هزّات عنيفة تتوعد الاقتصاد العالمي في حال توسع دائرة الحرب.. و سيناريوهات محليّة تعكس تراجعاً متوقعاً في التنمية الاقتصادية

هزّات عنيفة تتوعد الاقتصاد العالمي في حال توسع دائرة الحرب.. و سيناريوهات محليّة تعكس تراجعاً متوقعاً في التنمية الاقتصادية

مال واعمال

الأحد، ٥ نوفمبر ٢٠٢٣

بارعة جمعة:
يتعارض الاندلاع المُفاجئ للحرب مع احتمالات المُضي في تنفيذ اتفاقيات اقتصادية عدّة ، آخذةً بما تبقى من مُخرجات لاقتصادنا المحلي وآمال بالتعافي السريع ، فيما عكس التشاؤم الذي بات سمة التحليلات الاقتصادية عقب تطور أحداث غزة موجة من الذعر والخوف من تبعاتها على المدى القريب والبعيد على اقتصاديات المنطقة ، وسط حالة من المقارنات للتراجع الحاد في نسب تحسن الاقتصاد بين عامي 2011 و 2020، ضمن فترة زمنية حملت الكثير من التقلبات في واقع العمل وتدني بمستوى الإنتاجية، مترافقاً مع فقدان الكثير من موارد الدخل التي من المُحتمل استثمارها مستقبلاً، فهل ما تحمله حرب غزة سيعصف بما تبقى من آمال بالنجاة لدول المنطقة اقتصادياً؟؟ وما هي نسب التأثر السلبي بها قياساً بالتصعيد الحاصل من الأطراف المعنية بالتنمية الاقتصادية لدول المنطقة!
 
اعترافات دولية تؤكد خطورة الوضع الاقتصادي في
 
حال توسعت حرب غزة والأطراف جميعها ستدفع الثمن
 
قلق دولي
الحرب التي تشنها “إسرائيل” على قطاع غزة من شأنها أن يكون لها تأثير تدميري على النشاط الاقتصادي في المنطقة بشكل عام، لم تُخفِ مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا مخاوفها من استمرار الحرب، مُعربةً عن أسفها إزاء الخسائر في الأرواح، اعتراف دولي بخطورة الوضع الاقتصادي لم يكن وليد اللحظة، بل استمرار لسيناريوهات الحرب الدائرة في المنطقة منذ عام 2011، والتي لم تُبقِ مقومات للنهوض الاقتصادي، حالة من التردد باتت واضحة لدى أطراف اقتصادية عدة كالمستثمرين، ممن عزفوا عن الخوض في تجربة العمل ضمن نطاق دول النزاع.
انخفاض واردات مصر من الغاز 800 مليون قدم مكعب يومياً للصفر، زاد وتيرة انقطاع الكهرباء حسبما ذكر مجلس الوزراء المصري، بالتوازي مع إغلاق شركة شيفرون حقل غاز تمار الإسرائيلي وتعليق الصادرات عبر خط أنابيب غاز شرق المتوسط (إي. إم. جي) تحت سطح البحر الذي يمتد من عسقلان جنوب “إسرائيل” إلى مصر، كل ذلك يُضاف إليه تصريح وزير الاقتصاد الفلسطيني عن خسائره اليومية في الاقتصاد والتي بلغت 25 مليون دولار، متوقعاً تسجيل عجز قدره 3% هذا العام.
 
د. عاصي: التراجع الكبير في كفة الاقتصاد إثر
 
الحروب قد يُنتج آثاراً إيجابية لاقتصاديات الدول العظمى
 
تأثيرات متوقعة
ماتفرزه الحروب من تبعات سلبية بشرية مادية مختلفة هو أمر متوقع وضمن احتمالات حدوثه المؤكدة، الذي يهدد الاستقرار الأمني والسياسي والمالي بالدرجة الأولى وفق رؤية وزيرة الاقتصاد سابقاً الدكتورة لمياء عاصي لتجارب سابقة كانت آخرها الحرب الإرهابية على سورية، وما خلفته من تراجع على المستويين الاقتصادي والمعيشي للمواطن السوري، ومن ارتفاع لمستوى الدين العام الذي بدوره أفرز حالة من التضخم وتدني بقيمة العملة المحلية، مع عجز سعر الفائدة عن معالجة الآثار السلبية التضخم أو ضبط الحركة النقدية.
ما نعانيه اليوم من مصاعب كثيرة إثر زيادة نسبة العجز المالي في الموازنة العامة للدولة إلى الناتج المحلي الاجمالي وارتفاع مستوى العجز التجاري الذي يُحسب بناءً على الفرق بين الصادرات والواردات، جعلنا أمام حالة عجز توءمي يزيد من مصاعب اقتصاديات المنطقة التي لاتزال تواجه الحرب وفق الدكتورة عاصي، يُضاف لذلك تراجع قدرة الحكومات على الإنفاق الداخلي والاستثمار وإعادة بناء البنية التحتية.
 
د. سيروب: الاقتصاد العالمي يواجه اليوم أزمة
 
جيوسياسية وسط واقع اقتصادي عالمي كئيب
 
الحروب بما تمثله من مخاطر على الوضع الاقتصادي لأي بلد، ترفع من كلفة الانتاج وتُعيق عمليات الاستيراد والتصدير أيضاً، كما تتسبب بارتفاع كلف التأمين والنقل على البضائع أو المواد الأولية، الذي بدوره سينعكس سلباً على القدرة على الانتاج والمنافسة، وهو ما حدث فعلاً منذ بدء الحرب عام 2011 برأي الدكتورة عاصي، حيث بلغت نسبة انكماش الناتج المحلي حوالي 50% في السنوات الثلاث الأولى للحرب، وانخفضت الموازنة العامة للدولة من 16 مليار دولار عام 2010 إلى حوالي 3 مليارات دولار بالسعر الرسمي للبنك المركزي.
 
كل ماذكر من تراجع بحالة الاقتصاد قد يُنتح آثاراً إيجابية على اقتصادات بعض الدول أو بعض الشركات برأي وزيرة الاقتصاد سابقاً د. لمياء عاصي، لكنها تبقى محصورة فقط بالدول التي تستفيد من الحروب، سواء عبر بيع الأسلحة أو شراء السلع والمحاصيل بأسعار زهيدة أو تحقيق مكاسب إستراتيجية أخرى، كما لرجال الأعمال والشركات نسبة لا بأس بها من المنفعة من حالة الحرب واقتصادياتها، مقابل ارتفاع حالة البؤس والفقر لدى عموم الناس، وهنا يكمن السؤال: ما هي السيناريوهات المُحتملة لاقتصاد ما بعد حرب غزة؟
 
قراءة مستقبلية
الاقتصاد العالمي الذي يواجه حرباً اقتصادية من نوع آخر وهو التضخم المرتفع، يواجه الآن أزمة جيوسياسية أخرى ، لذا من الصعوبة تحليل الآثار الاقتصادية الناجمة عن الحرب بين “إسرائيل” ومحور المقاومة وفق قراءة عضو الهيئة التدريسية في كلية الاقتصاد جامعة دمشق الدكتورة رشا سيروب لمستقبل الاقتصاد، الذي يعاني واقعاً كئيباً طغى على العالم عموماً والمنطقة على وجه الخصوص، فالحالة ليست مستقلة عن منعكسات الظروف الدولية المختلفة، في عالم يتّسم بحدّة الاستقطاب العالمي برأي الدكتورة سيروب.
لكي تتضح تداعيات هذه الحرب على الاقتصاد العالمي، قد تستغرق بعض الوقت، لكنها تصبح أكثر خطورة في حال امتد الصراع إلى مناطق أخرى برأي سيروب، وهنا لابد أن يرتهن التأثير المُحتمل لهذه الحرب على الاقتصاد بسيناريوهات عدة، فإن بقيت الحرب ضمن الحدود الجغرافية الحالية أي فلسطين، وبين أطراف الصراع المباشرين “إسرائيل” والمقاومة الفلسطينية، من الممكن احتواء الأمور بشكل معقول، فيكون التأثير محدوداً ولن يحدث أي تغيير كبير في معدلات النمو الاقتصادي أو التضخم أو أسعار الطاقة، وهو السيناريو الأقل احتمالاً برأي الدكتورة سيروب.
إن امتدت الحرب إلى مناطق جغرافية مختلفة للتأثير على مُجريات الحرب، وبالتالي احتمال نشوب حرب متعددة الجبهات في مناطق جغرافية مجاورة، وعلى وجه الخصوص جنوب لبنان، (مع سلسلة من الهجمات على يد القوات الأمريكية في العراق وسورية، إضافة لزيادة تبادل إطلاق النار بين المقاومة اللبنانية والقوات الإسرائيلية على الحدود اللبنانية، والتي كانت قد حصلت منذ بدء الصراع في غزة)، وهو السيناريو الأكثر احتمالاً، هنا سيطول التأثير هذه الدول بشكل مباشر سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.
 
د. سيروب: تعد هذه الحرب شكلاً من أشكال
 
الاتجاه المُعاكس وستدمر كل محاولات النمو الاقتصادي
 
الاستقطاب العالمي بين الدول والجهات الفاعلة الإقليمية والدولية، الذي سيحكم مسألة التصعيد في هذه الحرب سيؤدي حتماً إلى زيادة التدخل العسكري العالمي وما سيترتب عليه زعزعة في استقرار المنطقة بالكامل، وهو ما يشكل تهديداً خطيراً على اقتصادات دول العالم أجمع برأي عضو الهيئة التدريسية في كلية الاقتصاد جامعة دمشق الدكتورة رشا سيروب، حيث أن ثلث النفط العالمي من الشرق الأوسط، والأهم من ذلك أن 20% من إجمالي إنتاج النفط الخام يمر عبرها، وهو السيناريو الذي تخشى جميع دول العالم حدوثه، وفي حال تحققه سيشكل اضطراباً كبيراً في الاقتصاد العالمي، وتعطيل لطرق التجارة العالمية وارتفاعاً في أسعار النفط والتضخم.
استمرار الحرب لفترة أطول، يجعل من الاحتمال الأخير الأقرب للوقوع، إلا أن لهذه الحرب تكاليف اقتصادية واجتماعية، وتعد شكلاً من أشكال التنمية في الاتجاه المعاكس وفق رؤية الدكتورة رشا سيروب، كما أنها تدمر الأرواح ورأس المال، كما توجه الموارد النادرة بعيداً عن الاستخدامات الانتاجية في الوقت الذي يعاني فيه العالم من التباطؤ في النمو الاقتصادي.
انحدار مستمر
لا يزال اقتصادنا المحلي ضمن دائرة دفع فواتير حرب عام 2011، التي حملت معها تراجعاً بالمؤشرات الاقتصادية كافة وفق تحليل الخبير الاقتصادي الدكتور حيّان سلمان للواقع الاقتصادي الراهن، بينما كان إنتاجنا من النفط بحدود 385 مليون برميل نفط وصلنا لـ24 ألف برميل وبعض الأحيان 2000 برميل فقط، عدا عن تراجع الاكتفاء الذاتي وتصدير الأدوية بين عامي 2001 و2011 كانت الدراسات مُبشّرة، وبعض الأدبيات الغربية قالت وقتها بأن سورية ستنتقل من اقتصاديات الدول النامية للدول الناشئة، لتأتي الحرب التي أحدثت تراجعاً بهذه الآمال وفق توصيف الدكتور سلمان، ليصبح اقتصادنا اليوم أمام مناجاة الخروج من أزمته ضمن سياسة إدارة النقصان التي انعكست سلباً على المعيشة السورية.
 
د. سلمان: بقاء الحرب ضمن إطارها الضيق سيعكس ارتفاعاً بأسعار النفط
 
والغاز والمواد الأساسية والرئيسية وهي حالة تنطبق على اقتصاد العدو أيضاً
 
بقاء حرب غزة ضمن إطارها المحدود، سيعكس ارتفاعاً بأسعار النفط والغاز والمواد الأساسية والرئيسية، كما أن الحالة نفسها تنطبق على الاقتصاد الإسرائيلي برأي الدكتور والخبير الاقتصادي حيّان سلمان، الذي يعاني من التراجع في الإنسياب وفي قيمة صرف الشيغل الإسرائيلي أيضاً، وقد صرّح وزير المالية الصهيوني سبوترش بأن الحرب تُكلف يومياً حوالي 260 مليار دولار، هذه الخسائر غير قادر على تحملها هو وحلفاؤه بالمنطقة، أما منطقتنا، في حال بقاء الحرب فالتوقعات برأي الدكتور سلمان بأن برميل النفط سيرتفع بمقدار 5 دولارات، وإن توسعت لتشمل لبنان وسورية ودول الطوق سيرتفع لحدود 120 دولاراً، أما في حال مشاركة إيران سيرتفع لحدود 150 دولاراً، وهنا يمكننا القول بأن غزة انتصرت أمام استحضار البوارج إليها من أمريكا وبريطانيا، إضافة لدعم ألمانيا.