علي سليمان.. انطباعات المجتمع الإنساني

علي سليمان.. انطباعات المجتمع الإنساني

ثقافة

الأحد، ٢٢ يونيو ٢٠١٤

ريم الحمش
Artremi@hotmail.com
تأتي خصوصية تجربة الفنان علي سليمان لتكون نواة رابطة تشكيلية, إبداعية ثقافية, فكرية نادرة بجماليات انطباعية لمقاييس مجتمعه الإنساني حيث مرت تجربته بعدة مراحل..
ففي المرحلة الأولى الممتدة بين عامي 1970 و1980 طغت على تجربته مواضيع المرسم والموديلات الحية والصامتة المألوفة في المحترف الأكاديمي حيث تركت دراسته الأكاديمية في كلية الفنون الجميلة، تأثيراتها الواضحة على معظم لوحات تلك المرحلة، وهذا لا يقلل من أهمية تلك الأعمال، وهذا يعني أن لوحات تلك المرحلة حملت كل مقومات اللوحة الفنية الحديثة والمعاصرة، على الرغم من ارتباطها بموضوعات المحترف الأكاديمي..
في المرحلة الثانية الممتدة بين عامي 1980 و1990 برزت تحولات جديدة في خطوات العودة إلى معالجة مواضيع المحترف الأكاديمي، حين ركّز على موضوع المرأة العارية، التي جسّدها بلمسات تعبيرية وبحركات اختزالية، لم تتوقف عند المظهر الإغرائي في جسد المرأة، وإنما تجاوزته إلى حدود البحث التشكيلي والتقني والجمالي، إضافة إلى المواضيع الأسطورية والتراثية والأشكال الصامتة والعمارة الدمشقية القديمة، التي تحولت إلى مجرد اختصارات، ولم يبق منها سوى إشارات النوافذ والأقواس والخطوط المعمارية الأفقية والشاقولية، كما ركّزت بعض لوحاته في تلك المرحلة على التقاط الأضواء المشعة داخل النوافذ والقناطر وإظهار امتداداتها في الأزقة والظلال..
في المرحلة الثالثة بين عامي 1990- 2000 أقام معارض فردية ومشتركة في عواصم ومدن محلية وعربية وعالمية، وقدم لوحته (دمشق الحزينة) التي سجل فيها ظاهرة فلكية حدثت في سماء دمشق، وهذه اللوحة المنفذة بخليط من المواد المختلفة من الناحية التقنية والأسلوبية عن مجمل نتاجه الفني، وذلك لأنها تشكل عودة إلى أجواء التصوير الواقعي الدقيق وفي تلك المرحلة قدم سلسلة لوحات تحت عناوين ما بعد العشاء الأخير، حواء والتفاحة، جلجامش, عشتار وغيرها, وتعتبر هذه المرحلة خطوة في اتجاه تثبيت دعائم لوحته المعبرة عن عفويته وانفعاليته وتوتراته الداخلية، حيث استعاد في لوحات تلك المرحلة مجد اللمسة التعبيرية والتجريدية ودمج بينهما في خطوات التخلي عن القشور الخارجية للموضوع المطروح، والوصول إلى الازدواجية مابين الروح والمادة، عبر الحركة الدائمة المقروءة في حركات الفرشاة السريعة والمتشابكة والمتداخلة بحرية كاملة ومطلقة..
أما المرحلة الرابعة الممتدة من عام 2000 والمتواصلة إلى الآن، فقد برزت فيها بعض التحولات على صعيد الموضوع المطروح، في انحيازه نحو بهجة ألوان الربيع من خلال العمل على مواضيع الطبيعة، ونهر قيس، والحديقة، والسنديانة، التي حمّلها ملامح خطواته الفنية الجديدة وتطور إيقاعاته اللونية العفوية، من خلال معايشته وتأملاته لها، من داخل مرسمه (برج الطيور) المطل على النهر والوادي وأجزاء من مرتفعات ومنخفضات منطقتي صافيتا والدريكيش, ولقد تابع في المرحلة الرابعة مواضيع الأسطورة, حواء والتفاحة, الآلهة القديمة والعشاء الأخير، وأضاف إليها مواضيع السيدة العذراء, السيد المسيح, عيد الميلاد وغيرها... ولقد برز في هذه المرحلة تحوله الكبير نحو تقنية صب اللون السائل أو رشّه على سطح اللوحة، مع الإبقاء على إشارات ورموز الأشكال، ومحافظته على قدر من العلاقة المتبادلة والمتداخلة بين الوعي والانفعال، أساليب جمالية لاتنسى في بعث الحضارة التراث الإنساني, وإثارة الإبداع الفني والعمل على أسس إبداعية جمالية خالصة لها كل الفلسفة في شكل من أشكال النهضة الجمالية في مسيرة الفن الإنساني الحديث وأساليب تدريس التربية الفنية والفن.
علي سليمان 1956، تخرّج في كلية الفنون الجميلة جامعة دمشق بدرجة امتياز شرف، وأستاذ دراسات عليا فيها منذ عام 2000, دكتوراة في الرسم والتصوير من كلية الفنون الجميلة برلين عام 1987، عضو مؤتمر اليونسكو لثقافات شعوب المتوسط، وعضو اتحاد التشكيليين السوريين، واتحاد التشكيليين العرب، عضو اتحاد الفنانين الألمان، وله أكثر من خمسين معرضاً فردياً خاصاً بأعماله في دول عربية وعالمية.. كما قدم خلال سنواته السابقة برنامجاً تلفزيونياً من تأليفه وإعداده بعنوان: "الفن والإنسان", وقدم عدّة أفلام وثائقية فنية ومجموعة بحوث إضافة إلى كتاب توثيقي لمنطقة ديرعطية بتاريخها وأوابدها الأثرية, أما دراسته في كلية الفنون الجميلة في برلين فقد نال عليها أعلى الشهادات الأكاديمية في مجال الفنون، ونال بذلك منصباً أكاديمياً.. في هذه الفترة أنتج أعماله البرلينية في مرسم خاص في كلية الفنون الجميلة في الفايسن زيي البحيرة البيضاء، في برلين بين عامي 1982ـ 1988، رسم الموديل الحي والطبيعة الصامتة والمنظر الطبيعي بشكل معمق وانتقل بعدها إلى مرسمه في جزيرة المتاحف حديقة الموبيجوبارك المشرفة على نهر شبريه في وسط برلين حيث أنجز أعمالاً كثيرة أفصحت عن مقدرته في دراسة الألوان الغامقة ودرجات اللون الأسود في المنظر الداكن وما يرافقه من ألوان، إحدى الموضوعات التي تناولها تمثل النافذة والغراب، والثلج، وفي جزء منها قدم دمشق وبرلين, وكانت بعنوان دمشق والليل، دمشق والموسيقى، والعديد من الأعمال الأخرى، وما زال حتى هذا اليوم باحثاً في منظومة الشكل البصري ومحدثاً في عوالمه ودرجاته اللونية.