من الرماد إلى المستقبل سنوات الدم والخراب

من الرماد إلى المستقبل سنوات الدم والخراب

الأزمنة

السبت، ١٣ يونيو ٢٠١٥

عنوان الندوة الفكرية الثلاثين (الأزمة السورية من الرماد إلى المستقبل) خمس سنوات بين الدم والخراب نفسياً. اجتماعياً. اقتصادياً. المستمد من علم المستقبليات الذي لم يؤخذ به حتى الآن، ومن مفاهيمه توقع المستقبل، وإيجاد الوسائل اللازمة للوصول إليه وقراءة الواقع، والاستشراق بالقادم، خاصة في الأزمات المعقدة الصعبة كما هو الحال عندنا، ويعتمد النهوض الفوري من وضع الكارثة، والسعي قبل فوات الأوان لإزالة آثارها، ويتطلب تشكيل الفرق وتوزيع العمل حسب اختصاصاتها مهما كانت الظروف والمعوقات والتضحيات والشعوب الحية، المتيقظة لا تستكين لدمارها، بل تحارب من تسبب به وتعمل في نفس الوقت على استرجاع الحياة، والاتجاه صوبها بالإرادة والعزيمة.
جاءت الندوة تفاعلية فقد طلب من الجمهور المكتظ المشاركة بالمقترحات والآراء والتوقعات القادمة، وتحديد محاور لندوات قادمة من خلال حضورهم وهم يملؤون المجتمع المدني، الذي في عمله يستكمل عمل الحكومة وقد يرشدها إلى مواضيع ميدانية قد تكون غائبة عنها، وهو ما جرى فعلاً يومي الندوة  في صالة دار الأسد للثقافة في اللاذقية، وكان من المتوقع حضور الأستاذ عصام خليل وزير الثقافة الذي اعتذر بسبب انشغاله، وألقى الأستاذ مجد صارم مدير الثقافة كلمة الافتتاح التي تضمنت صمود الشعب السوري وآفاق تطلعه للقادم، وخروجه من مصاب الدمار إلى البناء المطلوب، وحيا الشهداء والساحل السوري يودعهم مخلصاً لأرواحهم ودمائهم التي عززت المقاومة وأزهرت الصمود، وهي تجدد العزيمة وعدم الاستسلام والرفض مهما طغى العدوان واستشرس، ولا بد أننا في كل صباح سوف نردد صباح الخير يا سورية، وإن لم نفعل ذلك فهو ما سيجرنا إلى اليأس، مطلب العصابات التي تشن حروبها البربرية الخارجة عن كل المقومات الإنسانية المعروفة بين البشر، نظم الندوة فرع اتحاد الكتاب العرب ومديرية الثقافة ودار السد للثقافة، ولقيت إقبالاً جماهيرياً، ويمكن القول إنها من أهم الندوات التي أقيمت من خلال محاورها ومناقشاتها، وسيصار إلى تشكيل لجنة صياغة للآراء والمقترحات ورفعها إلى الجهات العليا لدراستها والاستفادة منها قدر الإمكان، كما صرحت السيدة الشاعرة مناة الخير رئيس فرع الاتحاد باللاذقية.
•    أحلام الشباب ومستقبلهم
المحور الذي طرح في الندوة وقدمت ورقته السيدة الأديبة رجاء شاهين التي توقفت عند عدة نقاط مهمة جداً ومنها تحديد مفهوم الشباب ومستويات العنف القائم على النوع الاجتماعي، وحالة القلق لدى الشباب التي اعتبرتها ليست وليدة الأزمة فقط، بل هي وليدة واقع ما قبل الأزمة والسبب عندما تناسيت السياسات الحكومية عنصر التنمية للشباب من سن 13 إلى 35 وأهملوه لتوقع المأساة ويعيش الشباب ضياعهم، فتراجع الكثير من قيم العلم لمصلحة قيم أخلاقية ودينية أدت إلى خروقات كبيرة وتقدم دور الدين لترسيخ التفسيرات الماورائية لواقع الشباب المؤسف بعد تراجع القيم العلمية وتفشي الأمية، والواضح أن إرادتنا الحكومية أدارت المشكلات وحققت الإنجازات بعقلية قديمة ظناً منها أن التطور في الاستثمار (عقارات. منشآت. سياحة. خدمات) تصنع الشباب في المؤخرة من دون الانتباه إليهم، وبدأت ظاهرة القلق تزداد بينهم من المستقبل الذي ينتظرهم في وطنهم، وابتدأت الهجرة مترافقة مع فقدان الأمل والخوف من المجهول وانسداد الأفق وفق المعطيات على الساحة السورية.
•    الصدمة عند الأطفال
ألقى ورقته الدكتور المختص عدنان بدور الذي أشار إلى أن ثمة ما نشاهده وما لا نشاهده، فما نراه هي الصور المؤلمة للمصاربين والدمار، وقد يكون الزمن المستقبلي كفيلاً بتجاوزه ونسيانه، أما ما لا نراه ولا يمحوه الزمن فهو الأثر النفسي الذي سيترك بداخل من عاصرها وعايش الرعب والقلق وفقد عزيز وقريب أو منزل يستظل بظله ليجد نفسه في العراء، والسلاح الأشد في مثل هذه الأزمة هو التدمير النفسي الذي يطول التوازن عند الأطفال وهم يحتاجون الرعاية النفسية، والوسائل المطلوبة لاحتواء ردة فعل الصدمات في حين أن أغلب المختصين يؤكدون أن أخطر آثار الحروب هو ما يظهر بشكل ملموس لاحقاً في جيل كامل من الأطفال سيكبر ويعاني المشاكل النفسية، ومن الضروري منذ البداية مساعدة الطفل على تجاوز المشاهد التي مرت به، وتعتبر الصدمات التي يتعرض لها بفعل الإنسان أقسى مما يتعرض له من جراء الكوارث الطبيعية، وأكثر رسوخاً بالذاكرة ويعيق الكشف عنها صعوبة تعبيرهم عن شعورهم وما يمرون به، واستعرض الدكتور أسلوب العلاج وخضوعه للأعمار ودور الأسرة والمجتمع، وعامل الحنان والعطف الذي يخفف عنهم ويعيد إليهم الطمأنينة بشكل تدريجي، وبين أن مراجع ورقته أخذت من أهم الدراسات التي صدرت عن مراكز الدراسات النفسية، شبكة الطب النفسي، الحرب وتأثيراتها، الصدمات النفسية للأطفال في الحروب أثرها وعلاجها، أضرار الحروب على البيئة والصحة، واقترح المبادرة حالاً بالقيام بأعمال التقصي والمعالجة الوطنية، وتقديم ما يمكن لمصلحة المجتمع وأجياله في المستقبل.
•    وفيما يخص الجانب الاقتصادي
فقد قدم ورقة قيمة طرحها السيد عبد الرزاق الدرجي عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري الموحد، والمهتم بالشؤون الاقتصادية، ولعلها الأكثر إلحاحاً في الأزمة واقتصادنا السوري يتداخل ويتحدى، ويمكننا القول يتخبط، بسبب الحصار الذي فرضته الدول المهيمنة صاحبة المصلحة في تغذية الطائفية وإمداد العصابات المسلحة بالقوة والمال لتنفذ مخططها، واستعرض السيد الدرجي ملابسات القضية وأهدافها وأغراضها مع ملاحظة أن الشعب الذي صمد في وجه المؤامرة لا بدّ أنه سوف يستكمل صموده وهو يدرك جيداً أن الحرب تستقصد كل شيء من دون استثناء، ساعية للإبادة بشكل عام.
•    وفي محور آفاق القادم بين الدمار والنهوض
اعتمد الدكتور وائل محرز فلسفة التفاؤل معززاً الأمل مستنداً إلى التاريخ في استشهادات تتوافق إلى حد ما مع الحالة التي تعيشها بلادنا، واعتمد الأسس التي يمكن أن يتحقق النهوض من خلالها، وأهمها المبادرة التي تحقق الخطوات وسد النواقص، فالتراخي لا يمكن أن يدعم الوثبة، والوثب في وضعنا يعتبر الحل الأنجح، وإعادة الإعمار لا يعني البناء فقط بل الجوانب الحياتية بكاملها، نفسياً. اجتماعياً. تربوياً. والتقى مع الدكتور عدنان دواي في أسلوب العلاج وتكاتف الجهود وعدم التقاعس مهما كانت الأسباب المعيقة، وهذا ما يقود إلى محور مهم جداً خص به الدكتور الكاتب عضو اتحاد الكتاب العرب صلاح الدين يونس حول المفاهيم وتحصين القيم الاجتماعية، وقد عرف بداية ماذا تعني المفاهيم وكيف نتوصل إليها، وما دور التاريخ فيها، وكذلك القيم التي وصلتنا نحن ونقلناها على أجيالنا، وماذا عن ممارستها، أسئلة بحاجة لإجابة وهو العمل الذي يتطلب الكثير، فالوصول إلى الحقيقة ينبغي أن يكرس له الوقت الطويل والمراجعات والاستفسار المنطقي الذي يجنبنا الوقوع في المغالطات.
وتناول الدكتور نجيب غزاوي عضو اتحاد الكتاب العرب دور المثقف السوري وطرح إرهاصات الحرب الثقافية مبتدئاً مع (بريجنسكي) مستشار الأمن القومي الأسبق في كتابه (لعبة الشطرنج) الذي يعتبر أن الثقافة الأمريكية أحد ثالوث لون القوة الأمريكية، وهي العسكرية والاقتصادية وتمثلها يزيد من سرعة الانتشار الأمريكي في العالم، ليجري التخلي عن ثقافاته وخصوصياته القومية والوطنية، وجاءت أحداث 11 أيلول الذريعة لفرض هذه الثقافات، وعرف كولن باول عام 2003 أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ آراء بريجنسكي أن الحرب على العراق تؤدي إلى رسم خارطة سياسية جديدة للمنطقة العربية، خارطة إيجابية تتوافق مع مصالح الولايات المتحدة والأدوات المرشحة للاستخدام عسكرية، سياسية, ثقافية، وتلك ستكون أكثر استخداماً، وأشد وطأة، وأكثر خبثاً لأنها بعيدة عن عين المراقب المحلل، هل انتبه المثقفون على خطورة ذلك؟ ومنهم من ابتعد، أو اتخذ موقفاً محايداً، ومنهم من استغل لتحقيق مصالح ذاتية.
الندوة مهمة وحساسة إذا ما أخذ بما ورد فيها من أفكار حول المشكلة وحلولها الممكنة وستقوم لجنة الصياغة بعملها لتخرج بمجموعة مقترحات وآراء وستكون للندوة متابعات أخرى ويؤمل منها أن تكون ذات تفاعل رسمي وجماهيري وثقافي.