" الفدّان" هل سترجع "موضته" من جديد؟!!..بعد ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج الزراعي هل يعود فلاحنا إلى استخدام الوسائل القديمة؟

" الفدّان" هل سترجع "موضته" من جديد؟!!..بعد ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج الزراعي هل يعود فلاحنا إلى استخدام الوسائل القديمة؟

الأزمنة

السبت، ٦ يونيو ٢٠١٥

السويداء- فريال أبو فخر firyaaf14@gmail.com
ألف ليرة سورية أجور الفلاحة لساعة من الزمن، ثلاثة آلاف ليرة سورية سعر المرش الواحد سعة ألف وخمسمئة ليتر لرش الأشجار المثمرة، ألفا ليرة سورية أجرة اليد العاملة يومياً، ثلاثة آلاف وسبعمئة ليرة سورية وصل سعر الليتر الواحد من المبيد الحشري لزوم عمليات الرش، هذه الأمثلة غيض من فيض لارتفاع مستلزمات الإنتاج الزراعي والموسم الذي بدأ منذ فترة، ليفاجأ الفلاح بارتفاعات غير مسبوقة!! فكيف سيصمد المزارع أمام هذه الأسعار المجنونة؟!!.
تحليق غير مسبوق بارتفاع الأسعار..
وعلى ما يبدو- وأمام هذا الواقع المزري- فقد بدأ الفلاح يفكر بشكل جدي بالاستغناء عن العمل في أرضه وإيجاد البديل لتأمين دخل يعيله على مواجهة موجة الأسعار الملتهبة بعد أن أصبح هذا الدخل غير كاف على تغطية تكاليف مستلزمات العمل الزراعي بسبب تحليق أسعارها بدءاً من أجور الفلاحة وارتفاع أسعار كافة أنواع الوقود وانتهاءً بالأدوية والمبيدات الحشرية الزراعية.
وإذا كان هناك من يفكر بالفعل بهجرة أرضه وتركها بوراً في مهب الريح، فإن هناك الكثيرين الذين لا يستطيعون التخلي عن عمل أجدادهم، فالأرض بالنسبة لهم هي العرض التي يجب أن تصان مهما واجهتهم من عقبات وصعوبات، وتقديم مزيد من الجهد بالعمل. أحد الفلاحين ذكر للأزمنة أنه عاد من جديد لاستخدام الوسائل القديمة والتقليدية في حراثة أرضه، وتحدث عن الصعوبات الكثيرة التي واجهته بالبحث عن هذه الوسائل وبهذا أصبح لديه تحدٍّ لمواجهة ارتفاع تكاليف بعض المستلزمات الزراعية. مثال آخر أورده لنا أحد الفلاحين: بحسبة بسيطة حسب تعبيره فإن ساعة عملية التقليم أصبحت تكلف حوالي 500 ليرة سورية وهناك أشجار تحتاج الشجرة الواحدة إلى أكثر من ساعتين، وإذا اعتبرنا أن صاحب الأرض يملك خمسين شجرة على الأقل مع العلم بأن عدد الأشجار في جميع الأراضي تتجاوز هذا العدد بكثير فينتج لدينا أن عملية التقليم وحدها تكلف المزارع حوالي السبعين ألفاً، عدا عملية الرش وأسعار المواد المرتفعة والتي تجاوزت ثلاثة آلاف ليرة، أما بالنسبة لعمليات الرش فإذا اعتبرنا أن أحدهم يملك 20 دونماً على سبيل المثال، ففي هذه الحالة فإن الرشة الواحدة تحتاج إلى أكثر من 70 ألف ليرة، وطبعاً الذي يعمل في هذا المجال يدرك بأن الموسم يحتاج إلى أربع رشات سنوياً.
صندوق الكوارث التعويضي كارثة للفلاحين
وبالإضافة إلى كل تلك العوائق، فإن هناك الكثير من الصعوبات التي تواجه الفلاح بفعل عوامل الطبيعة، لتزداد معاناته وخصوصاً إذا ما علمنا بأن صندوق الكوارث الذي أنشئ ليعوض على المزارعين بدل الضرر ووفق شروط معينة توضع، فإنه لا يقوم بعمله على أكمل وجه وحسب الهدف الذي أسس لأجله، ليقع الفلاح بين سندان الإهمال والتقصير بحقه وحق أرضه وبين عوامل طبيعية تحتاج لجهود فاعلة لمواجهتها للتخفيف من معاناة فلاحينا ومزارعينا، فهناك مناطق تقع تحت عوامل مختلفة من المناخ والتي تحتاج إلى عناية وتوفير مستلزمات زراعية أكثر، وذلك وفقاً للتضاريس والمساحات والحيازات الزراعية، ومنها ما يقع في مهب الريح وخاصة في موسم الإنتاج، إذ يذهب أكثر من 25% من الإنتاج سدى، وهناك مناطق أخرى يكون نسبة الضرر فيها تزيد على 60% لذا لا يستطيع المزارع والفلاح الاستمرار بالعمل في ظل تلك الظروف الصعبة، ليبتكر الفلاحون وكردة فعل على ما يعانونه الكثير من الحلول التي قدموها منها زراعة الأشجار الحراجية الصادة للرياح، وفتح صندوق الكوارث ليعوض على المزارعين وفق شروط معينة توضع للحصول على بدل الضرر، كذلك تكاليف الرش الباهظة، واحتكار التسويق، ولكن كل هذه الحلول لم تقدم لهم إلا مزيداً من الخسارات والمعاناة، والدليل أن الفلاح- وخاصة أثناء الأزمة- وبنهاية كل موسم لا يستطيع سد تكاليف مستلزمات الإنتاج والنتيجة الفلاح هو الخاسر الوحيد، بينما يأتي التاجر الوسيط ليأخذ منه تعبه وجهده، ودون أن يتكلف أي عناء يبيع إنتاجه بأضعاف مضاعفة ليتولد لدى مزارعينا إحساس بالظلم والابتزاز وسرقة الجهد والتعب، فكيف لتاجر لا يعرف طعم الأرض أن يجني منها أموالاً طائلة؟!!.. أحد الفلاحين ذكر للأزمنة: كل هذه الأزمات والمشاكل والتي يعاني منها الفلاح من الصعب أن تعالج من دون تدخل الجهات المعنية لدعم هذا الفلاح والذي كل همه هو المحافظة على أرضه والعمل بها، فهل تقوم الجهات المعنية بدعمه؟ للأسف لا!! فهي دائماً تضع العصي بالعجلات وتكرس مبدأ التعقيدات الإدارية والتي باتت هي الأخرى تمثل عائقاً لتقدم وتنمية القطاع الزراعي.
إحصاءات لتدني نسبة المشتغلين بالقطاع الزراعي..
 وحسب إحصاءات مديرية الإحصاء فإن نسبة المشتغلين بالقطاع الزراعي الخاص قد انخفضت من سنة لأخرى بعد أن كانت هذه النسب في السنوات الماضية أعلى بكثير مما هي عليه الآن، ويعود هذا التراجع إلى عدة أسباب منها عدم التعاطي الجدي لمعالجة هموم ومعاناة الفلاحين، كما أن للجفاف المستمر الذي حل بالمحافظة النصيب الأكبر بمعاناة الفلاحين وبالتالي قلة الرعاية وخاصة بالنسبة للمحاصيل وعدم معالجة الطلبات المقدمة من قبل الفلاح، وتفتت الحيازات الزراعية ما يزيد من نسبة التكاليف، والتي أدت بدورها إلى هجرة الشباب من المحافظة إلى خارج القطر، وتحول قسم من اليد العاملة الزراعية إلى أعمال أخرى، مع ارتفاع تكاليف العمل الزراعي وخاصة بعد ارتفاع أسعار المحروقات ما أدى إلى إهمال بعض العمليات الزراعية واختصارها وهجران الكثيرين لأراضيهم.
وحسب التقرير الذي أُعد حول دراسة الواقع الزراعي لمحافظة السويداء ولمؤشرات الإنتاج الزراعي فقد أشار هذا التقرير إلى تحليل هذه النقاط، بعدم وجود ثقافة تسويقية صحيحة ما يجعل التسويق والتصدير والتوزيع عشوائياً وشخصياً، مع ارتفاع قيمة مستلزمات الإنتاج ما ينعكس على قيمة الوحدة المنتجة، وارتفاع نسبة التحجر في الأراضي وحاجتها إلى الاستصلاح بواسطة آليات ثقيلة ذات استطاعات عالية، بالإضافة إلى ندرة الاستثمار الزراعي وخاصة في مجال التصنيع الآلي وعدم توظيف رؤوس الأموال في النشاطات الزراعية، والأهم هو التصحر وخاصة في المناطق الحدودية نتيجة لقلة الهطل المطري مع الاستمرار بالفلاحات المتكررة ما يؤدي لتعرية التربة من الغطاء النباتي، وقصور الجانب البحثي العلمي الزراعي وعدم الاستفادة من الأبحاث الموجودة عملياً، بالإضافة إلى قصور التشريعات القانونية بما يخص الاستثمار الزراعي من أنظمة وقوانين.. إلخ تعيق عمل الاستثمار، ولكن بالمقابل فقد أشار التقرير وحسب مؤشرات الإنتاج الزراعي إلى تحليل نقاط القوة والتحديات والفرص في القطاع الزراعي بالمحافظة وأهمها: إن المحافظة تتميز بتنوع مناخي وطبوغرافي وحيوي وانعدام التلوث، مع وجود التربة الخصبة ما يساهم بنجاح زراعة أنواع مختلفة من الأشجار المثمرة( تفاح، كرمة) في المناطق الهضابية المرتفعة، ونجاح زراعة المحاصيل الحقلية( قمح، شعير، حمص) في المناطق السهلية، مع وجود مواصفات عالية للمنتجات الزراعية التي تميز المنطقة (تفاح، كرمة، قمح قاسٍ، عدس أحمر، حمص، نباتات طبية وعطرية طبيعية، الأصول البرية لكثير من الأصناف) مع توافر الأيدي العاملة الماهرة والخبرات الفنية الممكن استغلالها في حال تأمين فرص العمل المجزية مالياً، وإمكانية الحصول على منتجات زراعية نظيفة لا كيميائية قابلة للتصنيع، وإمكانية الاستفادة أيضاً من السدود المعدة لمياه الشرب سابقاً ولاسيما أن البنية التحتية موجودة، ووجود مناطق هامشية وبادية صالحة لتربية الأغنام والماعز والإبل في حال استثمارها بالشكل المطلوب مع وضع برامج تنموية بإدارة علمية وعملية، ووجود المحميات الطبيعية مع توافر المياه الجوفية ( لكن بتكاليف تشغيل كبيرة) بالإضافة لغنم العواس الذي يشكل ميزة نسبية قوية في حال تم استغلاله. كما أكد التقرير أن العمل على وجود زراعات بديلة متلائمة مع تغيرات المناخ الحالية ومقاومة للجفاف كاختيار الأصناف الجديدة المحسنة المتلائمة مع الظروف البيئية إحدى أهم الفرص المتاحة لتحسين الواقع الزراعي، والتشجيع على الاستثمار في المناطق الهامشية بإقامة مزارع للإنتاج الحيواني فيها أو تحويلها لبيئة صالحة لتربية الأغنام والماعز/ خاصة غنم العواس/ وتصديره عالمياً، والاستثمار في مجال السياحة البيئية (التوجه نحو المحميات الطبيعية(اللجاة) وفرصة جعل محافظة السويداء ضمن البيئة السياحية داخل سورية، والاستثمار أيضاً في مجال تصنيع المنتجات الزراعية ( حليب، ألبان، أجبان، كونسروة، خل) وإقامة شركات متخصصة بالتسويق الداخلي والخارجي، وإمكانية الوصول للمنتج النظيف، وسهولة إقامة الزراعة العضوية، كما أشارت بيانات إحصائية إلى تقلص مساحات الأراضي الزراعية رغم دخول مساحات جديدة للاستثمار الزراعي، وحسب دليل مخططات تصنيف الأراضي والمحافظة على الأراضي الزراعية من الاستخدامات الخاطئة والعشوائية صدرت كتب وتعاميم ناظمة لحماية الأراضي الزراعية من التوسع العشوائي. أما عن السبب في تقلص هذه المساحات الزراعية فقد أشارت البيانات إلى أنه ونتيجة للتوسع بالمخططات التنظيمية غير المدروسة كبناء الأبنية المخالفة وتوزع المعامل والمصانع بشكل عشوائي في الأرض الزراعية والمشاريع الاستثمارية الفردية والحيوية والسياحية وتوسع وشق وتعبيد طرق جديدة، فهذه العوامل جميعاً ساهمت في تقليص الأراضي الزراعية، ومن هنا طالب الاختصاصيون لكوننا بلداً زراعياً بواجب الحفاظ على هذه الأراضي واستثمارها بالشكل الأسلم عن طريق التوسع الأفقي باستثمار المساحات غير المستثمرة زراعياً، وإدخال مساحات زراعية جديدة للاستثمار الزراعي، والرأسي بزيادة إنتاجية وحدة المساحة عن طريق استخدام التقنيات الزراعية الحديثة، وتحديد بيان المقدرة الإنتاجية لها حسب دليل مخططات تصنيف الأراضي، ومنح الموافقات على بناء منشآت تربية الحيوان وفق كتب وتعاميم وزارة الزراعة النافذة.
عدم توافر مستلزمات الإنتاج بالوجه الأمثل
وفي السياق ذاته صرح رئيس اتحاد الفلاحين بالسويداء خطار عماد بأنه تدخل في تراجع الإنتاج الزراعي مجموعة عوامل، أولها العوامل البيئية والجوية، والثاني عدم توافر مستلزمات الإنتاج بالوجه الأمثل، والثالث ارتفاع أجور اليد العاملة، ولا يمكن البحث في تفاصيل أكثر لأن توافر مادة المحروقات للآليات الزراعية قليل جداً، والعمل على خفض تكاليف الإنتاج بما يجعل الفلاح أكثر أمناً وأماناً، الشيء الآخر هناك بعض الأراضي الزراعية التي لم يستطع الفلاح والمزارع الوصول إليها، لكن فلاحنا الذي بات يدرك حجم المعاناة، عمل على نشر ثقافة جديدة في تحويل الاستهلاك إلى إنتاج من خلال مجموعة من الأعمال التي نشرها أولها استغلال المساحات الزراعية التي زرعها في الحيازات الصغيرة، وخاصة المحاصيل الاستراتيجية، محاولاً تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأعمال الزراعية بالعودة إلى استخدام الآليات القديمة، لقناعته أن العمل له وقت وتجاوز المعاناة لا يكون إلا بالعمل، وهذا ما يتم حالياً.
كلمة أخيرة:
من خلال اللقاءات التي أجريناها مع فلاحينا والتصريحات التي أدلوا بها للأزمنة وجدنا أن كلامهم عن هجرة أرضهم لا يتعدى ردة الفعل على واقع مرير يعيشونه جراء عدم الاستجابة لمطالبهم بتخفيض تكاليف الإنتاج للعمليات الزراعية التي تحتاجها أرضهم.. فهم متمسكون بهذه الأرض بالرغم من كل الصعوبات التي تواجههم، فهل سيجدون الدعم والمعونة من قبل الجهات المعنية بهذا الأمر لتشجيعهم على الاستمرار بالعمل الزراعي وخاصة أن محصول ومواسم الفلاحين مرتبطة بمتطلبات كثيرة لم تعد موجودة الآن على الرغم من ارتفاع الأصوات المطالبة بإيجادها، فهل سنشهد انفراجاً للصعوبات والعوائق والمشاكل والمعاناة التي تواجه فلاحينا ومزارعينا، نأمل ذلك.