عالم سحري يجذب من دون مقاومة

عالم سحري يجذب من دون مقاومة

الأزمنة

السبت، ٢١ مارس ٢٠١٥

زهير جبور
عندما يتحول الموضوع إلى حقيقة, ويخرج عن نطاق الطفرة ويدخل في المألوف والمعتاد. من المحتم أن تتم المبادرات للكشف عن المسببات, خاصة إذا ما كان الانتشار الواسع جداً يهدد العقول، ويعمل على إخراجها إلى عالم افتراضي, التنبه إليه يتطلب توحد الجهود, وتحمل المسؤوليات. وهو يستهدف الشباب بالدرجة الأولى وهم يدخلون ساعات من الغياب, يفترشون خلالها الأرصفة. أو أثناء سيرهم في الشوارع, وحضورهم على كورنيش البحر والكافتيريات وحدائق الجامعة وفي كل مكان. الغياب الذي لا يقل خطورة عن إدمان المخدرات وكل ما يتحول إلى إدمان هو بالتالي مشكلة, وزيادة أجهزة الاتصال والمتعاملين معها. وطرحها في الأسواق لا يعني أننا دخلنا عصر المعلومات والمعرفة كما ينبغي أن ندخله مدروساً. ليمضي في اتجاهه السليم. وخاصة أن نسبة كبيرة جداً من الشبان والشابات والأطفال يستخدمونه لقتل الوقت بالتسلية. وليس في أوقات الفراغ, أو للاستفادة المعرفية، والملاحظ غياب التوجه والإرشاد, والبحث في جذور المشكلة. وما الذي أوصلنا إلى الحالة إياها...
•    هذا لكم ..
خلال جولتنا حاولت الدخول في نبض المجتمع اللاذقاني. وحركة سوق بيع الأجهزة ومقارنتها بمحافظة دمشق وحلب، وغلاء أسعارها مقابل تأمين القوت اليومي. وفقر المجتمع لنكتشف أن عدد النوادي والمقاهي (( الإنترنيتية )) ازداد في السنوات السابقة. بعد الأحداث المؤسفة في البلاد. عما كانت عليه وهي تستقطب من هم في عمر التأثر. والانحراف من دون مراقبة لأهداف إقامتها وانتشارها المخيف. وفي إحصاء لعددها وجدنا قرابة 150 مقهى ومكاناً وكافتيريا في حي واحد. (الزراعة) ولا يتجاوز عدد سكانه 5000 نسمة.
منها ما هو (مُدوكر) بأناقة مفرطة, وبمساحة واسعة. أو الوسط والأقل من ذلك. والمثير أنها شغالة على مدار الليل والنهار من دون توقف, وكل أوقاتها ذروة خاصة في الصباح  وساعات الليل، وجميعها مزودة بمولدات الطاقة التي تنطلق بضجيجها في أي ساعة كانت حين ينقطع التيار العام. وإذا فتشنا عن قيمها التربوية  والعلمية المقصودة من افتتاحها. فلا حضور لها وهي مرتبطة بالربح التجاري الذي لا يكترث بشؤون الأخلاق, أو تدمير عقول الشبان واليافعين وانحرافهم. وهم يشكلون النسبة العليا من الرواد. بل بما يتحقق من ربح مالي ينسف كل القيم, وهذا الكم من الأماكن لا  يخضع لرقابة تربوية ولا ثقافية أو شعبية، ومن المؤسف أنه  لم تتم المبادرة لتنفيذ إجراء إحصاء تقريبي لعدد الساعات التي تمضي أمام الأجهزة وما الفائدة منها. وماذا يحدث في انفرادهم مع الشاشة الذي يستمر من دون انقطاع. ويمكنهم أن يروا العجب وما يثير الغرائز وهؤلاء في أوج فورانهم الجسدي والنفسي.
وأثناء تجولنا في الجامعة التي تضم قرابة 80 ألف طالب وطالبة قدرنا أن 98% من بينهم يحملون الأجهزة ويتعاملون مع الشاشة الصغيرة. سواء في الحاسوب أو النقال.  قد يكون تقديرنا ليس بهذه الدقة المطلوبة لكنه يقترب منها. وكان الواجب العلمي والتربوي يتطلب استدراك الموضوع وتشكيل اللجان الطلابية للتدخل الاجتماعي والتربوي والمهني في حال الاستعمال الغلط. وكما نعلم أن الجامعة مختلطة. ويجب إمعان النظر وعدم الاكتفاء بالفرجة من دون التدخل المدروس الموجه والمراقبة الحريصة والأجهزة تجمع الأفكار الكثيرة والثقافات المتنوعة, وليس لثقافتنا أي موضوع فيها. ومن وجهة نظرنا وحسب ما كوناه من استطلاع فإن اللاذقية بمساحتها وعدد سكانها ومستواها الاقتصادي وبنية المجتمع فيها تعتبر الأولى في استعمال واستهلاك الأجهزة. وافتتاح المقاهي والأماكن المرتبطة بالعمل، وسوف نستثني مدينتي دمشق وحلب، ولسنا على اطلاع كامل بواقع حالهما في غياب المعلومات المطلوبة إعلامياً عبر الوسائل المعنية. ونرشح اللاذقية لعدة أسباب منها عدد طلاب الجامعة وهي تشكل مدينة في مدينة. ومجتمعاً داخل مجتمع, أما تراخيص العمل، فتأخذ من دون دراسة في حال الالتزام بها, ومعظمها يتم افتتاحه من دونها، لأن أصحاب العمل من أولاد المتنفذين والمسؤولين والتجار. الذين لا يعيرون القوانين أي قيمة, ويتعاملون معها بما يخدم مصالحهم. وهي أمكنة بكلفة مالية باهظة جداً, لا يتمكن منها إلا كل قادر مدعوم. وهؤلاء لا يعنيهم انحراف الشباب. احتراق وطن. وفي اللاذقية يحلم الفقراء في الحصول على الجهاز المزود بالتقنية المطلوبة. وهنا يبرز السؤال الضمني: من أين يمكن الحصول على تغطية ثمنه؟ ويصدمنا الاستنتاج التقريبي في أن الاستسهال الأخلاقي يوفره لنسبة لا بأس بها من الفتيات... وهو المنتشر بينهن بشكل ملحوظ جداً، وهنّ يجدنه حاجة ضرورية. لكنه مجرد وسيلة تغطية لمركب نقص ذاتي. يجر في حال ضعف النفس إلى الانحراف, وهنا الفاجعة ونتائجها ملموسة في التصرفات والحركات. وزيادة نسبة الدعارة, وغير ذلك.
•    الآراء التي طرحت
هذه المشكلة ينبغي أن تعالج عبر اتجاهات متنوعة. ومن أبرزها موضوع النضج والتوعية. وإلا فإن النتائج التي ظهرت انعكاساتها مدمرة وبدأنا نحصدها. سواء في السر أو في العلانية. تقول رجاء وهي طالبة جامعية: (نعم أنا أمضي ساعات لا أشعر بها. أناقش شباناً وشابات. نتحدث حول حياتهم في بلدهم وحياتنا, مشاكلهم ومشاكلنا. وكثيراً ما تنتهي في ساعة متأخرة من الليل). ويقول شاب آخر: (نخرج معهم من همومنا وما الذي يمنع في أن أمضي ساعات، وأنا أشعر بالراحة وما يحمله لي الجهاز من أفكار أتقبلها أو لا. إنه صديقي المفضل عندي) وفي هذه الصداقة ما يلخص سقوط الجبل حين يفتقد للوعي. وهو يخرج بعيداً عن التوازن بين الانفتاح على الآخر بعلم. والانجذاب إليه في استسلام. يؤدي إلى الغربة عن الوطن  والمحيط والانفصال وانشطار الشخصية بين واقعها والافتراضي الذي انجرت من دون إرادة إليه. وتلك ليست حالات استثنائية بل قاعدة تزداد شيوعاً. حقيقة وصلتنا أجوبة كثيرة ومتنوعة، لكنها لم تدخل في العمق مكونة السر الذي يتعامل به المعني مع جهازه. لكن الفكرة الواحدة التي تبرز هي في الانهيار والاستسلام والاقتناع والدفاع عن وجهة النظر والعالم السحري، يجذب من دون مقاومة بسبب غياب الوعي. والمؤهلات الفكرية والثقافية.
والمطلوب أن نبحث في الحلول. والأجهزة تزداد انتشاراً, والتفكير بالحصول عليها بطرق سليمة أو غير سليمة هو الذي يشغلهم.. (عليَ أن أؤمن ثمن الجهاز بأي شكل). وهذا التأكيد هو الطريق للسرقة والاحتيال والاستسهال الجسدي. النماذج كثيرة وحكايا السرقات تتكرر يومياً. وما هو مخفي أعظم، والفرجة لا تحلّ الموضوع بل تزيده تعقيداً أو سوءاً. ونقترح أن تجدوا هذه المعالجة في أعمال الجهات المسؤولة والمعنية وألا يستهان بها. وتأخذ أهميتها كوباء جرثومي ينتشر بين الكثير جداً من الشبان والشابات. حتى الأطفال وهم يتسربون إلى أماكن اللهو الالكتروني ويمضون أيضاً ساعات طويلة. ويكون ذلك بموافقة الأسرة من دون رقابة ماذا يعمل ابنهم، وإلى أين وصل؟ ومن دون موافقتهم. والمستغرب أنّ سوقنا تطرح يومياً أحدث ما أنتج ويتم الترويج له. وهذه التجارة تلقى إقبالاً شديداً.
وعند من لا يملك أهلهم ثمن طعام يومهم, انتبهوا.. فليس الفساد في المؤسسات والدوائر واحتكار السلعة.. بل وصل إلى العقول، ليدمر ما يستطيع من خلايا نضجها  ووعيها.