سورية المنتصرة على التكفير وداعمته الوهابية...د.نبيل طعمة: الإيمان والألوهية والديانات كلها تقوم على الحب والتسامح

سورية المنتصرة على التكفير وداعمته الوهابية...د.نبيل طعمة: الإيمان والألوهية والديانات كلها تقوم على الحب والتسامح

ثقافة

الخميس، ٢٧ فبراير ٢٠١٤

إن ما تتعرض له سورية اليوم من هجمات تكفيرية أعاد إلى الأذهان ذلك الصراع الذي وقع بين التيارات الفكرية المؤدلجة، والتي من أخطرها وأهمها الدعوة الوهابية التي بدأها محمد بن عبد الوهاب بالتعاون مع الهيئة السياسية لآل سعود التي وجدت المنفعة السياسية من هذا التعاون بين السياسة، والتيار الديني، وكانت الوهابية التي لجأت إلى فكرة الفرقة الناجية، وهذا ما دعاها إلى إلغاء الآخر، وليس من الشرائع والمذاهب الأخرى فقط
 بل طال ذلك المنتمين إلى التيار نفسه والمذهب نفسه، وبتأثير الطفرة النفطية، ودوائر الاستخبارات أرادت الوهابية، وأراد القائمون عليها تعميمها على المذهب السني وإلغاء ما عداها! فنشأ أخطر تيار فكري إسلامي حديث، وهو تيار التكفير الذي يدفع العالم العربي والإسلامي ثمنه اليوم غالياً.. وعن العلاقة الوطيدة بين الوهابية والتكفير كانت محاضرة الدكتور المهندس نبيل طعمة في مركز ثقافي كفرسوسة بحضور عدد كبير من المعنيين والكتاب والمثقفين، وقد آثر الدكتور طعمة أن تكون الندوة حوارية أكثر منها محاضرة، فطرح مجموعة من القضايا المتعلقة بسورية والإنسان السوري ثم بدأ الحديث المعمق عن التكفير وضديته للتفكير.
 
التفكير والتكفير
يبدأ طعمة كما في دراساته من سورية الطبيعية والسوري، فيقول بادئاً: «السوريون أسهموا عبر كافة الحقب الزمانية في صناعة التاريخ بقوة، وجميعهم كانوا سادة النخوة والمروءة وقيم العدالة.. وعلموا وتعلموا أن من يخذل السادة هم العبيد، ومحيطنا التاريخي وسم بالتابع، والتابع عبد، لذلك كانوا واستمروا على ما هم عليه!..» ومن هذا المدخل يدلف إلى موضوعه في التفكير والتكفير فيقول:
«أدخل مباشرة إلى عمق عنواننا، معرفاً إياه بأنه ضد التفكير من يتعلق به يُشار إليه بأنه منحصر ضمن زوايا مغلقة ومظلمة، يفتقد التطلع إلى الأمام، أي إلى المستقبل، فاقداً لمعاني أسباب وجوده كإنسان والرسالة المنوطة به، والتي عليه أن يقدمها أثناء مسيرته إلى الحياة، التي تنادي بإنسانية الإنسان، حيث يكمن بها بناء الإنسانية التي لا تعترف بالفردية، تؤمن بالعمل الجماعي والتنوع الجمالي، الذي لا يمكن له أن يظهر إلا من خلال التعاون.. لذلك نجد أن كلمتي التكفير والوهابية متلازمتان، الأولى تعني الثانية والعكس صحيح».
وأشار في نقاطه إلى مفهوم الإيمان والألوهية، وقيام الديانات أساساً على الحب والتسامح.
«إن الله كلّي الوجود، محيط كامل، لا يمكن لأي كان أن يجزئه أو يستأثر به، وحينما ننطق بأن الله رب العالمين ينبغي علينا أن نتفكر أنه للعالمين، والعالَمَيْن العلوي والسفلي، أي: للخير والشر، للإيمان والكفر، فهو رب آدم وإبليس معاً، وكذلك هو للعُلماء به، أي بجوهر وجوده، إذ يشير المقدس إلى خشية العلماء منه، والخشية أعلى مراتب الحب، بينما الخوف يختص بالمنفذين.. ومنه نجد أن المقصود بالعالمين هم: البشرية جمعاء بأديانها وإثنياتها: طوائفها ومذاهبها، فكيف لدين أو طائفة أو مذهب أو مجموعة أن تستأثر به؟ وهل الله يخصّ المسلمين فقط؟ وكذلك هل يخص أو يتخصص بفئة منهم؟ وهل هو إله للسُّنة فقط أو لمجموعة فكرية ضمن أهل السنة؟ أو للشيعة أو الإسماعيليين أو العلويين؟ وكذلك أيضاً ما في الديانات الأخرى من طوائف».
 
التكفير وجذوره
وعاد الباحث في التكفير إلى جذور التكفير، فهو ليس وليد اليوم، وإنما تم التأسيس له من الفكر الضيّق في مرحلة مبكرة من حياة التاريخ الإسلامي، وفي التفاتة ناقدة انتقد الرؤية الإسلامية لعالم ما قبل الإسلام، وذلك بما يخالف النص الديني.. «التكفير بدأ من صدر الإسلام الذي استشعر قوة وقيمة المبادئ، فذهب مباشرة إلى الوراء، ونقله فوراً إلى الأمام معتبراً العروبة الحقيقية التي كانت قائمة قبل الإسلام جاهليةً، خطرةً، كافرةً، ووثنية، رغم قول الرسول الكريم محمد عليه السلام «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».. فمن يحق له أن يكفِّر بعد هذا القول؟ ومن ذا الذي يعتبر أن الطهارة تكون بماء وتراب، ولا يؤمن بطهارة الروح والوجدان وأقول «لا يغسل البحر روحاً بل يغسل الجثمان» وهذا دليل حق في الإيمان وأقصد هنا قول هلا شققت على قلبه وهنا يكمن كامل التفكير أن تفكرنا فيمن يفكر ومن يكفر فالرحمة تخص العالم والمنتج والمؤمن بحقيقة الوجود المتجسدة في إنسانية الإنسان والفكر المنجز من التفكير يوجه إلى الرحمة من منتجه أما القسوة فهي ديدن المكفر يحصرها ضمنه فلا يرى إلا من خلال ما حمله معتقداً أن كل من حوله كافر وجب تقويته بسلاح تكفير أولاً وأولاً رافضاً الحوار القلبي واللساني العقلي غير مؤمن بأن الإنسان بأصغريه قلبه ولسانه صاحبي الإيمان والعقل للغة التطور الإنسانية».
 
حرية الاعتقاد والتكفير
ربط الباحث بين مفهومي التكفير والتفكير، وأظهر ما بينهما من تضاد، فلا يمكن أن تحتويهما تربة واحدة، واستشهد لذلك بالطريقة التعاملية للرسول صلى الله عليه وسلم مع الكافرين.
«أعود لفكرة أن التكفير على عداوة خطيرة مع التفكير فإذا ما فكر الإنسان وتفكر في جمال اللـه وتذوق معنى الجمال عرف أنه جميل وأن اللـه جميل موجود في كلية الوجود في الشجر والبشر والحجر والطير والنبات والماء والسماء وما بينهما وظهرت له الأحياء بمجموعها على أنها مكملات لأسباب وجوده من أسباب وجودها.
الرسول العربي عليه السلام خاطب الكافرين وليس المكفرين ولا التكفيريين بأن قال لهم لكم دينكم ولي دين والكفر هنا يخص الأديان حصراً أي من الممكن أن يكفر الإنسان بدينه وأن يعتنق ديناً آخر أو مذهباً آخر أو ألا يدخل في دين معلناً رأيه الصريح بعدم الدخول فيه. وبهذا لا نستطيع ولا أحد يستطيع أن يجبره على الاعتناق أو الاعتقاد بهذه الديانة أو تلك».
الإسلام السياسي
وبالعودة إلى الحاضر الذي استدعى الدخول في مثل هذا الموضوع، يبين الباحث التيارات الإسلامية التكفيرية التي هيمنت على الساحة وتركت أثراً سلبياً كبيراً على المجتمع العربي والإسلامي.
وإذا ما أردنا أن ندقق فيما يجري على الساحتين العربية والإسلامية، وما بين هاتين الساحتين والساحات العالمية.. فللأسف؛ فسنجد أن التكفير اختصاص فئة إسلامية حصرياً، اختص بها المذهب الوهابي مع حركة الإسلام السياسي المتجسد في الإخوان المسلمين، وهاتان الفئتان اعتقدتا أن لهما الحق في السيطرة على العالم العربي الذي غدا عوالم والإسلامي بحكم وجود هذا الآخر بين عوالم تاريخية».
 
التطرف يولد التطرف
وعن نشأة الوهابية يشير الباحث إلى البدايات مستعرضاً خطورة الحاضنة العثمانية، وما قامت به من تطهير عرقي وديني ضد العرب والأرمن.
«تشكلت الوهابية ضمن الحاضنة العثمانية التكفيرية؛ رغم وقوع الوهابية تحت سيطرة الاحتلال العثماني؛ الذي سيطر على العالمين العربي والإسلامي لأربعمئة عام ونيف، خلفت في ذينك العالَمَيْن التخلف والشرذمة، وفي كنف الاحتلال العثماني كانت اتفاقية سايكس بيكو، ووعد بلفور الذي قسم العالمين العربي والإسلامي إلى عشرات العوالم وزرعت الأحقاد الطائفية والمذهبية والإثنية تحت نير ذاك الاستعمار العثماني، الذي خلف وتخلف عالمُه مع تلك العوالم».
ومن الوثائق المتوافرة لديه، والتي تغيب عن الكثيرين يستحضر من العصر الحديث سياسة التطهير العرقي التي كرّسها الأتراك والتي «بدأت نهايات القرن التاسع عشر، حيث وضعت أسس القتل الجماعي للأرمن في أعوام 1894- 1895 في مدينة سالونيك اليونانية حيث عقد حزب الاتحاد والترقي عام 1910 اجتماعاً سرياً أقر فيه مبدأ سيادة العنصر العثماني على الشعوب الأخرى غير الإسلامية، وبصورة خاصة غير السنة.. وكانت ذروة التصفيات العرقية في عام 1915 حيث قتل ما يقرب من مليون ونصف المليون أرمني، وهجر الباقي إلى سورية التاريخية بشكل خاص» من هنا يحاول الباحث دراسة الأحداث التاريخية التي أسست للاضطهاد والعنف والإرهاب، ليكون ما نعيشه نتيجة طبيعية بين السابق واللاحق.
 
سورية العاقبة
وبعد الجولة الحوارية يعود الباحث ليؤكد بقاء سورية رغم كل ما يحاك لها من الفكر التكفيري.
«بعد أن شرحنا بعجالة، وفندنا فكرهم التكفيري الملتقي والمتفق مع صهيونية العالم الجديد على إعادة العالمين العربي والإسلامي ما بين الفينة والأخرى لا إلى الصفر فقط؛ بل إلى ما تحته، معتبرين أن نجاحهم يمنحهم درجات أفضل عند من يأتمرون بأمرهم، وهذا لن يتحقق طالما أن هناك سورية بشعبها المؤمن بجوهر الأديان، وحضور الإسلام الوسطي؛ المتأمل بأن ما يجري على ساحتها رغم قسوته منته وسورية منتصرة، فالإله الكلّي مع شعبها المتنوع والمتعدد، وجمال عقده الفريد المتربع على لوحته الفسيفسائية النادرة منتصر وخارج من محنته، عائد لدوره الريادي والقيادي للعروبة والإسلام، فالإسلام لولا الشام دمشق لما انتشر في العالم أجمع، وكذلك المسيحية لولا دمشق أولاً عاصمة الشرق كلّه، وإنطاكيا العاصمة المخلوقة لها ضمن الاسكندرون وكيليكيا السورية؛ أيضاً لما تربعت على عرش العالمية من خلال بولس الرسول، لذلك كانت وستبقى أبد الدهر محمية من إرادة الإله الكلي وشعبها وقائدها.