مقاربة أدبية بين الشاعرة نعمة الحميري من اليمن والشاعر الدكتور محمد سعيد العتيق من سورية ..العاطفة الشعرية نموذج دال على الموهبة

مقاربة أدبية بين الشاعرة نعمة الحميري من اليمن والشاعر الدكتور محمد سعيد العتيق من سورية ..العاطفة الشعرية نموذج دال على الموهبة

ثقافة

الخميس، ١٥ مايو ٢٠١٤

محمد خالد الخضر
الموهبة معيار حقيقي لوجود الشعر، فهي تدل على صاحبها وتقدم الأسس والدلالات المبرهنة على قدرة الشاعر التي تتجلى في كتابة نصوص مليئة بالعواطف والإحساس والمقومات أياً كان انتماء هذا الشاعر سواء أكان يمنياً أم سورياً أو غير ذلك، فقصيدة همس الأحبة للشاعرة نعمة الحميري تحمل في حروفها التي تكونت منها الألفاظ حنيناً وعاطفة ودلالات تدل على وجود موهبة شعرية، وإذا حذفنا الاسم سوف نقول: هذه قصيدة دون تمييز بين ذكر وأنثى أو امرأة ورجل أو شاعر وشاعرة، تقول:
همس الأحبة بين الحين والحين              تذكي لظى مهجة حراء تكويني
تبث دنيا محطاتي التي رسمت                بزوغ شوقي وإشرا قات هاويني
بينما قال الشاعر الدكتور محمد سعيد العتيق:
طيف من الأحلام أطلال بها                نثرت حروفي تلة وهضاب
رف الحمام يطير فوق ديارنا               ويلوث الجو النقي غراب 

وإن كانت القصيدة الأولى ذهبت في شراعها عبر البحر البسيط الذي اشتغل عليه أكثر شعراء وشاعرات العربية في أشواقهم ومراثيهم وعواطفهم، وكانت الثانية عبر البحر الكامل الذي لا يقل ألقاً عن سابقه وعن تناوله؛ إلا أن العواطف الشعرية والموهية تجعلنا نقرّ بأن الأولى قصيدة والثانية قصيدة والأولى لشاعرة يمنية والثانية لشاعر سوري، وهذا أيضاً يقدم إيحاءً دالاً أن العربي الأصيل يمتلك أشواقاً لا تعصف إلا بكرام النفوس سيما إذا كان الكريم  شاعراً يمتلك القدرة على التعبير عن مشاعره ومشاعر سواه، فكلاهما تواق وملهوف وكلاهما في داخله نزعة شعورية تجاه حب الوطن والانتماء إلى ترابه، فالعواطف متشابهة وإن اختلفت بعض الأحداث أو التحولات الاجتماعية التي دفعت بكل منهما إلى الكتابة، يقول الشاعر العتيق:
 ما أسوا الأحقاد فاح لهيبها                 عم الدمار نفوسنا وخراب
ودمشق كيف كانت زينة                     والآن من حول الرياض ذباب
والياسمينة حنظل بعطورها                   بردى الحزين مزيف وسراب

فالشاعر عكس واقع الأزمة النفسية التي يمر بها بسبب ما يقاسيه ويعانيه من جراء ما يدور في وطنه وبلاده، وهي عاطفة لا بد منها؛ إلا أنها تأتي بشكل آخر لدى الشعراء، كما يتلظى الحنين عند الشاعرة اليمنية ويشتعل وتعبّر أيضاً عن لظاها وأشواقها وخلجات روحها بعواطف شاعرة تمكنت من ناصية الروي والقافية والإيحاءات الدالة على ما تريد الوصول إليه، تقول:
وكلما هب طيف من روائحها                أو شفها خاطري فاحت رياحيني
تجوب دنيا عيون طالما أسرت              خلجانها روض أحضان تواسيني
كأن أهدابها النشوى تفوح على              نسائم الروح أطيافاً تناجيني

ويظهر أن العاطفة متشابهة تماماً برغم اختلاف النبرة بين سرد الرجل والمرأة وبين الباء التي لا تخلو أحياناً من القسوة والخشونة وبين النون المكسورة الرقيقة التي تدل في نعومتها على أنوثة تكتب القصيدة بروح المرأة العربية التي ظلت محافظة على أصالتها ورونق تاريخها الأدبي والشعري ليكون التاريخ شاهداً على هذه القدرة وعلى استمرار الأصالة مهما كان الزمن قاسياً ومهما رأى الآخرون ضرورة تخريب الذائقة الشعرية العربية، تقول اليمنية:
عسى يلملم أزهاري التي ذبلت         شعاع فجر بروح الروح يأتيني
طويت صبح ربيعي لا رشفت ضحى   ولا سمعت خطى الأيام تطويني

وتتقارب جلجلة الباء المضمومة بسبب طغيان العاطفة الشعرية من مضارب الشاعرة اليمنية فيوحد الشعر بين البيئتين ويثبت أن التاريخ الذي سطر العرب عليه قصائدهم لا يمكن أن يتنكروا له، يقول الشاعر العتيق:
قوس من الجمر الحزين سماؤنا             ودم يسيل على الربى وغياب
هي غصة في النفس يألفها الفتى            ومن المصاب تخضب العناب

وتتجلى ظاهرة البوح في النصَّين الأدبيّين اللذين عبّرا عن مشاعر إنسانية قد تعصف وتعيش داخل كل نبيل يمتلك أسس الإنسان الحقيقي وقد وقفت العاطفة الشعرية برهاناً ماثلاً على وجود القصيدة.