بديع جحجاح... العودة إلى الروحانيات

بديع جحجاح... العودة إلى الروحانيات

ثقافة

الثلاثاء، ٢٠ أغسطس ٢٠١٣

ريم الحمش
 artreem@hotmail.com
من الوهلة الأولى تؤكد لوحات الفنان بديع جحجاح بأنه فنان مسكون بالروحانية التي تقود بدورها إلى شغف من نوع آخر، فهو يهتم بدوران المولوية باحثاً من خلالها عن مبتغاه الجمالي عبر أساليب ارتكزت على التراث والنصوص المقدسة وفق آلية التجريب وتوظيفها بأشكال تعبيرية عبر اللون والشكل والمضمون، فيخرج بلوحات من ذاكرته البصرية ناقلاً لنا صوراً عن الحركات الدورانية للدراويش، فهو يرسم ما يحسه ويقتنع به دون أن تقيده المفاهيم الأكاديمية وكل أعماله قائمة على البحث والتأمل والخيال.
عُرف الفنان بديع في وسطه الفني بقدرته على التوفيق بين الريشة واللون ويعمل على مشروع فكري فني متكامل يحمل عنوان دوران في رحلة بحث مستمرة حيث شملت أعماله رؤى بصرية وحروفية مفتوحة على أكثر من مقترح فكري، تجمعها رباعية الإنسان، والضوء، والحركة، والطاقة من خلال حركة الدرويش الدائرية حول نفسه، وتماهيه مع حركة الكون.
اليوم وضمن معطيات الوضع الراهن الذي تمر به البلاد يمكن أن نسأل: كيف يمكن للجمال من خلال الفن أن تكون له تطلعات برموز ومفردات جمالية مختلفة تتناسب مع الإطار الجديد لبلدنا سورية.. وفي أحد وجوه الإجابة كان مشروع الفنان التشكيلي بديع "أفلا" مؤشراً وقفزةً نوعية تعرفنا من خلاله وعبر الولوج من تحولات نقطة في الفراغ، كيف يمكن أن نولد حرفاً، وكيف بالحرف حين اندماجه بحرف آخر أن يولِّد كلمة، والكلمة مع الكلمة تولد الجملة، وكذلك التفاعل الكيميائي بين جملتين تخلق الحكاية والإنسان هو كل الحكاية؟!
فلذلك وعبر مزيج فني مكون من المسرح، الموسيقا، الرسم, وأعمال النحت والتقنيات المختلفة التي عكست فكرة هامة نقلت المعيار الفني التشكيلي إلى ضفة أن يكون هذا الفن في متناول كل الناس، وأن يلامس مشاعر كل الأطياف السورية عبر معرض دوران (2) لهذا العام بعنوان: أفلا مشروع تفكير مفتوح على الكون برموزه الأربعة التي أسماها الفنان رموزاً للحياة بالترتيب والتكوين، ويستمد قوته من حرف نون من القرآن الكريم في سورة القلم الآية (1) والرمز الثاني هو الجوهر من سورة المائدة الآية (54) (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه...) والرمز الثالث كان ولادة أفلا الآية (68) من سورة ياسين (ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون) والآية (73) (ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون).
ولادة أفلا المنطق الجديد ومزيج رنين الكلمة والرقم، وتعبر كلمة (أفلا) عن المنطق الديمقراطي الحر بين الله والمخلوق والإنسان أن يعود إلى عقله دائماً وأن يستعمله في خير الإنسانية، ويأتي العدد هنا (45) أي خمس الحواس عبر رقم خمسة وفكرة الأربعة إلى مفهوم الزمكان (الزمان، المكان) المكان: الجهات الأربع، والزمان: الفصول الأربعة وناتج جمع الخمسة مع الأربعة يساوي تسعة وهو عدد أشهر الولادة فكلنا إخوة الرسول العظيم الذي يقول لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه, فعندما يتحول الفن إلى نبضات إنسانية تعبُر إلى الضفاف الأخرى عبر جسور النصوص المقدسة، وكل الثقافات المتعاقبة من الحضارات السابقة جاءت لترتقي بالإنسان واستمرت عبر الفن بكل أشكاله، أما الرمز الرابع الذي يختم فيه الفنان هو رباعية أفلا مفاتيح الوعي وأبجدية العقل وهي أربع كلمات تبدأ بـ أفلا تعقلون.. تتفكرون.. تتذكرون.. تشكرون هذه الأقانيم الأربعة هي: منطق تفكير في زمن صعب وهي مواد حنونة، ومركبات دافئة تلامس كل الطيف الإنساني بغض النظر عن معتقده وتقول له وتصرخ بأذنه بصمت إن البقاء للكلمة، في البدء كانت الكلمة والكلمة هي الله، والإنسان هو خليفة الله على الأرض بعقله ومعرفته وحبه لإخوانه عبر العطاء والتسامح والرحمة والمحبة، وجوهر رباعية أفلا هو مزيج ما بين سورة الحجرات آية (13) وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا.. وكذلك إنجيل لوقا إصحاح 2- عدد 14 المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة، وما يدهش في هذه التظاهرة الثقافية أنها تظاهرة غير مغلقة وحداثية شرقية حولت دوران الدراويش إلى قصة تذكرنا عبر دورانهم بفيزياء الكون وسعي الإنسان اللانهائي إلى الخلود.
إن عوالم الفنان بديع أقل ما يقال عنها هي أنها عوالم ساحرة تغري عين المشاهد بتأويل صور مستحدثة تثير المخيلة.. فبعد تخرجه من كلية الفنون الجميلة تفرغ لموضوع الغرافيك والبحث عن موضوع الهوية البصرية الخاصة بالشركات والمؤسسات الحكومية وغيرها بعد ذلك بدأ عمله الخاص بإنشاء شركة بي جي للإعلان وتصميم الشعار والهوية البصرية إضافة لدوره في إقامة الحملات الإعلامية, كذلك لديه أشكال ثلاثية الأبعاد، ومجسّمات مستوحاة من دوران الدراويش، ومواد استعمالية (سيراميك، نحاس، قماش، صناديق خشبية، وإكسسوارات..) تتمحور حول مفردة الدوران الأزلي حول الذات أو نقطة المركز بقصد نشر الطاقة المعرفية والبصرية عن طريق الرمز صورة الدرويش ستتحول شكلاً تجريدياً يختزل مكابدات الجسد في رحلته الدنيوية من الألف إلى النون.
بديع جحجاح مواليد سورية 1973, مصمم غرافيك ومصور، خريج كلية الفنون الجميلة 1996  قسم الاتصالات البصرية, عضو اتحاد الفنانين التشكيليين, أستاذ مادة أسس التصميم في جامعة القلمون الخاصة 2006 - 2007, له العديد من المعارض الفردية والمشاركات الجماعية.