّف
في رحلته أو سعيه لفهم ظاهرة الدموع يتساءل حجاب الذي يذهب  إلى مقولات وعبارات لفلاسفة ومفكرين وشعراء هل نكتفي بتفسيرها على أنها ظاهرة اعتصار عصبي للغدة الدمعية التي تشكل خزان الدموع؟ أم يتابع مع جبران خليل جبران فيقول: «حقاً أن الآلهة تبتدع معرفة جميلة يبتاعها الإنسان بدمعه ودمه، مستفيداً مما جاء به محيي الدين بن عربي: «إن الرموز والألغاز ليست مرادة لنفسها، وإنما هي مرادة لما رمزت له، ولما ألغز فيها».
حجاب الذي يصف رحلته مع الدموع بـ«الشاقة والصعبة» ويفرد تناولات دينية من أحاديث وشواهد قرآنية وإنجيلية جاءت على ذكر الدموع والبكاء لا يعتبر سؤال هل للدموع فلسفة؟ اقتراباً تعسفيا من الحقيقة، ويتساءل هل حقاً أن دموعنا أغزر مما تحتاجه إليه آلامنا، وأن ابتساماتنا أكثر مما تحتاج إليه أفراحنا.
يشير الكاتب  إلى القول السائد: «إن المرأة أكثر بكاء من الرجل» القول الذي يعزو ذلك  إلى «رقة المرأة الفطرية»  إلى جانب محاولة الرجل دائماً التماسك أمام الأزمات كمظهر من مظاهر «القوة»، حتى لو كان ذلك من باب «التباهي بشجاعة آنية زائفة»، لكنه سرعان ما يجد نفسه أحياناً وقد انهار وخانته شجاعته، حتى إن العلماء قد حذروا الرجل: «لا تدع المرأة تفوز عليك بالعمر الطويل».
للدمعة برأي حجاب فلسفة في حياة البشر، وفيها لغة ليست كسائر اللغات؛ لغة فصيحة ناطقة «إن حبست في المآقي، فكأنما هي قتل للنفوس، ولو لم تجر في الخد لكانت في القلب جمراً».
«ألبوم».. مفاتيح ونيات
يخلط الكاتب بين الفلسفة والواقع والسياسة والعلم والدين والتنظير والاجتهاد والبوح من دون منهجية أو التقاط أنفاس فبدا في طروحاته مشتتاً لاهثاً لإنهاء جهده بأسرع ما يمكن، وليس الأخطاء المطبعية واللغوية التي انتصبت في الصفحات مثل الفطر مثالاً ذا بال هنا، ذلك أن الكاتب لم ينجح في القبض على رؤى واضحة في استمرارية البحث، فجاءت رحلته مع الدموع رحلة سياحية بانورامية أشبه بمن يقلّب ألبوم صور من دموع باهتة بالأبيض والأسود، أو حارّة مرت على عجل وألم، وذلك لا يقلل أيضاً من «نيات» الكاتب الحسنة وإشاراته  إلى الدموع في حياة البشر، ومحاولاته في إثارة أسئلة وإبراز عناوين كمفاتيح للغوص أعمق، لكن النيات لا تصنع كتاباً محكماً ولا إبحاراً في علم أو فلسفة..
«كوكتيل».. مضارب وبيت قصيد
وصحيح أن الكاتب يشدد على أنه ليس بصدد وضع نظرية فلسفية للدموع تؤطر موقعها في حياة البشر، وأنه يسعى  إلى طرح أسئلة عن هذه الدموع، وهي أسئلة يشير الكاتب  إلى أنها لم تكن يوماً «تعسفية» بقدر ما هي ظاهرة علمية وإنسانية سجّل وجودها الفاعل الكتّاب والأدباء والعلماء، وتحدثت عن قيمتها القدسية الكتب السماوية، لكن الصحيح أيضاً  أن الكاتب يشدد على أنه ليس من ضعف أو استكانة يبحث في الدموع وأسرار فلسفتها، بل من عزيمة وإصرار بغية «وعي دهشتنا وتبديد جهلنا وتقصي الحكمة الكامنة في قطرات دموعنا»؛ العزيمة والإصرار ذاتهما اللذان سرعان ما بهتا وأصابهما الوهن لدى الكاتب الذي بدا أنه افتقد الجلد في المضي في كتاب يحمل فكرة لافتة لم يعطها قدرها الذي يستحق ولم يعط العنوان الذي سطره على الغلاف حقه ليقع القارئ في ورطة قراءة لم تحمل من الفلسفة دسماً وفكراً خالصاً بقدر ما حملت انتقالات وقطافات «كوكتيلية» ناضجة مرة ونيئة مرات في معالجات اكتفت بالوقوف على «المشارف» ولم تذهب  إلى «المضارب» وبيت القصيد...
مطاف.. بذرة وعصير
في ختام كتيّبه يشير عبد السلام حجاب  إلى أن أحداً يقدم على خوض غمار بحر «فلسفة الدموع» يدرك سلفاً أنه ليس بمقدوره الادعاء بأنه قد يبلغ نهاية المطاف في مثل هذه الرحلة التي يصفها الكاتب هنا بـ«الطويلة والصعبة والمستمرة»، متمنياً فتح صفحات أولى في إطار متابعة «فلسفة الدموع» الذي يجزم أنها تجدد من الحياة الإنسانية؛ الجانب الذي يؤكد الكاتب أيضاً أن كتب الفلسفة- والمشتغلين في ميادينها المتعددة- لم تتوقف عنده أو تجري مقاربته بما يستحق أسوة بما كتب عن «فلسفة الضحك» أو «فلسفة الكذب» ومن هنا يرى الكاتب أن «فلسفة الدموع» جديرة بأن تأخذ مكانتها وتحظى بنصيبها في المكتبة العربية.
في مدخل الكتيّب يقول الكاتب: لئن سألتم عن الدموع، فإني أقول لكم: «هي سر إلهي، أسكنه الله عين الإنسان، تتساقط من المآقي، كثمرات يانعات، بذرتها الحكمة، وعصيرها الفلسفة».