ليس بالاستثمارات الكبيرة تحيا البلدان.. تحفيز الطاقات الكامنة للقطاعات الإنتاجية وتقديم حوافز لمكوناتها

ليس بالاستثمارات الكبيرة تحيا البلدان.. تحفيز الطاقات الكامنة للقطاعات الإنتاجية وتقديم حوافز لمكوناتها

الأزمنة

الأحد، ١٧ أغسطس ٢٠١٤

أحمد سليمان
ليس بالاستثمارات الكبيرة والضخمة تحيا البلدان، فثمة خيارات كثيرة لتنمية وتطوير القطاعات الاقتصادية والتنموية والإنتاجية والخدمية في أي بلد، تعتمد بالدرجة الأولى على دراسة كافة إمكانيات وطاقات هذه القطاعات الكامنة, والعمل على تحفيزها من خلال خلق فرص استثمارية ولو صغيرة لمكوناتها, وتقديم التسهيلات ووسائل الدعم والمساعدة لها لتتمكن من الخروج إلى النور.
و لعل ما نمر به من ظروف استثنائية لم تشهدها أي بلد ومن تدمير للبنى التحتية الذي طال جزءاً غير قليل من القطاعات الإنتاجية الرئيسية, وخاصة قطاع الصناعة نتيجة الحرب الدائرة في البلاد يتطلب من الحكومة ومنظمات الأعمال والمجتمع الأهلي تكثيف الجهود والتعاون المثمر والخلاق لإعادة إحياء هذه القطاعات الإنتاجية, وتقديم كل أشكال المساعدة والتسهيلات وخاصة القطاع الصناعي بمنشآته المتوسطة والصغيرة، لما لهذا القطاع من دور كبير في إعادة ترميم جراح الاقتصاد الوطني وتعزيز قوته واستقلالية الوطن.
البكاء على الميت حرام
وربما لن تنتهي الحرب بالبلاد خلال فترة قصيرة، وكما الندب والبكاء على الميت حرام، فإن الحسرة والجلوس على أطلال منشآتنا وتعداد حجم وقيم أضرارها لا يفيد في الوقت الحالي, نظراً لعدم قدرة الدولة على التعويض عن كافة الأضرار التي لحقت بمنشآتنا الصناعية وغيرها، ولعله من المفيد تقديم تقييم موثّق للجهات العامة، لكن علينا جميعاً البحث عن أفضل الوسائل لإعادة تشغيل هذه المنشآت, ولو جزئياً, وعلى الحكومة أن تعمل على إعادة تأهيل البنى التحتية لمناطق تجمع هذه الصناعات, وتوفير الخدمات الضرورية لإعادة تشغيلها من جديد, وخاصة في المناطق التي أعيد لها الأمن والأمان والاستقرار.
ولعل الأخبار الواردة من بعض المناطق كمدينة الشيخ نجار الصناعية ومنطقة حوش بلاس جنوب دمشق ومنطقة يبرود الصناعية بريف دمشق الشمالي والسعي الحكومي لإعادة تأهيل بنى هذه المناطق التحتية يشي بالتفاؤل، لكن ورغم هذه التطورات، إلا أنها لا تكفي.. فعلينا البحث الجاد والفعال عن توفير بيئة ملائمة ووسائل وأدوات دعم ومساعدة عملية لمنشآت جديدة, وتشجيع رؤوس الأموال حتى الصغيرة منها, وتوظيف المدخرات في مشاريع أو حرف صغيرة, وتخفيف أعباء وإجراءات تسجيلها لتتمكن من أن تأخذ دورها في الإنتاج وسد احتياجات السوق المحلية في ظل إغلاق عشرات آلاف منشآت الحرف والورش قبل وخلال هذه الحرب. في الوقت الذي تساهم فيه المنشآت الصغيرة والمتوسطة مساهمة فعالة في توفير حاجات المؤسسات الكبرى من خلال استراتيجيات حديثة تهدف لتنمية وتطوير عملها، وتعتبر العناقيد الصناعية من بين الاستراتيجيات الحديثة المتبعة في العديد من دول العالم, والتي تساعد هذه المنشآت في التغلب على المشكلات التي تعاني منها والناتجة عن صغر حجمها.
توفر المتطلبات
من هنا تؤكد وزارة الصناعة على ضرورة التركيز على تشجيع الصناعات الصغيرة المتوسطة من خلال توفر جملة من المتطلبات منها: تصديق المخططات التنظيمية للمدن وتحديد مناطق الحماية والتوسع وشروط استثمارها, والإسراع بتنفيذ ما أقرّته وزارة الصناعة وهيئة التخطيط الإقليمي بشأن المدن الصناعية السبع الجديدة, التي من المخطط أن تستقطب صناعة الزيتون ومكونات الطاقات المتجددة الشمسية والريحية في الأقليم الجنوبي والأوسط والشمالي والشرقي، واستحداث مناطق صناعية مختصة بالصناعات الحرفية والمهن الحرة ضمن المخططات التنظيمية في المدن والبلديات التي لديها مخططات تنظيمية كافة, والبالغة حوالي / 936 / منطقة وإقرار مناطق الصناعات الصغيرة والمتوسطة البالغ عددها / 18 /, لاستقطاب الصناعات المتوزعة في التجمعات العمرانية, وتعديل صفاتها العمرانية وتجهيز بناها التحتية من طرق تخديمية وكهرباء ومياه وشبكات صرف, وإعادة هيكلة مجالس الإدارة في المدن الصناعية بحيث تمثل كل من مديريات الصناعة وغرف الصناعة بشكل أكبر, ومنح الترخيص الإداري للمنشآت الصناعية بكافة أنواعها ضمن وخارج المخططات التنظيمية, أو خارج المدن الصناعية, ومنحها ترخيصا دائما يمكِّنها من البدء بالإنتاج, وتشجيع نقل الصناعات الصغيرة والمتوسطة الصناعية والحرفية إلى المناطق المنظمة الملحقة بالمخططات التنظيمية والبالغ عددها / 101 / منطقة, وتقديم تسهيلات تتعلق بـأسعار المقاسم والمستودعات المعدة للبيع, وتبسيط شروط البناء ضمن المقاسم وتبسيط شروط إيجار المقاسم.
على مستوى القطاع
 وفيما يتعلق بالمتطلبات على مستوى القطاع الصناعي كما ورد في المذكرة التي أعدتها مديرة مديرية البيئة في وزارة الصناعة أمل حسن، فقد حددتها بإعادة النظر بكافة الاتفاقيات التجارية التي تعرِّض الصناعة الوطنية لمنافسة غير متكافئة من دول تدعم وتحمي صناعتها, وإعداد خارطة استثمارية تأشيرية في كل قطاع صناعي, ووضع وتعميم خارطة صناعية توضح المدن والمناطق والتجمعات الصناعية القائمة حالياً, والمناطق الصناعية المنظمة الملحقة بالمخططات التنظيمية والمخصصة للصناعات الصغيرة والمتوسطة والصناعية والحرفية, وإعداد لائحة بالصناعات ذات الأولوية بعد الأزمة تراعي الصناعات التي تعتمد على الخامات الطبيعية والصناعات الزراعية, وحماية المنتج الوطني لفترة زمنية محددة, وتفعيل العمل بالقوانين الخاصة بحماية الصناعة الوطنية من خلال تفعيل قانون حماية الصناعات الناشئة, وتطبيق قانون حماية الإنتاج الوطني من الممارسات التجارية الضارة, وتطبيق قانون حماية الملكية الصناعية والتجارية والإسراع في إصدار قانون تداول المواد الكيميائية الصناعية، تمهيداً لإعداد قاعدة بيانات حول القطاع الصناعي ككل, ومنح المنشآت الصناعية العامة والخاصة المتأثرة بالأزمة قروضاً ميسرة وإعفاءات ضريبية خلال فترة إعادة التأهيل ولمدد محددة.
التجمعات الصناعية العنقودية
وأشارت مديرة مديرية البيئة إلى العمل على موضوع التجمعات الصناعية العنقودية ضمن المدن والمناطق والتجمعات الصناعية، وتشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة المكملة لها لإنتاج وتسويق منتجات متكاملة ومترابطة واعتماد المدن الصناعية كمشاريع بنى تحتية تهدف إلى توفير مرافق صناعية مشتركة ذات أداء اقتصادي وبيئي مرتفع الكفاءة، وتشجيع الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص ضمن هذه المشاريع في مجالات وتوليد الكهرباء وتوزيعها وتوفير المياه الخام الصناعية ومعالجة وتدوير مياه الصرف الصناعي العادمة, وفرز ومعالجة وتدوير النفايات الصلبة بما في ذلك توليد واستغلال الغاز الحيوي وتشجيع الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص في صناعات جديدة, واطلاع النقابات المهنية بدورها, والمساعدة في توعية العمال حول الصناعة ومخاطرها وإعادة النظر في آلية فرض رسم الإنفاق الاستهلاكي, بحيث يحقق التكافؤ بين الصناعي المنتج للسلعة والمستورد لها.
تشريع لتشجيع المنشآت
أما ما يتعلق بمتطلبات تشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة فقد أكدت المذكرة على ضرورة وجود تشريع لتشجيع منشآت الصناعات الصغيرة والمتوسطة, والاهتمام بالعمالة وتنمية وتطوير الكفاءات الإدارية والفنية في المشروعات الصغيرة والمتوسطة, وسن قانون أساسي لمنشآت الصناعات الصغيرة والمتوسطة يعرف بشكل واضح ومحدد الصناعات الصغيرة والمتوسطة, ويساعد على تذليل العقبات التي تواجه هذه المشاريع كافة, وإنشاء هيئة تنفيذية للسياسات الصناعية الخاصة بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة ووضع قواعد ونظم لتشجيع مشاريع الصناعات الصغيرة والمتوسطة, وإيجاد نظام قروض مصرفية لتمويل هذه المشاريع دون فوائد ودون ضمانات أو بشروط ميسرة, ونظام لضمان القروض المقدمة لهذه المشاريع, وشركات داعمة لتمويل أنشطة مشاريع الصناعات الصغيرة والمتوسطة ومجموعة مؤسسات تأمينية لهذه, ومعهد خاص لإعداد برامج تدريبية إدارية وفنية خاصة بها, إلى جانب قيام هيئات حكومية بتشجيع هذه المشاريع على غزو الأسواق الدولية بإقامة معارض دولية ومساعدتها على تسويق منتجاتها مع وجود حماية حقوق الملكية الفكرية وحقوق المؤلف في الصناعات الثقافية "صناعة البرمجيات الحاسوبية", وذلك في إطار تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مجال الإبداع الفكري.
توفير آليات الدعم الحكومي
هذا كله يتطلب توفير آليات الدعم الحكومي لهذه المشروعات والمتمثلة بالدعم المباشر من قبل الدولة, بتوفير المساعدات الفنية والتمويلية والإدارية والتسويقية, ومنح إعفاءات من الضرائب والرسوم, وإيجاد شركات داعمة لأنشطة هذه المشروعات, مثل شركات التمويل التأجيري، التي تعد إحدى الوسائل التي يمكن لها أن تحصل من خلالها على رأس المال اللازم للمشروع، حيث يقوم المُقرض (شركة أو مؤسسة، أو مصرف) بشراء المعدات ثم يؤجرها للمقترضين من خلال عقود تأجير تمويلي تحدد طريقة الدفع ويحتفظ المقترضون بملكية الأصل، وفي نهاية مدة التأجير مثلاً (3- 5 سنوات)، يستطيع صاحب المشروع تملك الأصل مقابل سداد مبلغ محدد إلى جانب توفير نظام ضريبي يشجع على الاستثمار في التكنولوجيا الحديثة وفي التكنولوجيا صديقة البيئة, ووضع نظام للإعفاءات الضريبية على أنشطة هذه المشروعات, بحيث يمنح إعفاءات من ضريبة الدخل لفترات زمنية محددة قابلة للتجديد, لإقامة هذه الصناعات الصغيرة في المناطق النائية ومنح إعفاء ضريبي يتدرج عكسياً مع قيمة رأس المال المستثمر، بحيث تقل نسبة الإعفاء الضريبي تدريجياً مع الزيادة التدريجية في رأس مال المشروع الصغير, وتخفيض ضريبة الدخل بنسبة محددة في السنة الأولى من إقامة المنشأة ولمدة محددة، والتأمين على المشاريع الصغيرة خوفاً من مخاطر الإفلاس، حيث تقوم بتطبيق هذه السياسة مجموعة من المؤسسات المالية والتأمينية، ويمكن للمشروع الصغير المساهمة بقسط تأميني يدفع شهرياً, وتقوم بموجبه هيئة تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة في وزارة الاقتصاد بسداد ديون المشروع الصغير المتعثر.
المشاركة في المناقصات
 واقترحت مديرة مديرية البيئة في مذكرتها مشاركة المشاريع الصغيرة والمتوسطة في المناقصات الحكومية, من خلال التعاقد من الباطن مع الشركات التي يرسو عليها المشروع, وتحديد نسبة معينة من قيمة المشروع تُلزمها بتوريد احتياجاتها من الشركات المسجلة رسمياً كمنشآت صغيرة ومتوسطة, وإتاحة الفرصة للمشاريع الصغيرة للحصول على العقود الحكومية بإلزام الشركات التي تحصل على مناقصات حكومية بأن يكون نصيب المشاريع الصغيرة والمتوسطة ليس بأقل من نسبة محددة من قيمة المناقصة, وتشجيع المشاريع الكبيرة على التكامل مع المشاريع الصغيرة والمتوسطة بتحديث ما لديها من آلات ومعدات, وتنظيم العلاقة بين أصحاب المشاريع والعمال وإسناد إنتاج مكونات التصنيع إلى مصانع أخرى صغيرة أكثر تخصصاً، ما يحقق لها وفراً أكبر في تكلفة الإنتاج مع ضمان تحقيق جودة أعلى, بحيث تكون نواة لمجمعات عنقودية والشراء الحكومي لمنتجات المشاريع الصناعية الصغيرة والمتوسطة.
التسويق والترويج
 ولم تنسَ المذكرة ضرورة التأكيد على إقامة معارض محلية متخصصة بشكل دائم لترويج وتسويق منتجات الصناعات الصغيرة والمتوسطة, والبيع على أساس العروض المستمرة للترويج للمنتجات الوطنية, وتشجيع وتنمية وحماية صناعة البرمجيات التي يبرع الشباب السوري فيها وتطوير قاعدة بيانات متخصصة في المجالات التي تحتاجها هذه المشاريع, مثل معلومات عن مصادر المواد الخام ومستلزمات الإنتاج, وتوفر الآلات والمعدات اللازمة لإقامة أيّ صناعة محلياً والأسعار التقريبية لها، إضافة إلى معلومات عن خصائص واحتياجات السوق من سلعة معينة، والأسواق المحتملة للتصدير، ومصادر التمويل وفرص المشاركة في المعارض العربية والدولية.