2000 ليرة ازداد سعره في أقل من شهرين!..تأرجح سوق الذهب وارتفاعه الكبير.. نوع آخر للحرب على الاقتصاد والنقد الوطني

2000 ليرة ازداد سعره في أقل من شهرين!..تأرجح سوق الذهب وارتفاعه الكبير.. نوع آخر للحرب على الاقتصاد والنقد الوطني

مال واعمال

الاثنين، ٢٩ فبراير ٢٠١٦

يشهد سوق الذهب تخبطاً كبيراً وعدم استقرار واضح وصريح من خلال الارتفاع الجنوني، وغير المسبوق في تاريخه، حيث ارتفع غرام الذهب الواحد من بداية العام وحتى تاريخه أكثر من 2000 ليرة حسبما أكده رئيس الجمعية الحرفية للصاغة، ما انعكس سلباً على مناحي الاقتصاد كلها،

 لكون الذهب يستورد بالعملة الصعبة، وما زاد الطينة بلة ارتفاع قيمة الضريبة المالية للذهب، ليصطدم المواطن بعائق آخر وليدفع تكاليف إضافية لأجرة  الصياغة، الأمر الذي أدى إلى تراجع  حركة البيع والشراء في سوق الذهب بنسبة تزيد على 70%.
في جولة ميدانية لـ «تشرين» على سوق الذهب رصدت  خلالها واقع الحركة هناك واستطلعت آراء الصاغة والمواطنين عن تأرجح الذهب بعد ارتفاعه عالمياً ومحلياً... إضافة إلى ارتفاع قيمة الضريبة وتأثيرها في ورشات الصياغة من جهة والمواطن من جهة أخرى.
لكن في المقلب الآخر يمكن القول إنّ شرائح وفئات المجتمع السوري  تختلف من طبقة لأخرى  فهناك من يدخر بقيمة مئات الآلاف وربما الملايين من الذهب ولا يكترث لارتفاع أسعاره  أو انخفاضه، بينما البعض الآخر لا يعرف من اكتناز الذهب إلا اسمه فقط.
حسب إمكاناته المادية 
/ أم زين / والتي التقيتها مصادفة في أحد محال المجوهرات تقول: إنّ المواطن السوري يتجه نحو الذهب حسب امكاناته المادية، مشيرة إلى أنها اشترت قطعة ذهبية بمبلغ 800 ألف ليرة بعد أن حلّق سعر الذهب، كنوع من الادخار لأنّ ذلك  أفضل من اكتناز أموال نقدية، كما أنها تعمد إلى شراء الذهب سواء ارتفع سعره أم انخفض، مادامت أوضاعها المادية جيدة ولاسيما في عالم الذهب لا يمكن التكهن بأي شيء.  
بينما/ لما/  سارعت  لبيع آخر ما تبقى من مجوهراتها مستغلة غلاء الذهب لعلّ ذلك  يساعدها في تأمين حاجاتها الأساسية لأسرتها، متسائلة كيف لها أن تدخر  مالاً أو ذهباً، وبالكاد تؤمن قوتها اليومي وعائلتها، لافتة إلى ارتفاع أجرة صياغة  قطعتها الذهبية عما كان سابقاً، وأضافت: ألا يكفي ما نعانيه من ضائقة اقتصادية، فهل علينا أن ندفع المزيد حتى في البيع. 
بدوره / نادر/ أشار إلى أنّ آخر زيارة  له لسوق الذهب كانت منذ ثلاث سنوات عندما كان يشتري مهر زوجته، فمن  غير المستغرب أن يرتفع سعر الذهب  كأي سلعة أخرى، فهو إلى مزيد من الارتفاع من دون وجود ضوابط أو إجراءات للحد من ذلك، علماً بأن ارتفاع سعر الذهب انعكس سلباً على ارتفاع أسعار معظم السلع في السوق المحلية  حتى الأساسية منها.
للصاغة وأصحاب الكار رأيهم في التغيرات التي تحدث في عالم الذهب، وتأثير  ذلك في مستوى عملهم وهامش ربحهم.   
إحباط
/الياس أبو يقظان / أمين سر الجمعية الحرفية للصياغة والمجوهرات وصاحب ورشة ومعمل لتصنيع الذهب يقول: جاء ارتفاع  الضريبة بالتزامن مع ارتفاع أسعار الذهب التي أثرت سلباً في المواطن، حيث شكلت في الفترة الأولى حالة إحباط فقد أصبح المواطن يدفع حالياً 150 ليرة أجرة صياغة الغرام من الذهب بعد أن كان يدفع 50 ليرة فقط  سابقاً ،  مؤكداً أنّ ارتفاع الضريبة انعكس على عمل ورشات الصياغة  حيث تراجع  العمل بنسبة 60 - 70%، كذلك ارتفعت تكلفة  صناعة الذهب مع انخفاض  هامش الربح ، رغم ذلك تبقى المسألة الأهم أن 90%  من الذهب السوري خالية من الغش.
بيع قليل 
من جهته الصائغ /حبيب حبيب/ أكدّ أنّ ارتفاع الذهب أدى إلى تراجع حركة السوق ،أحياناً قد لا يدخل زبون واحد على المحال خلال اليوم، فمن النادر أن نبيع قطعة غالية الثمن في هذا الوقت، علماً بأنّ أغلب الناس تتجه حالياً نحو شراء الليرة الذهبية السورية وكذلك  الأونصة لأنها أقل تكلفة بالنسبة لأجرة الصياغة وأيضاً الضريبة  مقارنة مع بقية الأنواع من المجوهرات، أما  أجرة صياغة القطع الفنية مرتفعة أكثر من صياغة القطع العادية، علماً بأنّ تكلفة الصياغة تكون حسب نوع القطعة، فمثلاً تكلفة صياغة  الذهب من عيار 21 أرخص من العيار 18، لكن في المحصلة الخاسر الأكبر المواطن لأنه الوحيد من يتحمل كل تلك الأعباء والتكاليف. 
بدوره الصائغ /يوسف حموي/ أوضح أن الذهب سلعة كمالية، وأنّ حركته  تعتمد على الشخص نفسه، علماً  أن قطاع  الذهب أول ما يتوقف عن العمل عندما تحدث ضائقة اقتصادية، أزمات، حروب، وآخر من يبدأ  بالعمل لأنّ للمواطن أولوياته حيث يستغني عن الذهب بالدرجة الأولى، وبعد أن يشتري كل حاجاته يفكر إن سنحت له ظروفه المعيشية بشرائه.  
أسباب ارتفاعه
غسان جزماتي رئيس الجمعية الحرفية للصاغة  يعزي أسباب ارتفاع الذهب وبشكل أساس إلى ارتفاعه عالمياً، حيث كان سعر الأونصة  بداية العام 1065  دولار، بينما حالياً بلغت  1200 دولار، ما يعني ارتفاع  الكيلو غرام من الذهب 4400 دولار تقريباً، وأن  غرام الذهب  الواحد ارتفع منذ بداية العام الحالي وحتى تاريخه 2000 ليرة ، موضحاً أن ارتفاع الأونصة عالمياً جاء نتيجة ضغط الولايات المتحدة الأمريكية على البنك المركزي الفيدرالي الذي قرر تأجيل رفع  الفائدة في البنوك مدة ستة أشهر أخرى، ما دفع  أكثر المستثمرين للاتجاه  نحو الذهب، الذي حقق مكاسب  كبيرة، إضافة  إلى محاربة الاقتصاد السوري والتلاعب من قبل أعداء سورية والدول الداعمة لها، وخاصة بعد فشلها في تحقيق انتصارات على الأرض. 
/ يسيران طردا /
وبيّن جزماتي أن ارتفاع سعر الذهب ينعكس على كل مناحي الحياة الاقتصادية.. فقد توقف بعض التجار عن الاستيراد بسبب ارتفاع الدولار، مؤكداً  أنّ  الذهب والدولار يسيران  طرداً مع بعضهما، مثلا سعر الكيلو الواحد من الذهب الخام 38500 دولار،  فكلما ازداد  سعر الدولار  يزيد سعر الذهب، علماً بأن أكثر الدول التي نستورد منها الذهب الخام هي الإمارات العربية  – لبنان  مقابل دفع  150 دولاراً رسوماً عند الحدود، حيث تدخل   كميات كبيرة  إلى سورية تصل تقريباً إلى 20 كيلو ذهب يوميا معظمها من بيروت.
ارتفاع الضريبة
أمّا بخصوص  ارتفاع الضريبة  المالية على الذهب أكد جزماتي أن قيمة الضريبة المالية في جمعيات حلب – دمشق – حماة كانت تصل إلى 20 مليون ليرة، بينما حالياً  تمّ الاتفاق  مع  رئيس الحكومة ووزير المالية على أن تسدد تلك الجمعيات في النصف الأول من السنة  40 مليوناً شهرياً، منها  20500 مليون ليرة  تدفعها الجمعية الحرفية في دمشق و16500 مليون ليرة تسددها جمعية حلب، و3 ملايين فقط لجمعية حماة، وذلك  بسبب قلة ورشاتها، في حين ترتفع قيمة  المبلغ في النصف الآخر من السنة لتصبح 50 مليوناً شهرياً، حيث يصبح  540 مليون ليرة مجمل الضرائب من الجمعيات الحرفية الثلاث في نهاية العام، مضيفاً أن المواطن يسعى لشراء الذهب في الوقت الراهن بهدف الادخار لأنه أكثر أماناً  فهو صغير الحجم وغالي الثمن، إضافة إلى وجود حرية للتداول فيه ولاسيما في الخارج، مؤكداً أن تزوير  الذهب المحلي قليل جداً وأنه من الضروري عند شراء الصائغ أي قطعة ذهبية  تسجيل الهوية الشخصية للزبون في دفتر المشتريات الخاص، لمنع التزوير والقضاء على أي تلاعب، موضحاً أن  نسبة التزوير لا تتجاوز الواحد بالألف علماً بأن شراء الصاغة للذهب المزور يتم في المناطق المنعزلة وفي حارات شعبية بعيدة، وأن التزوير يكون بالفاتورة والأختام  التي تتم في الكثير من المطابع، لافتاً إلى أن الجمعية أصدرت قراراً للمطابع تمنع فيه طباعة أي فاتورة  لأي صائغ إلا بعد أن يحصل  على ترخيص من الجمعية، مشيراً إلى  وجود خمس حالات تزوير بالأختام والفواتير حدثت خلال العام الحالي. 
أسوة بالدول الأخرى
وفي سياق آخر أكد رئيس الجمعية الحرفية للصاغة أنه تم تصنيع  الليرة الذهبية السورية والأونصة الذهبية السورية وأيضاً نصف الأونصة  في السوق المحلية أسوة بكل دول  العالم التي لديهاعملة ذهبية خاصة فيها، حيث وضع على الوجه الأول لليرة  معالم الحضارة السورية  أهمها  تمثال زنوبيا، وعلى الوجه الآخر كل من  قلعة دمشق – حلب – سوق الحميدية، عاداً ذلك إنجازاً كبيراً ولا سيما خلال الأزمة، كما تم إلغاء التداول بالأونصة السويسرية نهائياً، وحصر التداول بالأونصة الذهبية السورية فقط، لأنه من غير الممكن أن نروج لأونصات دول معادية لبلدنا.  
تصدير 50 كيلو غراماً شهرياً
ولفت جزماتي إلى أن الذهب السوري مرغوب جداً، حيث يتم تصدير 50 كيلو غراماً ذهباً شهرياً  إلى دول الخليج ولا سيما  دبي حيث ينتقل بعدها  إلى – مصر – إيران –الجزائر، علما بأن الذهب السوري يتميز بأنه متوارث أباً عن جد، إضافة إلى أنه عمل يدوي ليس كدول الخليج أو أوروبا التي تعتمد في تصميم مجوهراتها على الآلات والمكنات وتقنيات الكمبيوتر، مؤكداً خروج  60%  من اليد العاملة الخبيرة في قطاع الذهب، لكن رغم كل الصعوبات والمعوقات التي تعرض له هذا القطاع  فقد عاد  نشاط بعض الحرفيين، وازداد عدد المسددين للاشتراك لجمعية الصاغة  من 300 حرفي في عام 2012 ليبلغ العام الماضي 1100 حرفي، بينما وصل العدد من بداية العام  إلى الآن إلى 750 حرفياً وهذه سابقة من نوعها، وذلك بعد أن وجدوا تسهيلات ومساعدة من قبل الجمعية الحرفية للصاغة.
وختم رئيس الجمعية الحرفية للصاغة بالقول: إن للذهب السوري سمعة جيدة وموثوقية لدى  كل دول العالم ، كذلك يمتاز باللون الأحمر والصياغة  المميزة  ومتانة التصنيع، سابقاً طغى الذهب التركي على السوري فهو يمتاز بأنه خفيف الوزن وجميل المظهر، لكن لم ينجح ولم يلق رواجاً ، ليعود  الذهب السوري  بعد ذلك إلى ألقه من جديد. 
جزء من تحديد القيمة
لذوي الشأن الاقتصادي تحليلاتهم ووجهة نظرهم لما يشهده الذهب من ارتفاعات كبيرة  على المستوى المحلي والعالمي، حيث أكد الدكتور عابد فضلية الباحث والخبير في الشؤون الاقتصادية، أن الطلب على الذهب يشكل جزءاً صغيراً من تحديد  القيمة المالية، فعندما يكون هناك طلب قوي على الذهب يزداد ارتفاعه عالمياً، مبيناً أنه في كثير من الأحيان يبيع التجار الذهب من خلال تكهنات أو توقعات ارتفاع سعر الذهب أو الدولار عالمياً، لذا لا يبيع الصائغ   بالتعرفة المعلنة حينها، فمن الممكن أن يلعب الصاغة دورا لكن ليس بالكبير في  ارتفاع الذهب من خلال تأجيج سعر  الصرف ، فمثلا عندما  يحدد سعر غرام الذهب بـ 14000ليرة، وسعر الدولار ب400 ليرة، فإنهم  يتوقعون بأن الدولار ربما يرتفع  في صباح اليوم الثاني إلى 410 ليرة  مثلا  أو أكثر، لذلك يعمدون  إلى بيع الذهب على أساس  التوقعات الجديدة لأسعار  الصرف وتتم التعرفة الجديدة له وهذا ما أثر سلباً في المواطن.
يؤثر سلباً في الاقتصاد
فضلية أوضح أنه يمكن لارتفاع الذهب أن يؤثر في الاقتصاد المحلي من خلال توظيف أكثر من حاجة ممتلكات العائلة المالية  للذهب، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض شراء حصة الاستهلاك من بقية السلع والاحتياجات الأساسية، مشيراً إلى أن التهافت على شراء الذهب سببه  الارتفاعات المتوالية والكبيرة له من جهة، ولأنّ التعامل  بالدولار ممنوع  من جهة أخرى، لأنه ربما يكون مزوراً يعاقب عليه القانون لذلك يتجه الناس للادخار عن طريق  الذهب، مبيناً أنه لا علاقة لارتفاع الذهب بشكل مباشر بالأسعار إلا إذا كان التسارع على شراء الذهب نتيجة حالة معينة منها  خوف أو توقع أن يرتفع أكثر، لذلك يشتري المواطن  الذهب بغية اكتناز علماً بأنه في حال كثر شراء الذهب فإنه في الوقت ذاته يقل الطلب على شراء السلع العادية، مضيفاً أن الضجيج لشراء الذهب عبارة عن إشاعات، وهو سلوك جماعي أو ما يسمى سلوك القطيع  من شأنها أن تضر بالاقتصاد الوطني ككل، من هنا نقول على المواطن أن يكون  أكثر هدوءاً وحذراً في التعامل مع ظاهرة تأجيج  ارتفاع الدولار، وألا يندمج  أو يتجاوب مع أي نوع من الإشاعات ولاسيما في أوقات الحرب لأن في ذلك استنزافاً للاقتصاد المحلي.   
مرهون بالتطورات
فضلية أضاف أنّ  توقعات سوق الذهب مستقبلاً يتوقف على تطورات الأوضاع وأيضاً الأزمة  نحو الانحسار. 
وختم الباحث الاقتصادي بالقول: إن الإشاعات المتكررة عن ارتفاع الذهب والدولار بشكل كبير  هي نوع من الحرب على الاقتصاد وعلى العملة الوطنية، فالعدو يعلم أنّ العملة خاصرة الاقتصاد وأنها  تتصاعد حيناً وتتراجع حيناً آخر، علماً بأنّ الحرب الاقتصادية ليست أقل شأناً من العسكرية، بل يمكن القول إنها الحرب الأهم والأقل تكلفة بالنسبة لأعداء سورية، لكنها الأكثر تكلفة بالنسبة للمواطن التي بدأت منذ خمس سنوات  نتيجة الحصار الاقتصادي على سورية.