الحياة والشباب والأمل المنشود

الحياة والشباب والأمل المنشود

الأزمنة

السبت، ٢١ يونيو ٢٠١٤

زهير جبور
لم تتناقض أية نظرية نفسية. فلسفية. في مفهوم تعريف الشباب وطاقاته، خاصة أن تلقى في طفولته التربية السليمة الصحيحة، ولا بد إنه من المفترض أن يكون المنتج الرئيس في كافة المجالات، وثمة رأي شعبي إن لم يفعل ذلك في شبابه فماذا ينتظر، والكهولة بداية انحراف الخطوات صوب النهاية، وعليه فإن الاعتماد على الشباب أمر مسلَّم به، لا يناقش، وكل جيل يعيش حياته ثم ينقل رايته للذي يليه وهكذا، وهؤلاء تتعدد مواهبهم واتجاهاتهم الفكرية، والواجب يتطلب الاشتغال عليها، والحرص كي تتطور، وتنمو وتعطي ما فيه خدمة المجتمع، والرياضيون هم جزء من المجتمع السوري، وأعلنوا منذ بداية الأحداث التي شهدتها البلاد موقفهم الوطني، وشاركوا في فعاليات محافظة اللاذقية مستنكرين ما يجري، وكانوا قد رفعوا العلم السوري بطول 16 كم على أوتستراد اللاذقية جبلة، وكذلك نفذوا المسيرات الداعية للوحدة الوطنية، ورفض التجزئة والاقتتال، وأقاموا تجمعهم الرياضي. الفني. الفكري. باسم (سورية بخير) وشكلوا من بينهم مجموعات زارت أسر الشهداء والجرحى وتعاونوا للاقتراب أكثر من المواطن، وحل المشاكل بقدر إمكانياتهم، وعملوا على المشاركة في الحوار تحت مظلة الوطن، والحفاظ على أمنه واستقراره إلى جانب مهام أخرى كثيرة، يجدون اليوم مع الانعطافة الديمقراطية السورية وفوز الرئيس الشاب الرياضي الدكتور بشار الأسد أن هذا القطاع ينبغي أن يزداد الاهتمام به، وأن يدخل في التطور المنشود، وأن يشخص الواقع من أجل التوجه للمستقبل، وإعادة ما يطلقون عليه الأخلاق الرياضية، وهي حالة لا تخصهم وحدهم، بل ينبغي نشرها بين جميع أبناء المجتمع، وهذه الأخلاق تتطلب المرونة في تقبل الآخر، والانحناء له ليس من قبيل التذلل، بل عبر التواضع المليء بكبرياء النفس، وقوة التحمل، والصبر ما أمكن، أليست الرياضة بقسوتها الجسدية مدرسة لتعلّم الصبر والتأني، والتنافس الأبيض، الذي يؤدي إلى النتائج الأهم والأمثل؟ وهم يعلمون أن مشاكلهم لا تحل دفعة واحدة، ومنها ما هو متراكم بحكم أخطاء الماضي، التي أثّرت بشكل أو آخر على المسيرة الرياضية، وكنا في اللاذقية نتفاخر قديماً في أندية قدمت المستويات العالية جداً لفرق شاركت ببطولات عالمية، وتفوقت وبهرت، ومنهم لاعبون ذكور وإناث انضموا إلى فرق لكرة السلة والطائرة وغادروا البلاد ليرفعوا علم سورية على ملاعب أجنبية، ولنذكر مصطفى حمشو الذي رفض في أمريكا الصعود إلى منصة الملاكمة ما لم يرفع العلم السوري في الصالة، ويعزف النشيد الوطني قبل البدء في الجولة الأولى، ولاعب كرة السلة (جوزيف) الذي رد على سؤال المعلق الرياضي في إحدى الشاشات الإيطالية أن سورية عرفت الرياضة قبل أن يعرفها الغرب، وأولى الأولمبيّات في العالم قدمت بموقع عمريت بمدينة طرطوس من قبل الميلاد.
   
الشباب والرياضة
هما عنصران متكاملان يحققان الفتوة ويغرسان بالنفس آلية الشموخ والإباء ويضخان عروق الوفاء بمزيد من الروح الرياضية.. ولأسباب تربوية تراجعت الرياضة، بعد أن تحولت من هواية الاندفاع والثقة إلى تجارة عشش في فواصلها الفساد، ووصل إليها النخر عبر الاستسهال وتسليم مهامها لمن هم غير جديرين بها ولا يتقنونها على أصولها العلمية.
الملاحظة الأولى التي سجلناها من خلال لقاءاتنا مع الشباب الرياضي هي غيابها في المدارس وإهمالها بشكل واضح، واعتبارها مادة لا تقدم ولا تؤخر، ومن العار أن تصنف هكذا، ومنذ القديم قيل (العقل السليم في الجسم السليم) ويجدون أنه من الضروري التراجع عن ذلك، والتشدد، وجعل الرياضة مادة لا تقل أهمية عن بقية المواد، ما دام الأمر يتعلق بالعقل، فلماذا تغيب سلامته؟ سؤال جدير بالتوقف عنده، ودراسة مفرزاته، والوصول إلى عمق سلبياته ليصار إلى معالجتها، وهو ما ينبغي أن تعمل عليه كل الجهات المسؤولة والمنظمات الشعبية المعنية، وتجمعات المجتمع المدني، والعودة إلى الرياضة ورؤية جديدة في مفهوم الحياة، ومن يمارسونها يدركون هذا جيداً، ونِسب الأمراض المزمنة أو المتعلقة بالسمنة والشحوم تتراجع لتزيد من معدل الأعمار في حال تطبيق الغذاء الصحي، قال مجد "الرياضي المخضرم والمدرب المعروف" من الواجب أن نجعل من الرياضة ممارسة شعبية، وأن تقوم الحكومة بتولي هذا الأمر، وتهتم أكثر بفتح الصالات للشباب، وأن تتوجه وسائل الإعلام وسبل التوعية الأخرى لإبراز فوائد رياضة المشي على أقل تقدير لمن تجاوزوا سن الخمسين وما فوق..
عندما فشلت محاولات الطب في علاج إحدى الفقرات الظهرية لوالدتي عملت على معالجتها رياضياً كانت مترددة في البداية وخائفة ومستسلمة للألم والمسكنات وسواها.. وبعد شعورها بالتحسن أصبحت تعتمد على نفسها. مقتنعة تماماً بما حققته رياضتها البسيطة جداً.
ألا ترون معي أننا بحاجة لهذه الثقافة التي لم تدخل حياتنا بشكلها الواسع. ومن يقل ليس عندي وقت عليه أن يفكر أن المرض حين يحل لا يسأل عن وقت. والوقاية في الرياضة مسألة صحية، اجتماعية، ثقافية. هي في الحقيقة لا تعدد إيجابياتها. ولنعلم أن الجسم تتمركز سلامته على الركبتين. ومن يمارس المشي عليه أن يدرك ذلك. وإذ كيف نفسر أن شاباً على سبيل المثال لا يستطيع أن يمشي عدة خطوات وإن حصل يتألم من ركبتيه. ويلهث بأنفاسه. ويشعر بالتعب الشديد.
   
وماذا عن النساء؟
تفتقر اللاذقية لصالات رياضة مناسبة. في القطاعين العام والخاص. ومن سوء التقدير المتواجد حالياً وبنسبة كبيرة فإن معظم الصالات لا تمتلك المواصفات الصحية المناسبة. وحدثتني إحداهن أنها هجرت رياضة الصالة وتكتفي بالمشي بسبب الاختناق الذي كان يسببه وجوده فيها. بين حبس للهواء, والتعرق الشديد, والرائحة. وكما عبرت (غلاظة النسوان) لم أسألها أي غلاظة تقصد. وبعضهن يمارسنها للاستعراض فقط. وهن يكررن بمناسبة أو دونها (في هذا الوقت مرتبطة بالنادي) وهذا من أنواع التسطح الفكري الذي يحمل بطياته الادعاء الفارغ.
لا وجود للمكان المناسب. وأجور الصالات الخاصة ارتفعت كثيراً. والأخرى ذات المواصفات المعقولة إلى حد ما تحولت إلى مكسب مادي. فلا إشراف فعلياً. ولا إتقان لتأدية الحركات. والمدربة بحاجة لمن يدربها. فأين نذهب مع غياب الصالات المطابقة للمواصفات؟. والتي تحتاج أجهزة متطورة، وأدوات مساعدة للتدريب. ولا رقابة صارمة. وأصبح كل من عنده قبو تحت الأرض يحوله إلى صالة بقدرة من يمنحون التراخيص. ويتقاضون العمولات. وحلّت الأحداث المؤسفة لتبعدنا عن مدينة الأسد الرياضية التي كانت تتوفر فيها بعض المعقولية, والمساحات المناسبة لرياضة المشي. وركوب الدراجات الهوائية. لماذا نترهل في وقت مبكر من حياتنا. لأننا لم نتعلم منذ البداية على الرياضة. لم نمارسها ونحن صغار. فكيف يمكننا أن نفعل ذلك بعد الكبر. والمطلوب الآن وبعد أن ننتهي من تلك الأعمال الشنيعة التي جرت في البلاد إعادة النظر بالتربية الرياضية بشكل عام. وبدلاً من تشجيع عمليات التجميل الضارة جداً.وشفط الدهون، وغيرها ينبغي تشجيع الرياضة كعلاج بديل يعطي النتائج المذهلة في حال ضبطها. وممارستها بشكل منظم. ومع اتباع الوجبات الغذائية الصحية. وهي ليست مرتفعة الثمن. ومن تلتهم (الهمبرغر) و(البيتزا) وتتبجح أنها لا تستطيع الاستغناء عنهما. عليها أن تفكر كيف لهما الفتك بها في وقت قصير. وبلا شك لا تعطي رياضتها نتائج بسبب الشراهة المعوية.
   
أين التقصير
لو أن الخطط الرياضية نُفذت بشكلها الصحيح لكنّا الآن من الدول المتقدمة في هذا المجال. مع افتتاح الكثير من المعاهد الرياضية. والكليات الجامعية. والإنفاق المالي الذي هدر بغير مكانه. حين انقض عليه الفساد، فضرب مفاصل الرياضة وشلّ حركتها. وجعلها متراجعة حتى الذبول. وفي هذا الوقت ينبغي أن تكون كل الأعمال مترافقة مع بعضها. من الإعمار، إلى بناء الإنسان والعودة للحياة الطبيعية. والتركيز على بناء النفوس، والاستغناء عن الادّعاءات الفارغة, والوهم الفردي، والعام الذي لا يثمر سوى وهم. والبلاد لا تتطور، وتبنى وتزدهر. وتدعم وجودها إلا من خلال الحقيقة ومن يبتعد عنها هو في الوهم. والنتائج ستكون وهماً.. وهذا ما لا يتفق والقادم من آمالنا الكبيرة. فهل تحقق معادلة الحياة والشباب والأمل المنشود. ينبغي أن يحصل ذلك وبأقصر وقت.