تشكيل.. سمر الملا في نادي الصحفيين.. أحواض الورود ونوافذ الضوء الدمشقية..

تشكيل.. سمر الملا في نادي الصحفيين.. أحواض الورود ونوافذ الضوء الدمشقية..

ثقافة

الخميس، ٩ مارس ٢٠١٧

تستعيد الفنانة التشكيلية سمر الملا في مجموعة لوحاتها، المعروضة حالياً في نادي الصحفيين في دمشق، مختارات من تجاربها المختلفة (التي تنقلت فيها بين الرسم الانطباعي، في مظهره الاحتفالي،

 

والرسم الواقعي بلمساته المنضبطة والهادئة) وحملتها ملامح كثيرة من أسرار العمارة الدمشقية القديمة، الباقية في مشاهدات القناطر والأقواس والمقرنصات والبحرات ونوافير المياه، التي تطرب العين والقلب، وتترك في النفس مشاعر الفرح وأحاسيس الانتماء إلى مدينة تاريخية عريقة، ببيوتها الشعبية القديمة، الفسيحة من الداخل والخارج، والمكشوفة على الهواء والسماء، والتي تتداخل في حكايات تكاوينها الحجارة المتناوبة الألوان، والزخارف الهندسية والنباتية والكتابية أحياناً، والمطلة على أحواض الورود والزهور، بتنويعات أشكالها وألوانها، التي كانت ولاتزال تعطي للعمارة الدمشقية رونقها السحري الخاص والمتجدد.‏

 

ضوء المكان‏

فهي في معظم لوحاتها، المتفاوتة بين الدقة الواقعية والعفوية التعبيرية والانطباعية، تتفاعل مع جماليات العمارة الدمشقية القديمة، ويكفي في هذا الصدد الإشارة إلى أنها تقوم بجولات فنية، في أمكنة كادت أن تصبح وهمية وفارغة من السكان، بعد سيطرة التشييد العمراني الحديث، حيث نلمس وبوضوح مؤشرات التفاعل مع جماليات العمارة القديمة، المهددة بالغياب والزوال، والتي بحثت عنها طويلاً، بين الأحياء والأزقة العابقة بعطر الياسمين والجوري والأضاليا والمنثور...‏

كما جنحت أيضاً ومنذ بداياتها، إلى تصوير الطبيعة الخلوية، والمشاهد القروية والوجوه والأشكال الصامتة وغيرها، ضمن رؤية متفاوتة ما بين الواقعية والتعبيرية. ومن الناحية التشكيلية كانت ألوانها ولاتزال تفيض بالضوء والنور المحلي، حيث تضفي على مشاهدها وعناصرها، إيقاعات ضوئية باهرة. وعلى هذا تساهم في حفظ خصوصيات التراث المعماري، الذي اكتسبته المدينة خلال قرون عديدة عبر لمسات لونية مدروسة ومنضبطة ومليئة بضوء المكان، بل وتعمل على إيجاد توازنات منطقية بين الوعي والعفوية. ولذلك فلوحاتها تتجه في جميع مراحلها نحو اشراقة النور وحركة اللون وجسد الإيقاع المتوازن والمدروس، وهي في النهاية تحمل بطاقة الانتساب إلى روح المدينة القديمة، التي تحفظ خصوصيات المكان كرؤية مترسخة في الذاكرة والقلب معاً.‏

هكذا تعتمد في اكثر الاحيان على تشكيلات تشبه الأقواس مشكلة بذلك قناطر وقباباً وأجواء العمارة القديمة، وفي لوحات أخرى تتجه لإظهار كثافة الاشجار والخضرة الربيعية في فضاء المنظر الخلوي والقروي والثلجي. وهي تقرب وتباعد بين الكتل اللونية الهندسية، مكثفة بشكل لافت مساحات اللون المحلي، الذي يؤدي التعبير، حتى في اللوحة التي تقترب من الانطباعية، باتزان يتوافق مع التأليف العام للوحة.‏

ولا شك بأن الاختبار الأسلوبي والتقني الذي تعتمده، يجعل المفردات التشكيلية تتقارب في بعض اللوحات، وتتباعد في بعضها الآخر، وبتعاملها هذا في صياغة عناصر التراث المعماري، وعناصر الطبيعة والأشكال الإنسانية والصامتة، نستطيع تقسيم لوحات المعرض إلى مجموعات حسب التقنيات المعتمدة، وليس حسب المواضيع المطروحة، لاسيما وأنها تضفي لمسات عفوية وكثافة لونية على حركة الخطوط والألوان في بعض اللوحات، بل وتنتقل من المعالجة المنفعلة ببطىء، ذاهبة إلى عفوية تعبيرية انفعالية، في لوحات الوجوه المتجاورة والمكثفة في اللوحة الواحدة.‏

بين الواقعية والانطباعية‏

وتبدو بعض لوحات سمر الملا المتجهة نحو العفوية، وكأنها جزء من العالم اللوني الغنائي، حيث تحمل في بعض أجزائها دلالات ايقاعية بصرية، تبرز في بعض لوحات البيوت والبحرات وأحواض الورود. وهذا يعني أن النمطية البارزة في عدد من الأعمال الأخرى، تنأى عن اللون المنفعل باتجاه تقديم اللوحة الأقرب الى الصياغة الواقعية، فهي في عدد من لوحاتها المعروضة، تسعى لإبراز تعاطفها مع الاتجاه الانطباعي والتعبيري، الذي غالباً ما يرتكز على اللمسات اللونية العفوية المتتابعة والمباشرة، وتقديم ايقاعات لونية متفاوتة، تستجيب لهدوئها وانفعالها لأحزانها وآلامها.‏

وهذه العفوية تحد من طغيان العنصر الهندسي العقلاني، وتساهم في بروز الجو اللوني الغنائي في عدد من اللوحات، الذاهبة الى الصياغة العفوية والتلقائية، في فراغ السطح التصويري. والمعرض مناسبة للتعرف إلى صاحبة تجربة فنية متآلفة إلى حدود الصفاء،والعشق المطلق والكلي مع أجواء الماضي،ومتعاطفة مع أجواء الحداثة التعبيرية والانطباعية والرومانسية في آن واحد، ومع ذلك لا تذهب إلى صياغة متسرعة، حتى في لوحات الوجوه التعبيرية، بل تعمل على إيجاد صياغة تشكيلية، لصالح غايات ومقاصد تهتم بتوثيق معالم العمارة الدمشقية والبيت الشامي قبل أي شيء آخر.‏

وتذهب سمر الملا، في أحيان كثيرة إلى جعل المساحات اللونية المعتمة، تتداخل مع مساحات لونية مضاءة، وبذلك تتدرج الحالة اللونية، من تلك الباهتة أو القاتمة، إلى أخرى تغلب عليها الألوان الزاهية والمشرقة، التي تأخذ من خلالها العناصر ألوانها الحقيقية، وتعمل على إظهار التوازن والتوافق بين البنى المعمارية الثابتة (الهندسية) والتكوين العفوي المتبدل، الذي يخرج العناصر الهندسية أحياناً، من برودتها وقساوتها، وينقلها إلى الانطباعية والتعبيرية المبسطة لقول انفعالاتها وأحاسيسها الداخلية.‏