«تريند- تريندات» عربية بقرار مجمعي وتتبعها ألفاظ التواصل!

«تريند- تريندات» عربية بقرار مجمعي وتتبعها ألفاظ التواصل!

ثقافة

الخميس، ١٤ سبتمبر ٢٠٢٣

مايا سلامي
أطلق المجمع العلمي العربي بدمشق على يد رئيسه ومؤسسه محمد كرد علي، وغايته اللغة والحفاظ عليها وخدمتها، وتبعته المجامع اللغوية العربية، ومنذ عقود تقف هذه المجامع مرددةً صدى الشارع، تفتقد في كثير من الأحيان تسويغ قراراتها وتعميمها.. وإن كان «المعجم الوسيط» و«المعجم الوجيز» قد حوى كل واحد الألفاظ التي تخضع لمقاييس العربية وليست منها، إلا أن خدمة اللغة لم تأخذ طريقها الحقيقي، ولا أحد يعلم الأسباب التي تجعل هذه المجامع غير فاعلة، ولا تملك صلة بالمجتمع واللغة والناس!
 
مجمع اللغة العربية في القاهرة أثار زوبعة من الانتقادات، حين أجاز في أمر ليس مضطراً له استخدام ألفاظ «ترويقة»، «ترويسة»، «تريند»
 
ماذا ينتظر لغتنا؟ وهل سيستمر القائمون على تهجينها أو إلغائها أو تحويلها إلى مستحاثة في مسيرتهم؟
 
هذا ما ناقشته «الوطن» في حديث خاص مع رئيس مجمع اللغة العربية في دمشق الأستاذ الدكتور محمود السيد:
• ما رأيكم في القرارات الصادرة عن مجمع اللغة العربية في القاهرة بتبني كلمات شائعة وضمها للغة العربية؟
 
إن مجمع اللغة العربية في القاهرة حريص جداً على وضع الكلمات العربية مقابل المصطلحات الأجنبية، ويستأنس عند وضع المصطلحات والكلمات التي يستخدمها الجمهور عندما تكون شائعة، ولكن يعرض ما تضيفه لجنة اللغة العربية على مجلس المجمع، فيناقش المجلس المصطلحات التي وضعتها لجانه، ويعدّل بعضها، ويستبعد بعضها الآخر، ثم تتفق الأغلبية على المصطلح الموضوع، فإذا أقره المؤتمر السنوي للمجمع الذي يعقد بمشاركة من المجامع الأخرى أصبح المصطلح مقبولاً، وتصدر القرارات المجمعية بتعميمه.
 
لا يمكن أخذ ما تنطق به العامة بصورة ارتجالية، وإنما يخضع للدرس والمناقشة والمدارسة في ضوء سمات اللغة العربية واشتقاقاتها وجذورها القديمة، بحيث يسبغ على المصطلح الجديد الصيغة العربية المناسبة والملائمة.
 
المعيار في وضع الكلمات الجديدة هو الاستعمال، فإذا تقبل الجمهور مصطلحاً ما بشرط أن يكون مقبولاً لغوياً ومنسجماً مع قواعد اللغة العربية وصيغها وقوالبها فأهلاً به، وإلا فيستبعد والمؤتمر السنوي هو المعوّل عليه في إقرار المصطلح أو استبعاده.
 
• ما الأسس التي ترونها مناسبة لإدخال بعض المفردات الأجنبية؟
 
وجود مناسبة بين مدلول المصطلح اللغوي ومدلوله الاصطلاحي، تحري لفظ عربي يؤدي معنى اللفظ الأعجمي بطريق الاطلاع على الألفاظ العلمية المبثوثة في المعجمات العربية، وفي مختلف كتب التراث العلمية، ترجمة اللفظ الأعجمي الجديد الذي ليس له مقابل في العربية، أو وضع لفظ عربي مقارب له بطريق الاشتقاق أو المجاز أو النحت، وإذا لم يتيسر ذلك فيعرب.
 
تفضيل اللفظ العربي على اللفظ المعرب إلا إذا اشتُهر المعرب، وتفضيل المصطلحات العربية القديمة على الجديدة إلا إذا شاعت، وتفضيل الكلمة الواحدة على كلمتين أو أكثر، إذا أمكن ذلك والترجمة الحرفية إذا لم توجد كلمة واحدة. بالإضافة إلى الاقتصار على اسم واحد للمعنى العلمي الواحد في المجال الواحد، وتفضيل الكلمة التي تسمح بالاشتقاق على الكلمة التي لا تسمح به، وقبول اللفظ المعرب السائغ.
 
ولغتنا العربية لغة ولّادة وغنية بثروتها اللفظية وبصيغها وقوالبها وتراكيبها وأنماطها اللغوية، فهي مواكبة لروح العصر.
 
• هل من السهل وضع المصطلحات العربية مقابل المصطلحات الأجنبية؟
 
ليس من السهولة بمكان وضع المصطلحات العربية مقابل المصطلحات الأجنبية، وينبغي لنا أن نتخذ من رجالات التعريب الأوائل قدوة لنا في هذا المجال، فقد شمروا عن سواعدهم، وأعملوا فكرهم الوقّاد في ابتكار مصطلحات عربية مقابل الألفاظ التركية التي كانت سائدة في مختلف جوانب الحياة إبان الاحتلال التركي لبلاد الشام، فعرَّبوا الدواوين، وعملوا على سيرورة اللغة العربية في العملية التعليمية مكان اللغة التركية التي كانت تدرس بها مواد المعرفة، حتى إن قواعد اللغة العربية كانت تدرس بالتركية ويا للأسف، وكان رجالات التعريب قد وقفوا أنفسهم لخدمة لغتهم العربية، ورحم اللـه الرئيس الأول لمجمع اللغة العربية الأستاذ محمد كرد علي وفريقه، وكان اسم المجمع الذي أُنشئ آنذاك «المجمع العلمي العربي» وأنشئت الجامعة السورية أيضاً وكان أساتذتها متمسكين بلغتهم الأم العربية الفصيحة وفي عهد الانتداب الفرنسي، الذي حاول إبعاد العربية عن التعليم والتعلم بها، وفرض لغته الفرنسية مكانها ظل أبناء سورية محافظين على عروبتهم الوثقى ورمز كيانهم القومي ولغة قرآنهم الكريم وحاملة تراث أمتهم.
 
رجالات التعريب عملوا بطريق البحث في المعجمات القديمة وكتب التراث، حتى يجدوا الكلمة المناسبة مقابل المصطلح الأجنبي، ولم يرضخوا للسهولة في هذا الوضع، بل ثمة معاناة ومشقة حتى ينفذوا بغيتهم، ولكننا نجد حالياً نفراً من اللغويين وبعضهم من أعضاء مجمع اللغة العربية يعملون على إسباغ الحروف العربية وأصواتها على المصطلحات الأجنبية في منأى عن العناء والبحث في المعاجم القديمة، خلافاً لما كان يقوم به رجالات التعريب الأوائل.
 
ورحم اللـه أحمد فارس الشدياق العالم اللغوي المشهور، الذي عبر عن صعوبة التحديد اللغوي في هذا المجال الرامي إلى وضع المصطلحات العريقة مقابل المصطلحات الأجنبية، عندما قال:
 
ومن فاته التعريب لم يدر ما العنا
ولم يصل نار الحرب إلا المحارب
أرى ألف معنى ما له من مجانس
لدينا، وألفاً ما له ما يناسب
وألفاً من الألفاظ دون مرادف
وفصلاً مكان الوصل والوصل واجب
 
• ما أهم أنشطة المجمع في دمشق حالياً؟
 
في مجمع اللغة العربية بدمشق لجان عدة تعمل على وضع المصطلحات العربية مقابل المصطلحات الأجنبية، ومن هذه اللجان لجنة المعلوماتية، لجنة ألفاظ الحضارة، لجنة مصطلحات الفيزياء، مصطلحات علوم البيئة، مصطلحات المعلوماتية، مصطلحات علوم الأحياء، مصطلحات الزراعة، مصطلحات الميكانيك، مصطلحات الكيمياء الحيوية والوراثة وعلم الأحياء الجزيئي. وثمة لجان أخر تعقد اجتماعاتها أسبوعياً أو أكثر من أسبوع في ضوء الحاجة، ومنها لجنة النشاط الثقافي ولجنة المجلة ولجنة المعاجم ولجنة المخطوطات ولجنة موقع المجمع ولجنة التدقيق اللغوي، وثمة لجنة خاصة بالمعجم التاريخي للغة العربية، وهو المشروع الرائد الذي ينفذه اتحاد المجامع العلمية اللغوية في الوطن العربي، ويقوم مجمع اللغة العربية في الشارقة بالمتابعة والتمويل لإنجاز هذا المشروع بتوجيه من حاكم الشارقة.
 
ويقوم المجمع حالياً بإلقاء المحاضرات الشهرية في المواعيد المحددة لها في الأربعاء الأخير من كل شهر، وثمة شهران لا نلقي فيهما المحاضرات، وهما الشهران السابع والثامن، حيث تجتمع اللجان فقط المكلفة وضع المصطلحات، وتكون في منأى عن إلقاء المحاضرات في هذين الشهرين اللذين يعدان عطلة لأعضاء المجمع في ضوء قانونه.
 
• يلاحظ قلة المطبوعات في المجمع حالياً، هل اعتمدتم النشر الإلكتروني، أم هناك خطة قادمة عندما تتحسن الظروف؟
 
على الرغم من الظروف الصعبة والقاسية التي يمر بها الوطن، فإن المجمع لم ينقطع عن إصدار مجلته التي تضم البحوث والمقالات التي تكتب من بعض أعضاء المجمع العاملين والمراسلين والعلماء الآخرين من خارج أعضائه ومن الدول العربية.
 
ويقوم المجمع في ظل الظروف الحالية بالبحث عن جهات تساعده في طبع ما أنجزه من معاجم، ومن هذه الجهات مركز جمعة الماجد، ومركز تعليم اللغة العربية في أبو ظبي وثمة مذكرات تفاهم مع هذه الجهات بخصوص هذا الموضوع.
 
ومن الكتب المنجزة تحقيق مجلدات من تاريخ دمشق لابن عساكر، ويعمل المجمع حالياً على التفاهم مع جامعة دمشق لطباعتها، وينشر مطبوعاته على موقعه الإلكتروني، فالمجلة تنشر على الموقع، وكذلك معجم الإعلام ومعجم العلوم التربوية والنفسية.
 
ونرجو اللـه أن يستعيد الوطن الحبيب والغالي عافيته، ليتابع المجمع طباعة ما تنجزه لجانه في مختلف ميادين المعرفة، إلى جانب نشره الإلكتروني على موقعه.