فكر المعاناة يثمر أصالة الانتماء

فكر المعاناة يثمر أصالة الانتماء

الأزمنة

السبت، ١١ أبريل ٢٠١٥

زهير جبور
يحمل شهر نيسان تبدلاً تشكيلياً في لوحة الطبيعة، تمكن الإنسان إذا ما دخل إحساس التأمل وخطاب النفس الشعور بأنها ناطقة، وهي تشغل حواس البصر والسمع والتذوق وتحرك مجمل مشاعره، ونيسان قريب منا، بل يفرح معنا ويحزن، ويمكن أن نعيش ذلك، فالدمار الذي أنتجته آلة الحرب الشريرة على بلادنا انعكس بلونه الأسود على مساحات لطختها المؤامرة، ومن قبلها كانت تتقافز بألوانها، ونغمات عصافيرها، إنه الحزن.. وللفرح ذكراها المحببة على قلب كل سوري، من قلعة بلدة بانياس في الجولان الحبيب وصولاً إلى دمشق وحمص وحلب وإدلب، وقلعة صلاح الدين في الحفة، والرقة ودير الزور والحسكة ودرعا والسويداء، وجلاء المستعمر الفرنسي لم يخص مجموعة من أبناء سورية بل شملها دون تفريق ولا تجزئة ، وقد هبوا للمقاومة وانتصروا، وخلد هذا اليوم في تاريخهم وذاكرتهم، وحملته الأجيال، وفي نيسان ميلاد حزب البعث العربي الاشتراكي وهو نقطة انطلاق فكرية حملت رؤيتها التي ناضل من أجلها رجال النخبة الذين فهموا واقع مجتمعهم، وما خلفه الاستعمار من جهل وجوع وأمية، فانطلقوا من لواء إسكندرون الأرض السورية التي انفصلت عنها سلخاً بمؤامرة غربية ولما استدركوا لعبة النزاع حولها حين أقرت عصبة الأمم نظاماً ألبسوه قانونيته المزيفة المخادعة ومهدوا من خلاله الطريق للسلخ ليضموه إلى تركيا في لعبة العصبة التي شكلت لخدمة المصالح الاستعمارية وهو الدور الذي تؤديه إلى الآن واسمها هيئة الأمم المتحدة وقد تعددت أوجه سيطرتها على الشعوب الفقيرة في العالم، ونشرت منظماتها بوجه شفاف المظهر (حقوق الإنسان) (الغذاء) (المساعدات)  وغيرها الكثير، ومن خلف الشفافية ما يخدم الأطماع والمصالح والتعديات والفوضى والحروب للدول ذات المصلحة وهو ما يحدث الآن في وطننا العربي وما عرض بلادنا للدمار والوحشية.
•    البعث والمستقبل
حين بدأت البوادر الأولى لفكر البعث العربي الاشتراكي كان انبثاقها من واقع التخلف والاضطهاد الذي مورس عبر قرون على أبناء سورية خاصة الفقراء والبسطاء ، وهم العمال والفلاحون وصغار الكسبة، وبعد عودته إلى انطاكية مدرساً للتاريخ والفلسفة في مدرستها أسس الراحل زكي الأرسوزي مع شبابها عصبة العمل القومي، وعمل على افتتاح نادي وجريدة العروبة، وحرص فلسفته وصبت في جوهر مفهوم البعث العربي الاشتراكي على الأمة العربية، فأصدر مؤلفاته في الأمة العربية ماهيتها. رسالتها. مشاكلها. وصوت العروبة في لواء إسكندرون. وبعث الأمة العربية ورسالتها إلى العالم، واللسان العربي، والجمهورية المثلى، وجاء تركيز البعث على اللغة العربية لكون العبقرية في لسانها ثم المشاكل القومية، من الواقع السيئ استمد البعث نظرته إلى المستقبل وتوزع المناضلون البعثيون لنشر الوعي وإلغاء آثار الجهل.
•    فماذا عملوا
انتشرت دعوتهم في جميع المدن السورية وكانت نقطة ارتكازها محافظة اللاذقية وحماة ودمشق وغوطتها، ذلك بعد وصول طلائع البعث إلى هذه المدن أثر سلخ لواء اسكندرون وفرض الهيمنة التركية عليه، وتقديرهم أن المعركة ستطول، وثمة مؤامرة كبرى على احتلال المزيد من الأراضي، وعلى رأسها فلسطين التي أعطيت للصهاينة لإقامة كيانهم، يقول المرحوم وهيب الغانم في مقابلة أجريتها معه عام 1978 بمناسبة ذكرى ميلاد الحزب: إنهم كانوا يدركون الخطر وإن لا مستقبل للأمة إلا بوحدتها، وعلى العرب أن يسارعوا لتحقيق ذلك، ويشكلوا القوة الرادعة التي تحميهم وتساهم بصنع مستقبلهم الاقتصادي والعسكري والبشري، وهي فكرة البعث التي حملها منذ البداية وعمل على نشرها وكانت تواجه دائماً بقوة غريبة مضادة لأن مثل هذا الفكر  يهدد المصالح الغربية التي تريد إبقاء العرب مجزئين. متفرقين، لا يملكون القوة.
توزع البعثيون الأوائل على المساحة السورية ينشرون رسالتهم الخالدة وفي اللاذقية انطلق القائد الخالد الرفيق حافظ الأسد من ثانوية جول جمال بعثياً. قومياً. ليقود التظاهرات ضد الاحتلال الفرنسي مع رفاقه الطلبة الذي انضم إليهم عمال المرفأ وأبناء الطبقة الفقيرة في اللاذقية، عائلة الغريب. أبو كانون. أبو زيد. صفية. عجيل. شريقي. وغيرهم، وتعتبر ثانوية جول جمال حالياً المقر التاريخي لحراك طلبة البعث في اللاذقية الذين تصدوا للأخوان المسلمين وهزموهم في الكثير من المواجهات، وكان المجتمع اللاذقاني يفتقر لكل شيء، فمصادر العيش محدودة جداً، إما عمال في المرفأ، الذي كان يهيمن عليه الإقطاع المتمثل في شخص (أبو هاني) وعنه روايات في الاضطهاد العمالي تحملها الذاكرة الشعبية اللاذقانية وفي الزراعة كانوا يطلقون عليه (الريجي) التي تحكمت في زراعة التبغ المصدر الوحيد لاقتصاد أبناء الريف، وكانت جولات البعثيين تطوف القرى البعيدة، والدكتور وهيب الغانم يحمل محفظته الطبية ومعه الصيدلي عبد الوهاب الخير - الذي توفي قبل أسبوعين-وبعض الرفاق لفحص المرضى في هذه القرى وإعطائهم الدواء، وتتحول الجولة إلى جلسات نقاش وتوجيه ودعوة للانضمام إلى صفوف الحزب، وحمل أفكاره التي هي ملخص الأمة العربية مما فيها من أمراض خلفها الجهل، وهذا العمل كان يجري في المحافظات السورية من دون استثناء، وهدفه الوصول إلى الجمهورية المثلى التي حددها الأرسوزي وضمنها مفهوم الحق . العدالة. الشريعة. المجتمع كنظام. المساواة. الحرية. ولنتوقف عند هذه الفكرة البعثية من فكر الأرسوزي حول تنظيم الثروة، ( أما تطور الزراعة وما يلزم لهذا التطور من نفقات فتقوم بها الجمعيات التعاونية مقام رأس المال الفردي وللتعاونيات وجهة إنسانية يجب ألا تغفل عنها ألا وهي تدريب الفلاحين على ممارسة الحياة السياسية وعلى إنماء روح التعاون بين المواطنين، وما أحوجنا نحن العرب إلى هذه الروح للحد من نزعتنا الفردية ، وأما أسلوب العمل في الزراعة فأمر التقدم به منوط بتقديم الفلاحين بالخبرة العلمية وفي مدى استخدامهم للآلة الحديثة) وإذا ما دققنا في القول فسوف نجده يحمل تلك النظرة العميقة للمستقبل، وهو ما ركز عليه البعث وعمل من أجله، وبعد قيام ثورة آذار والحركة التصحيحية التي قادها القائد الخالد حافظ الأسد سعت قيادة البعث لتحقيق ذلك وكانت المنظمات الشعبية التي شملت معظم القطاعات الاجتماعية والمهنية والنقابية والثقافية والزراعية والصناعية.
•    إنه الفكر
أسس البعث لقيام الدولة المتطورة وحقق الكثير من الانجازات، وتبدلت صورة الحياة وأظهر المجتمع البعثي براعته في خلق الفرص والإبداع ولم يتوقف  الصراع، بل ازداد رعونة وسفكاً للدماء والمخططات التآمرية تبدل في أساليبها وأهدافها واحدة، وما الحرب المؤسفة على سورية إلا استمرارية لها ، ونحن في ذكرى ميلاد البعث العربي الاشتراكي وبعد أن قدم الشرفاء من أبناء سورية للتاريخ المعاصر إنموذجاً فريداً من نوعه في التضحية والصمود والمواجهة والشهداء، وهم على يقين مطلق أن قيادة الرئيس بشار الأسد الأمين القطري لحزب البعث العربي الاشتراكي عملت على تجنب بلادنا من السقوط، وما الغرض المطلوب إلا جعلها متأخرة فاقدة لكل معاني العصر التي رسخت حضورها في المجتمع السوري، وجعلته متقدماً مواكباً لحركة الحياة، والعودة به إلى الوراء، حيث الجهل الذي تحرر منه بفضل مسيرة البعث وقوى التقدم الأخرى التي ساهمت في البناء والعمل.. البعث لن يتراجع أو يضعف مهما كانت الظروف، وهو الفكر الأكثر نقاء وحيوية وإقداماً فيما يخص الأمة العربية وسيبقى المنارة والاهتداء، ولا بد أن الانتصار القادم سيكون فرصة تاريخية لإعادة الحساب والتخلص من الأخطاء ، وما من أمة نجحت في مسيرتها إلا بعد تعرضها للأخطار وما وصلنا إليه كفيل بأن نستخلص من الدروس والعبر.