من المسؤول عن ازدياد ظاهرة التسوّل في شوارعنا!؟

من المسؤول عن ازدياد ظاهرة التسوّل في شوارعنا!؟

الأزمنة

الجمعة، ١ مايو ٢٠١٥

حسام العاينة
غلاء فاحش، جوع، فقر، عوز وحاجة، أُناس يتوسدوّن الأرصفة؛ وعلى الضفّة الأخرى من يتاجر بلقمة عيشنا!. ظواهر ولّدتها الأزمة على مدى السنوات الأربع  الماضية ولا تزال تنهش من تعب وعرق ومعاناة السوريين. أطفال كالبراعم الغضّة ينتشرون في الشوارع وعند إشارات المرور كملح الأرض، يشحذون، يتسوّلون، يبتاعون التبغ والمناديل الورقية وأوراق اليانصيب، يستجدون لقوت يومهم!! يمكن لك أن تصادف مثلاً نساء يحملن في أيديهن أطفالاً رضّعاً عند إشارات المرور. وأُخريات يُبرزن الوصفات الطبية التي لا يمتلكن ثمنها. ورجالاً عند مُفترقات الطرق يبتدعون وسائلهم الخاصة في طلب المال!!. نرصد من خلال هذا الاستطلاع بعضاً من حالات تسوّل نصادفها يومياً في شوارع المدينة، علماً أن هذا ليس إلا غيضاً من فيض مما يزخر به الواقع ومرارته:
 ثمن الدواء!!
سُعاد في السبعين من عمرها، وجهها يفيض بالقهر وأسى وتبكي. استوقفتنا عند أحد مُفترقات حي أبو رمانة التي اعتادت مُلازمتها برفقة كُرسيّها النقّال، سردت لنا قصتها وما تُعانيه، وأبرزت الوصفات الطبية باهظة الثمن وتقارير أحد المشافي الحكومية؛ وأردفت بحرقة : "لقد تشرّدت من يبرود في القلمون منذ بداية العام 2012 برفقة ولديّ المُعاقين، افترشتُ الحدائق العامة مثل الكثيرين الذين هجّرتهم الأحداث من مُدنهم وقُراهم، بقيت على هذا الحال طيلة عام كامل إلى أن أشفقَت إحداهن عليّ وعلى أولادي وأسكنتني في غرفة بمنزلها. الألم الجسدي تمكن مني، وفي منتصف العام 2014بدأت أشعر بوجع في خاصرتي اليسرى، راجعت المشفى لكوني لا أمتلك المبلغ الكافي لأذهب إلى عيادة أو مشفى خاص. أجروا لي الفُحوصات اللازمة بعد عناء ودخلت في دوامة غسيل الكِلى، وصفوا لي أدوية لم تكن متوافرة في صيدلية المشفى وها أنا كما تراني اليوم أجلس ذليلة. منكسرة على هذا الكُرسيّ لأجمع ثمن دوائي".
طفولة مغتصبة !!
هيثم طفل في الثالثة عشرة من عمره، تمكنت الحرب من تهجيره وموت والدته، سرد لنا قصته باكياً: "نزحت برفقة والدي من منطقة حرستا بعد دخول المُسلحين إليها، تزوج والدي من امرأة أسكنته في منزلها، فاعتاد والدي منذ زواجه على ملازمة المنزل وشرب الكحول. ومن حينها بدأت معاناتي ناهيك عن قسوة وجبروت زوجته، أجبرني على ترك مدرستي وإنهاء تعليمي لأبدأ حياة الشقاء وامتهان التسَول، تعلّمت أساليب التملق والخداع لكي أبيع لفافات التبغ والمناديل الورقية من أجل جمع مبلغ فرض علي والدي ألا أعود إلى المنزل إلا وهو بحوزتي".
نساء جهنم؟!!
تقول مريم: "الفقر أثقل كاهلي بعد وفاة والديّ، لقد عشت مع شقيقتي المُتزوجة من رجل لا يعرف سوى القسوة، طردني من المنزل، كان الشارع ملاذي الوحيد، إلى أن انتشلني رجل يكبرني بسنوات مثّل عليّ دور الأب، رافقته إلى منزله، تعرضت للاغتصاب أعطاني مبلغاً من المال وطردني، استأجرت غرفة مُتصدّعة في مخيم اليرموك، ساءت حالتي المادية فلجأت إلى التسول وبيع اللبان والسكاكر من أجل تأمين أجار الغرفة، وفي ظل الأزمة اجتاحت الحرب أحياء المخيم وهجّرتني لأتوسّد أروقة وجدران مراكز الإيواء، وأُمضي مُعظم الليالي في الشارع علّني أجمع قوت عيشي وما يسّد رمقي".
تحت عمامة التسول!!
عبد العزيز رجل خمسينيّ، شعره يملؤه الشيب، ذو ملامح حادّة، لحيتُه بيضاء تلامس صدره!! يحمل في يده كُتيّبات دينية للبيع. سألته عن قصته وغدر الأيام الذي أوصله إلى هذه المرحلة من خريف العمر فأجاب : "جارت عليّ الأيام، قست كما يجب، كنت أمتلك محلاً تجارياً في أحد الأرياف التي دمرتها الحرب الدائرة في البلد منذ أربع سنوات، تهجرتُ مع زوجتي وبناتي الثلاث، استأجرتُ منزلاً في منطقة على أطراف المدينة، الغلاء الفاحش أضناني كما أضنى الكثيرين، كنت أدفع 15ألف ليرة سورية بدل الإيجار، لكن منذ عام ومع ارتفاع الأسعار وأُجور المنازل طلب مني صاحب المنزل40 ألفاً بدل أجار الغرفة التي تؤويني وأُسرتي وإلا فسوف يطردني، فاضطرّت زوجتي وابنتي الكبيرة للعمل كخادمات في المنازل، واضطررت بدوري لإيجاد عمل، بحثت كثيراً لكن لم يُحالفني الحظ لكِبَر سنّي، فلم أجد سوى هذا العمل ليدّر عليّ مردوداً يمكنني من دفع الأجار والعيش بكرامة فالدولة غائبة عنّا تماماً".
وبعد ما استطلعنا تلك الحالات بوصفها نماذج أصبحت منتشرة جداً في شوارعنا التقينا ميساء ابراهيم مدير مكتب الخدمات في وزارة الشؤون الاجتماعية من أجل التوسع بمناقشة ظاهرة التسّول ومعرفة أسباب تفاقُمها في ظل الأحداث. تقول ابراهيم في تصريح للأزمنة : " تعمل الوزارة على إيواء المُتسولين والمتشردين في دُور خاصة بهم، هذه الدُور تقوم برعاية المُتسولين، وتقديم الخدمات الاجتماعية والنفسية والصحيّة لهم طيلة إقامتهم فيها". وتضيف : "هناك دار لتشغيل المُتسولين والمُتشردين في منطقة الكسّوة مُحدثة وفق القانون رقم / 16 / لعام 1975، تقوم باستقبال المُتسولين الذين يتم بحقهم مُذكرات توقيف من قبل المحاكم المُختصة، وأيضاً بعض الإجراءات الحالية: (المحضر)، فلقد اجتمعت الجهات المعنية بالتسّول وهي وزارة الشؤون الاجتماعية والداخلية والسياحة ومُحافظا دمشق وريفها، لإيجاد الحلول المُناسبة لهذه الظاهرة". وحول الهدف من فصل وزارة الشؤون الاجتماعية عن وزارة العمل تقول ابراهيم: "طبعاً من المُؤكد بأن فصل الوزارتين ستُساعد على الاهتمام بالشأن الاجتماعي بشكل أفضل من حيث رعاية المُتسولين والأحداث، الجانحين والمُعوقيّن".
رجال، نساء وأطفال قصصهم مؤلمة! يقصم ظهرهم الفقر والذلّ!! حياة قاسّية بعيدة كلّ البُعد عن الإنصاف والرحمة والإنسانية!! ومن الطبيعي أن يتولّد لديهم الإحساس بالقسوة والعِدائية!! وبالأخص الأطفال الذين غابت عن وجوههم ملامح الطفولة. والبعض يتساءل لماذا معاهد الأحداث بمنطقة قدسيا مُمتلئة بالأطفال!!؟