كيف ينظر الأورروبيون للعرب وعلومهم؟...الأرقام العربية تسببت بمعركة أيديولوجية لثلاثة قرون في أوروبا

كيف ينظر الأورروبيون للعرب وعلومهم؟...الأرقام العربية تسببت بمعركة أيديولوجية لثلاثة قرون في أوروبا

ثقافة

الخميس، ٢٧ مارس ٢٠١٤

عقد رجل العزم على القيام برحلة، وقبل مغادرته بلده، أخذ قطعة حبل وربط عليها إحدى عشرة عقدة على مسافات متساوية، وقال لزوجه وهو يلمس العقد تباعاً: هذه العقدة هي اليوم الذي أغادر فيه، وبعد يوم من ذلك، وهنا أشار إلى العقدة الثانية
أكون قد وصلت إلى مكان وجودي، وهكذا إلى أن وصل إلى العقدة الرابعة، مبيناً أنه يكون قد بلغ الهدف، ويمكث هناك ثلاثة أيام مشيراً إلى العقدة السابعة، وعندما تصلين إلى العقدة العاشرة، حضري طعاماً ليكون جاهزاً في اليوم الحادي عشر عند العقدة الأخيرة. تلك قصة تانزانية قديمة يرويها د. موفق دعبول عضو مجمع اللغة العربية عن التعاطي القديم مع العدد، وهي من القصص الطريفة التي تلقي الضوء على كيفية عمل السجلات لدى الإنكا التي كانت تحفظ على حبال ذات أطوال مختلفة موصولة بعضها ببعض، أو بقطع خشبية متينة وللحبال ألوان مختلفة، وعليها عقد تفصلها مسافات متساوية. ويتمثل الصفر على هذه الحبال بفسحة بينها.
 
تفاح وصراخ
قصة أخرى يرويها د. دعبول وهذه المرة عن الشاعر الألماني أدلبرت ستيفتر، الذي عاش في القرن التاسع عشر الميلادي تقول: إنه حين كان يترقب، لقاءَ حبيبته، ملأ كيساً بالتفاح، وصار يأكل كل يوم تفاحة إلى أن انتهت مدة الانتظار. وهو لم يكتب إلى حبيبته سوى الكلمات التالية: حين كتبت رسالتي الأخيرة إليك، كان لديّ 21 تفاحة، وغداً لن يبقى سوى 13، وأخيراً، لن يبقى إلا تفاحة واحدة، وبعد التهامها سأصرخ بأعلى صوتي من الغبطة والسرور.
 
ذهول... كهوف وقبور
ويشير د. دعبول إلى أن الأعداد المصرية ابتدأت بالواحد وانتهت بالمليون. وكان يرمز إلى الواحد بورقة بردي، وإلى العشرة بشريط مكون من ورقة بردي مثنية، وإلى المئة بقطعة حبل، وإلى الألف بزهرة اللوتس، وإلى عشرة الآلاف بثعبان، وإلى مئة الألف بفرخ ضفدع، وإلى المليون بناسك رافعًا ذراعيه فوق رأسه، وكأنه في حالة ذهول. وكمثال على ذلك، فإن العدد 9، 521.863 يمثل بتسعة نساك، وخمس ضفادع، وثعبانين، وست زهَرَات لوتس، وثماني قطعٍ من الحبال، وستة شُرُطٍ مثنية، وثلاث أوراق بردي.
في محاضرته الثلاثاء الفائت وعلى بعد ساعات من قذائف هاون سقطت على مقربة من مجمع اللغة العربية يستعرض د. دعبول مسيرة العدد عبر العصور، مشيراً إلى أن المعلومات القليلة التي توفّرت عن الأعداد، وعن المعرفة الرياضياتية في حقب ما قبل التاريخ، كان مصدرها الرسوم داخل الكهوف، وبعض المصنوعات اليدوية المحلية، وبعض المنشآت العمرانية، مثل التماثيل والقبور وأكداس الحجارة المنصوبة للذكرى.
 
معارضو التغيير ورحلة الرموز
ويتوقف د. دعبول في رحلة شائقة لحكاية العدد عند السومريين الذين كانوا يكتبون على الطين بتجريحه بأداة مستدقة، ثم تركِهِ إلى أن يجف، وعند حضارات الإنكا والأزتيك والمايا واليونانيين والهنود وغيرها.
وأشار د. دعبول إلى أن استعمال الأرقام العربية التسعة والصفر في كتاب الخوارزمي عن الحساب، كان سبباً لمعركة أيديولوجية استمرت ثلاثة قرون في أوروبا مع الحساب الجديد وضده. وقد وقف التغيير مع البرنامج العربي، مع نظام المراتب، ومع استخدام عشرة رموز فقط لتمثيل جميع الأعداد، وأما معارضو التغيير فكانوا أغلبية التجار والمحاسبين، الذين تعوّدوا استعمال المعداد، واستعمال الأرقام الأبجدية اليونانية والأرقام الرومانية. وأن الأرقام والخوارزميات العربية جعلت الحساب بسيطاً، حيث يمكن التعامل مباشرة مع الأعداد ذاتها، وسهل إدراكُ طبيعة الأعداد بوصفها كائناتٍ مجردةً، والاستغناء عن الأدوات المساعدة، مثل المعداد، والأشياء العينية المقابلة للأعداد.
 
الغامض والصعب
وإذا كان إقليدس ورياضياتيون يونانيون آخرون قد حرروا الهندسة من قيود المسح الأرضي ووسائل البناء، فإن العرب وحدهم – تبعاً لـ د. دعبول - قدموا خدمة مشابهة للعدد، إذ استعمل العرب في البدء حروف أبجديتهم بصفتها أعداداً، ثم أنهم استعملوا في أيامهم الأولى النظام الستيني الذي تعلموه من السومريين والبابليين القدماء، ولقد هيأتهم هذه الخبرات لاكتشاف الطاقة الهائلة للنظام العشري الكامل، إذ يمكن استعمال عشرة رموز فقط بدلاً من ستين رمزاً لتسريع جميع الحسابات، كذلك فإن اكتشاف رمز الصفر خاصة (جاءت الكلمة اللاتينية zero من الكلمة العربية صفر) نقل الحساب من الشكل الحسي إلى الشكل المجرد، وغدت المراتب العددية، إلى جانب المظهر الفيزيائي للعدد، حاسمة لتَعَرُّفِ العدد. ويرى د. دعبول أن العرب نظروا إلى الأعداد العشرية على أنها طبيعية، بيد أن أوروبا، في العصر الوسيط، ولعدة قرون، وجدت هذه الرموز غامضة وصعبة لدرجة أن الأوروبيين، اتهموا العرب الذين يمارسون المهارات الجديدة، بأنهم سحرة ومخادعون.
 
اقتفاء أثر ومبادلة
ويمكن إيجاز إسهامات العرب الرئيسية الثلاثة – حسب د. دعبول- فيما يلي:
- ابتدعوا ونشروا معرفة النظم العشرية، وأوجدوا طريقة القيمة المكانية للتعبير عن الأعداد، ومكنوا أولئك الذين اقتفوا أثرهم في الرياضيات من إدراك الأعداد على أنها نظم مجردة.
- مكنوا من إدراك أنه في سياق النظام العشري، من الممكن إخضاع الكسور والأعداد الصحيحة والأنواع الأخرى من الأعداد إلى القواعد العامة ذاتها، بعد تعريفها بطريقة مناسبة، ووضعوا، بوجه خاص، الأساس لتوضيح الأعداد السالبة ومعالجة الجذور والقوى.
- أوضحوا أن الأنواع المختلفة من النظم العددية ليست ممكنة فحسب، بل يمكن أيضاً مبادلتها فيما بينهم.