الموظف الحكومي لا يعمل إلا 22 دقيقة في اليوم.. ضعف إنتاجية العامل.. وتحقيق الجدوى الاقتصادية والاجتماعية منه

الموظف الحكومي لا يعمل إلا 22 دقيقة في اليوم.. ضعف إنتاجية العامل.. وتحقيق الجدوى الاقتصادية والاجتماعية منه

الأزمنة

الاثنين، ٢٦ مايو ٢٠١٤

وسيم وليد إبراهيم
أوضح رئيس مجلس الوزراء وائل الحلقي، في تصريح له مؤخراً، أن وسطي ما يقوم به الموظف من عمل خلال دوامه لا يتجاوز 22 دقيقة في اليوم، لافتاً إلى أن نسبة الذين يداومون من العاملين في مؤسسات وشركات القطاع العام لا تتجاوز 25-30%، و"الباقي في بيوتهم ويتقاضون رواتبهم وتعويضاتهم بداية كل شهر".
تصريح ربما يصف الوضع الحالي لبعض موظفي القطاع العام في الشركات والمؤسسات العامة، ويمكن اعتباره مؤشراً على مدى إنتاجية العامل والموظف في القطاع العام، وخاصة أن هذا التصريح جاء من رئيس الحكومة، مما يطرح سؤالاً عن سبب ضعف وتدني إنتاجية العامل في القطاع العام والسبل الكفيلة لرفع الإنتاجية.
بالطبع لابد في البداية من معرفة ماذا تعني الإنتاجية، وخاصة أن هناك العديد من المفاهيم المتعلقة بها، حيث أنها تعبّر عن تحليل المدخلات والمخرجات ومعايير العمل والكفاءة وغيرها من المفاهيم، ولكن يمكن القول بأنها الجمع بين مدخلات الإنتاج من العمالة ورأس المال والأرض والإدارة، أي العناصر اللازمة لإنتاج مخرجات من السلع والخدمات المختلفة، وهذا ما يعبر عنه عادة بنِسبة المدخلات إلى المخرجات.

ضعف إنتاجية العامل العربي مقارنة مع الدول المتقدمة اقتصادياً
وبالنظر إلى العالم العربي فإن العامل العربي يعتبر من أقل العاملين في العالم إنتاجية بحسب تقرير سابق أصدره الاتحاد العربي للتنمية البشرية، إذ يبلغ متوسط ساعات العمل الحقيقية التي يؤديها 18 دقيقة في اليوم، مقارنة بأكثر من 7 ساعات في الدول المتقدمة اقتصادياً، وعلى سبيل المثال لا الحصر أشار الاتحاد إلى أن متوسط إنتاج العامل المصري 30 دقيقة في اليوم، والجزائري 22 دقيقة، والسوداني 20 دقيقة.
 وأشار إلى إنه في المقابل فإن متوسط عدد ساعات العمل الحقيقي للعمال في دول متقدمة مثل اليابان وبريطانيا وفرنسا وألمانيا يزيد على 7 ساعات.
بالطبع هناك تفاوت كبير بين معدل إنتاجية العامل في العالم العربي وبين العامل في الدول المتقدمة، والفرق واضح ما بين 18 دقيقة وبين 7 ساعات في اليوم الواحد.
وكانت المؤسسة العامة للصناعات النسيجية في سورية، أكدت سابقاً على ضعف إنتاجية العامل قياساً لبعض الدول المجاورة والتي تصل كحد وسطي ما بين 12- 14 طناً، بينما في سورية إنتاجية العامل تتراوح ما بين 6-7 أطنان سنوياً، وبالقياس نجد أن إنتاجية كل عامل في بعض الدول المجاورة تعادل إنتاجية 4 عمال سوريين والوسطي العالمي يعادل 2 عامل وهذا يعني أننا نستخدم عمالاً ضعف المعدل الوسطي العالمي، الأمر الذي يشير لوجود عمالة فائضة في قطاع الغزل تزيد على ضعف العدد الموجود حالياً وهذا بدوره يؤدي لزيادة التكاليف والمصاريف وتدني مستويات الجودة في هذه الصناعة.

لماذا إنتاجية العامل ضعيفة؟
لا يخفى على أحد أن انخفاض معدل إنتاجية العامل يعني ضَعفاً في عمليات الإنتاج سواء في الشركات الصناعية أو حتى في المؤسسات الخدمية العامة والخاصة، ويعني ذلك أيضاً إحداث نوع من البطالة المقنعة ضمن المؤسسات والشركات، ورفع تكاليف المنتج النهائي كون العامل يعمل قليلاً ويأخذ أجراً لا يوازي مجهوده الضئيل، مما يعني رفع أسعار المنتجات وضعف المنافسة في الأسواق، وهذا ما نلاحظه في أغلب منتجات شركات القطاع العام خاصة، في شتى مجالاتها سواء الغذائية أو النسيجية، كما نلاحظ ضعف الإجراءات الإدارية في أغلب المؤسسات الحكومية رغم ارتفاع عدد الموظفين في المكتب الواحد، وخاصة الروتين، مما ينعش عمليات الفساد أكثر سواء الفساد الإداري أو المالي في هذه المؤسسات.
ولا شك أن الإدارات تلعب دوراً كبيراً في رفع أو تدني إنتاجية العامل في المؤسسات والشركات العامة، ولا ننسى أيضاً التشريعات والقوانين التي تحكم عمل هذه المؤسسات والإدارات التي من شأنها أن تساهم برفع الإنتاجية أو العكس، فمثلاً الروتين في اتخاذ القرارات وعدم السرعة في التجاوب مع أي ظرف قد يطرأ على العملية الإنتاجية، سواء من حيث توفر المواد الخام، أو من خلال نقل الموظفين أو توفير الخبرات المطلوبة الذي من شأنه أن يعرقل رفع الإنتاجية، بمعنى آخر عدم المرونة الممنوحة لهذه الشركات سواء من حيث المناقصات والمزايدات والإعلانات وغيرها من الأمور.
بالطبع أيضاً لا يخفى على أحد أن القطاع العام يواجه تحدياً في تسرّب الخبرات والكفاءات العلمية التي تستمر بالعمل معه، حيث أن العديد من هذه الخبرات تتسرب إلى القطاع الخاص للأسف وذلك بعد الخبرات التي يكتسبها العامل من القطاع العام، وبعد أن يتم تدريبهم في ورشات ودورات تدريبية سواء داخلية أم خارجية وعلى حساب الحكومة، وبالطبع أثّر ذلك على الإنتاج، وعلى تطويره أيضاً، ويعود ذلك لعدة أسباب منها أن القطاع الخاص يقدم عروضاً أكبر وأفضل من القطاع العام، كما أن القطاع العام لا يعيد استثمار ذوي الخبرة الذين أنهوا خدمتهم وخرجوا إلى التقاعد، على الرغم من كونهم يملكون خبرات واسعة في الكثير من مجالات عملهم، وهذا يستدعي ضرورة تجديد التعاقد معهم لضرورات العمل فقط وللاستفادة من خبراتهم.

التركيز على القطاع الإداري أكثر من القطاع الإنتاجي
كما يمكن القول بأن نسبة كبيرة من العمالة في القطاع العام تركزت في القطاع الإداري أكثر من القطاع الإنتاجي، حتى أننا نجد في كثير من التقارير أن الشركات الصناعية تعاني من نقص العمالة في قطاع الإنتاج كما تعاني من العمالة المسنة، وبالطبع عمليات الإنتاج تحتاج إلى كوادر شابة للإنتاج وإلى كوادر ذات خبرة تقوم على تدريبها، لذا نجد أن أغلب تقارير الشركات الصناعية العامة تتحدث عن خسائر وعن ارتفاع في التكاليف مما يضعف إنتاجها أكثر ويجعله قليل التنافسية، كما أن غياب الخبرات عن القطاع العام وجذبه للخاص أو لخارج سورية جعل من السلع المنتجة في شركات القطاع العام، لا تتمتع كثيراً بقيمة مضافة قادرة على المنافسة في الأسواق الداخلية والخارجية، وفي نظرة إلى الأسواق فإننا ستجد أن معظم السلع والبضائع الموجودة فيه هي مستوردة، في حين أن السلع المنتجة محلياً لا تشكل إلا نسبة قليلة جداً من السوق المحلية كونها مرتفعة الثمن ولا تحوي على قيمة مضافة.

ضرورة مكافحة الترهّل والفساد الإداري واستغلال العمالة الفائضة
في حال نظرنا أيضاً إلى الشركات الصناعية العامة مثلاً فإننا نجد أن عامل الإنتاجية للشركة، يتعلق بالعامل من جهة، ومن جهة أخرى من حيث الحالة الفنية للآلات وقدرتها على الاستمرار في الإنتاج وإخراج منتجات تتناسب وذوق السوق المستهدف محلياً أو خارجياً، فمعظم آلات الشركات الصناعية العامة تعاني من القدم والاهتلاك وصعوبة تأمين القطع التبديلية الخاصة بها، مما يضعف إنتاجية العمل.
وبالطبع النقاط السابقة تجعل من الضروري أن يتم تشخيص واقع العمالة في القطاعات الحكومية، من حيث توزعها وأدائها ومدى قدرتها على تنفيذ المهام المطلوبة منها، فالقطاع الإداري يمثل حملاً ثقيلاً على الحكومة من حيث الرواتب، فهناك فائض كبير بالعمالة في هذا القطاع؛ ورغم هذا الفائض فإن المعاملات لا تسير بالسرعة المطلوبة نتيجة الترهل الإداري والروتين، مما يحتّم ضرورة السعي الحكومي لمكافحة الترهل الإداري والفساد في القطاع الإداري، مع إيجاد آلية لتحقيق أفضل استغلال لعمالة القطاع الإداري بحيث يتم رفع إنتاجية عمال هذا القطاع قدر الإمكان، وتوجيه العمالة الفائضة من هذا القطاع إلى قطاعات أخرى قادرة من خلالها على تحقيق قيمة مضافة للعمل الإداري.

تصويب العمالة.. وتحقيق الجدوى الاقتصادية والاجتماعية
أما بالنسبة للقطاع الإنتاجي فيجب أن يتم دراسة الواقع الفني والإنتاجي لكل شركة من شركات القطاع العام من حيث الصعوبات الفنية والإنتاجية، وبحث واقع العمالة وتحديد الفائض منها وفق أسُس ومعايير موضوعية وشفافة تبنى على الكفاءة والخبرة والقدرة على العمل، وتوجيه هذا الفائض إلى قطاعات أخرى تستطيع من خلالها تحقيق قيمة مضافة في الإنتاج، والاستغناء عن العمالة المسنة التي لا تستطيع الاستمرار في العمل، وجلب عمالة شابة وتدريبها على العمل وإكسابها خبرة من ذوي الخبرات، بمعنى آخر تصويب العمالة، مع أهمية الاعتناء بذوي الخبرة والكفاءات والمحافظة عليهم، ودراسة تكاليف المدخلات الخاصة بالمنتج ونسبة أجور العمالة من تكاليف المنتج النهائي، والتقليل قدر الإمكان من الهدر في الوقت والمال، وبالطبع لابد من تطوير القطاع الصناعي العام من حيث تحديث الشركات والآلات وطرق العمل، وعدم الركون إلى آليات عمل قديمة والبحث عن التجديد والتطوير في المنتجات التي تمسّ حاجة الأسواق، وخلق قيمة مضافة في المنتجات من أجل جعلها قادرة على المنافسة، وقبل ذلك كله لابد من حل التشابكات المالية التي لا تزال عالقة بين معظم الشركات الصناعية والوزارات، ومنح شركات القطاع العام الصناعي مرونة كافية في اتخاذ القرارات بما يتيح لها تلبية احتياجاتها بالسرعة المطلوبة.
كما يجب أن يكون هناك تنسيق بين مختلف الجهات الحكومية التي تتعلق بالمنتجات الصناعية مثل وزارة الاقتصاد ووزارة الصناعة، بحيث لا يتم اتخاذ قرار من قبل وزارة الاقتصاد يضر بالصناعة المحلية، ويُحدث إغراقاً لمنتج معين مستورد في السوق المحلية، ولا يتم وضع عراقيل لاستيراد المواد الأولية الخاصة بالصناعة.
بالطبع تصويب العمالة لا يعني الاستغناء عنها بل وضع الرجل المناسب في المكان المناسب بعيداً عن المحسوبيات وبناءً على أسُس ومعايير علمية ووفقاً للخبرات التي يتمتع بها كل موظف أو عامل في القطاع الحكومي، بحيث يتم تحقيق الجدوى الاقتصادية من هذا العامل أي الجدوى الاقتصادية على الاقتصاد الوطني؛ ومن جهة أخرى الجدوى الاجتماعية على المجتمع أيضاً، وهذه الخطوات لا تقتصر على المجال الصناعي أو الإداري بل يمكن إدراجها أيضاً في كل المجالات سواء الزراعية أم النقل أم غيره،ا فالعمالة المقنّعة من شأنها أن تُضعف الإنتاج وتلتهم الأرباح وتحقق الخسائر، لذا لابد من السعي لرفع مستوى إنتاجية العامل قدر الإمكان والاقتراب من النورم العالمي تدريجياً.