قياس مستوى الأداء الحكومي يكشف نصاعة الشكل وكحالة المضمون مؤسسات ظاهرها رابح وباطنها خاسر!!

قياس مستوى الأداء الحكومي يكشف نصاعة الشكل وكحالة المضمون مؤسسات ظاهرها رابح وباطنها خاسر!!

الأزمنة

السبت، ٣١ مايو ٢٠١٤


الأزمنة| دريد سلوم 
لم يكن القطاع الحكومي بشكل عام بعيداً عن التطورات التي حدثت وتحدث، خاصة خلال السنوات العشر الأخيرة من القرن العشرين وظهور ما سُمى بعلم الإدارة العامة الجديدة، وما نادت به من تطبيق مفاهيم إدارة الأعمال الخاصة في إدارة المنظمات العامة إلى انتقال عدوى قياس الأداء والاهتمام بالقيمة إلى الحكومة، فإذا كان عصر الستينيات هو عصر التسويق، وعصر الثمانينيات هو عصر المبادرات الخاصة بالجودة، وعصر التسعينيات هو عصر خدمة العميل، فيبدو أن العقد الأول من القرن الجديد هو عصر قياس الأداء، ما يعني أن العالم تحول من عملية العدّ – إن صح التعبير- إلى عملية المحاسبة، ومن ثم إلى قياس الأداء، لقد بدأت الدول المتقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وغيرهما في الاهتمام بقياس الأداء الحكومي بتطبيق مبدأ أفضل قيمة، ففي عام 2000 أصبحت عملية قياس الأداء في كل جهة حكومية فيدرالية في الولايات المتحدة عملية أساسية طبقاً لقانون قياس الأداء والذي صدر عام 1993، وكذلك الأمر في بريطانيا فمنذ نيسان 2000 أصبحت عملية قياس الأداء عملية إجبارية وباستخدام أسلوب أفضل قيمة كمعيار للقياس في كل الهيئات الحكومية البريطانية، ويعكس هذا بالطبع استجابة الحكومات لمتطلبات وتوقعات دافعي الضرائب وبالتالي ضرورة المحاسبة والمساءلة والتأكد من مدى فاعلية وكفاءة الإنفاق الحكومي.
ويمكن القول إنه إلى وقت قريب كانت معظم الجهات الحكومية العالمية لا تهتم بالقيمة الاقتصادية أو السوقية لإنفاقها، لكن هناك ما يشير إلى أن هذه الممارسات بدأت تتلاشى أمام زحف مفهوم أفضل قيمة؛ المتمثل بمدى مساهمة الخدمة أو المنتج في رفاهية المجتمعات، على هذه الجهات حيث لوحظ وجود تحسن باقتصاديات العمليات الحكومية، وزيادة استجابتها لاحتياجات المواطنين, ومدى فاعليتها وكفاءتها وشفافيتها، وهذا ما يشكل الدعامة الأساسية للمبادرات الخاصة بالإصلاح الإداري للحكومات.
وهذا ما يجب الانتباه إليه وإيلاؤه الاهتمام اللازم كوننا مقبلين على مرحلة هامة مفصلية ومصيرية تتمثل في إعادة الإعمار وبناء الوطن من خراب ودمار المجموعات الإرهابية, الأمر الذي يتطلب العمل الجاد والتقييم الجيد للدراسات والإحصائيات المتعلقة بالإعمار والتخطيط الأمثل المبني على دراسات دقيقة ومنهجية ترسم السياسات الجدية المطلوبة للسير قدماً باتجاه عملية الإعمار بعيداً عن الشعارات والعناوين الورقية.

أخلاقيات
الاقتصادي الدكتور زكوان قريط بيّن في تصريحات صحفية أنه لدى معاينة مستوى أداء إحدى شركات القطاع العام يجب حساب قيمة موجوداتها وأصولها الثابتة خاصة الأرض والتي هي في حالة ارتفاع دائم، إلى جانب حساب المصاريف المترتبة عليها نتيجة التشابكات المالية بينها وبين الشركات العامة الأخرى وتصفيتها كفواتير الكهرباء والهاتف وغيرها من التراكمات، حتى نستطيع الوقوف على الوضع المالي لهذه الشركات لنرى إذا كانت خاسرة أو رابحة وبالتالي يمكن قياس أدائها بشكل دقيق.
معايير
لاشك أن القطاع الحكومي لا يقتصر على المؤسسات والشركات الاقتصادية المنتجة، وإنما يحوي كثيراً من الجهات والهيئات الخدمية والإدارية والقضائية ..الخ، وبالتالي فإن قياس مستوى أدائه لا يعتمد على ميزانيات حسابية لتبيان خسارته أو ربحه، ما يحتم ضرورة وجود معايير وضوابط تحدد آلية حُسن سير عمله، وهنا يركز قريط على أهمية قياس الأداء أولاً بأول وبشكل مستمر، وذلك من خلال تفعيل دور المواطن بحيث يعبر عن مستوى رضاه عما يقدم له من خدمات، واعتماد أساليب تواصل معه كاستطلاعات الرأي؛ وهنا يجب على الإعلام أن يلعب دوراً كبيراً فيها وعليه أن يكون شريكاً مهماً وإستراتيجياً في هذه العملية.
وأضاف قريط أن العامل الثاني لقياس الأداء يتمثل بوجود جهة رقابية مستقلة ذات صلاحيات واسعة جداً وقادرة على محاسبة المقصر الفاسد، ومكافأة المجد المثابر، معتبراً أن الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش غير قادرة بالقيام بهذا الدور كونها أصبحت عجوزاً..! كأن تُحدَث هيئة عليا لقياس الأداء الحكومي تقوم بمراقبة كل مفاصل عمل القطاع العام، ومحاسبة كل من لا يُقوّم أدائه بعد إعادة هيكلتها، لا أن يتم اللجوء إلى بيع المؤسسات الاقتصادية الخاسرة وإلحاق موظفيها بجهات إدارية أخرى تحت ذريعة الحفاظ على حقوقهم، فالأجدى إما البحث عن مشروع آخر يحقق إيرادات للخزينة العامة للدولة، أو تطوير العمل بكل حيثياته وتفاصيله بدءاً من الكادر البشري، مروراً بالآلات، وانتهاءً بالتسويق.

حل أمثل
بينما يرى مدير شؤون المؤسسات أن الحل الأمثل لتحسين مستوى الأداء يتمثل بضرورة تعديل مراسيم إحداث هذه المؤسسات بما يتماشى مع الواقع الراهن والمنافسة الحقيقية مع القطاع الخاص، بحيث تمنح المؤسسات الاقتصادية التجارية والصناعية الاستقلالية في ميزانياتها، وأن تتعامل بمنطق الربح والخسارة مثلها مثل أي تاجر، لأن استمرار العمل بالأنظمة الحالية في ظل المنافسة الشديدة للقطاعات الأخرى يزيد من تراجع أدائها ويوقعها في مآزق مالية لا يمكن أن تستمر.
إن السياسات الاقتصادية الجديدة المنضوية تحت عملية الإصلاح الاقتصادي تستدعي تطوير وتعديل سياسات ومهام ووظائف المؤسسات والشركات التابعة لوزارة الاقتصاد كمؤسسات تجارية داخلية وخارجية وشركات إنتاجية، من شأنها تأمين خدماتها الاقتصادية والاجتماعية للشريحة الأكبر من المجتمع، لاسيما أنها تمتلك خبرات متراكمة على مدى سنوات وجودها، وقد ازدادت الحاجة إليها في هذه المرحلة لتكون الذراع الحكومي الأساسي في توفير السلع والخدمات بالأسعار المناسبة والمواصفة الجيدة، وبنفس الوقت تكون المنافس الحقيقي للقطاعات الأخرى في ظل تحرير التجارة الخارجية وإلغاء العمولات التي تتقاضاها على مستوردات القطاعين العام والخاص.

من الآخر
تؤكد تجارب الدول الأخرى أن منافسة القطاع الخاص لنظيره العام تؤدي إلى خسارة الأخير لاعتبارات تتعلق بمستوى تدقيق الأول وحرصه على متابعة سيرورة أعماله، ما يحتم على العام بسط سيطرته على قطاعات إستراتيجية خدمية وإنتاجية دون الخاص، وألا يدخل معه بمنافسة في بقية القطاعات، بحيث يكمل بعضهما الآخر في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
فالهاتف والبريد والتدريس والكهرباء وغيرها يجب حصرها بيد القطاع العام ولا يتدخل فيها نهائياً القطاع الخاص، ولعلنا لا نبالغ إن قلنا بأن تجربة منافسة الخاص للعام في مجال التدريس أثبتت فشلها، وأصبحت المنافسة على حساب الارتقاء بمستوى التعليم، وكذلك الأمر في مجال النقل الداخلي حيث استغل المستثمرون حاجة المواطن اليومية لهذا الموضوع الحيوي ولم يبال بتقديم الخدمة المناسبة.