الذهان ما بعد الولادة ..هل يفقد المريض كل ملكاته العقلية..؟

الذهان ما بعد الولادة ..هل يفقد المريض كل ملكاته العقلية..؟

الأزمنة

الخميس، ١٣ مايو ٢٠١٠

في أسباب المرض.. تشير الدراسات إلى دور المشاعر وصراع الأم حول خبرات الأمومة.. خاصة إذا كان الزواج تعيساً وغير موفق
للحكومات دور كبير في اتخاذ الإجراءات اللازمة مثل القيام بالدراسات والإحصاءات حول هذه الأمراض واستخلاص النتائج


المرض الذهاني هو اضطراب عقلي، يتدرّج ما بين الخفيف والمتوسط، والشديد والعارض، والمزمن والمتقطع, والمطبق.
الذهان أنواعه كثيرة جداً، منها الذهان ما بعد الولادة، والذي يعدّ من الأمراض العقلية، التي تصاب بها الولادات في كل أنحاء العالم، وبنسب متقاربة، دون النظر إلى العرق أو اللون أو الجنس...
بالرغم من نسبة الإصابة به القليلة، ولكنها خطرة، لأنها أحياناً تودي بحياة المولود أو حياة الأم.
وللمحيط دور كبير في تفهم هذا المرض، وحماية الأسرة من انعكاساته الخطرة على الأسرة والمجتمع بشكل عام..
ومن هنا كان تسليط الضوء على هذا المرض ضرورياً، وكان هذا الحوار مع الدكتور رمضان محفوري الاختصاصي بالأمراض النفسية والعصبية..

* نسمع أحيانا بذهان ما بعد الولادة.. ما هي هذه الحالة المرضية؟
- هي حالة سريرية مرضية تحدث بعد الولادة وتتميز بأوهام واكتئاب مع أفكار لإيذاء الوليد أو النفس وأحياناً تؤدي إلى قتل المولود.
* متى يحدث ذهان ما بعد الولادة؟
- يحدث في الأيام الأولى بعد الولادة وغالباً في اليوم الثالث للولادة.
* والذهان الذي يحدث بعد ثلاثة أشهر من الولادة أو أكثر.. هل يعتبر ذهانَ ما بعد الولادة؟
- إن الذهان الذي يحدث ما بعد الشهر الثالث، من النادر أن يسمى ذهانَ ما بعد الولادة، لأن الدراسات على هذا النوع من الذهان تؤكد بأنه قد يحدث أبكر من ذلك بكثير. والذي يحدث بعد ثلاثة الأشهر، هو ذهان عادي الذي قد يصيب أياً من الجنسين نساءً أو رجالاً. وقد يكون ذهاناً قصير الأجل أو متوسطاً أو حتى ذهان مزمن، أي (الفصام).
* ما هي أعراضه؟
- من أهم أعراض هذا المرض هي أنها تبدأ بالأرق وعدم الاستقرار والشعور بالإجهاد وتقلّب بالوجدان مع نوبات من البكاء. أما الأعراض المتأخرة فتشمل الشك والارتباك وعدم التوازن في التفكير والانشغال بأفكار وسواسية حول صحة الطفل أو عدم الرغبة في العناية به وعدم حبه أو الرغبة في إيذائه والأوهام التي تصيب الأم، وفحوى هذه الوساوس مثل اعتقادها بأن الطفل ميت أو مشوه، أو حتى إنكار أنه وليدها، مع أفكار مسيطرة بأنها لم تتزوج بعد، وأنها ما زالت عذراء، وقد تكون الأفكار أو الأوهام اضطهادية بأن هناك من يؤثر عليها أو أنها تنتمي للجنس الآخر مع الهلاوس التي قد يكون محتواها مماثلاً لمشاعر العداء تجاه وليدها فتأمرها بقتله أو بإيذائه.
* ما دور الأسرة حيال هذه المشاعر؟
- دور الأسرة في هذه الحالة هو الانتباه إلى التغيرات المزاجية والوجدانية الطارئة التي أصيبت بها (الوالدة)، ومن ثم تقديم المساعدة الوجدانية والعلاجية (الطبية) إن لزم الأمر، وبأسرع ما يمكن للحفاظ عليها وعلى المولود. كي لا يصاب أي منهما بأذى أو ضرر.
* وهل نسبة انتشار هذا المرض كبيرة؟
- يحدث ذهان ما بعد الولادة لـ (1-2) في كل ألف من الولادات، ويزداد خطر احتمال هذا الاضطراب إذا تم حدوثه للمريضة في ولادات سابقة أو حدث لأمها، وفي حال وجود تاريخ سابق لاضطراب وجدان، وذهان ما بعد الولادة يحدث أساساً للأمهات؛ ولكن سجلت حالات نادرة للآباء.
- وهل يمكن أن يصاب الآباء بهذا النوع من الذهان؟
- أجل... يمكن أن يصاب الرجال أو الآباء بذهان ما بعد الولادة، وإن كانت بنسب قليلة جداً أو نادرة، والسبب بذلك هو عدم اعتياد أو مفاجأة الوالد بمولود حديث انضم إلى الأسرة دون أن يكون قد اتخذ الإجراءات المسبقة، والتأهيل اللازمين لاستقبال مثل هذا المولود، وغالباً ما تكون الإصابة عند الرجال هي بعد المولود الأول.
* كيف يكون عادة مسار هذا الذهان.. وما هي مضاعفاته؟
- عادة تسبق الأعراض الذهانية المتأججة بعلامات منذرة مثل الأرق وعدم الاستقرار والفوران الداخلي وتقلّب الوجدان وخلل معرفي، وبمجرد اكتمال صورة الذهان قد تصبح المريضة خطرة على نفسها أو على وليدها طبقاً لمحتوى الهلاوس، ودرجة الفوران الداخلي، فلقد سجلت إحدى الدراسات أن (5....,.) خمسة بالمئة ألف قتلن أنفسهن، وأن (4....,.) أربعة بالمئة ألف قتلن وليدهن.
* ما أسبابه؟
- ما زالت الأسباب مجهولة، لكن يعتقد أن أغلب هؤلاء المرضى لديهن مرض عقلي غير ظاهر، ويظهر عندهن بعد ضغط الولادة، وأعتقد أن السبب هرموني، لكنه غير مؤكد، وتشير الدراسات إلى دور المشاعر وصراع الأم حول خبرات الأمومة، خاصة إذا كان الزواج تعيساً وغير موفق. فقد لوحظ أن الشقاق الزوجي يرتبط بزيادة حدوث المرض.
والجدير بالذكر هنا بأن الذهان يختلف من إنسان إلى إنسان، وليس من الضروري أن يفتقد المريض كل ملكاته العقلية.
* ما مصير هذا المرض؟
- إن مآل أو مصير ذهان ما بعد الولادة يعتمد على تماسك الشخصية وتكيّفها قبل المرض، وغياب الفصام واضطراب الوجدان، بالإضافة إلى أن الارتباط الأسري الذي يدعم المريضة يساعد على الوصول إلى مصير حسن لحالة المريضة إلا أن الولادة التالية غالباً ما يصاحبها نوبة أخرى.
* كيف يتم علاج ذهان ما بعد الولادة؟
- يعتبر هذا النوع من الذهان من الحالات التي تحتاج للعلاج الفوري، ومضادات الاكتئاب هو العلاج المفضل للمصابين بالاكتئاب، والحالات التي لديها ميول انتحارية تُنقل إلى غرف المراقبة في قسم الطب النفسي، لمنع محاولات الانتحار. وأما الحالات التي يظهر عليها الهوس فيفضل إعطاء أملاح اللينيوم مع مضادات الذهان في الأسبوع الأول من العلاج. وتعطى الأم فرصة للتواصل مع طفلها إذا رغبت ولكن تحت الملاحظة والمراقبة. والعلاج النفسي مفيد خاصة بعد انتهاء الفترة الحادة من الذهان ويتوجه إلى الصراع النفسي ومساعدة الأم في تقبّل دور الأمومة. مع طلب المساعدة لها من الزوج والمحيطين لتقليل مشاعر الانضغاط لديها.
* هل هناك من سبل للوقاية من هذا المرض؟
- إن الوقاية في مثل هذه الحالات تكون وقاية أولية وثانوية. فالوقاية الأولية إنما تكون من خلال دراسة اجتماعية ونفسية كاملة لكلا الخطيبين في فترة ما قبل الزواج، وحتى لأسرتهما بشكل كامل. فإن ثبت وجود إصابة في إحدى العائلتين، على الطبيب المختص توضيح ذلك، وبشكل مؤكد للعائلتين، بأن مثل هذه الإصابة قد تتكرر، وبأن عليهما اتخاذ إجراءات الحيطة والحذر.
وأما الوقاية الثانوية فتكون بالمراقبة الأكيدة والقريبة لهما بعد كل ولادة، والانتباه إلى الأعراض التي قد تحدث للاثنين، ومعالجتها بأسرع وقت ممكن.
* ما دور الإعلام في التوعية حول هذا المرض؟
- للإعلام دور هام وكبير في توضيح وشرح أعراض مثل هذا المرض في كل وسائله المرئية والمسموعة، والتكرار في نشر المقالات الصحفية الطبية، للفئات المستهدفة بالإصابة، للاهتمام والتوجيه لمراجعة الاختصاصيين، مع ظهور البوادر الأولى للإصابة.
* وما دور الحكومات في الحد من الإصابة؟
- دور الحكومات كبير في اتخاذ الإجراءات اللازمة مثل القيام بالدراسات والإحصاءات حول كل من هذه الأمراض واستخلاص النتائج، وإيجاد مراكز طبية متخصصة في كل محافظة أو في كل مدينة كبيرة فتح عدد من المراكز لتقوم بكافة الإجراءات المتعلقة بهذا المرض من دراسة حالة الخطيبين الصحية ما قبل الزواج، لغاية المعالجة بعد الإصابة.
* وهل يوجد لدينا في سورية مراكز مختصة بهذا الموضوع؟
- للأسف... لا يوجد مراكز تقوم بهذه المهام الطبية..
* هل تواجد مثل هذه المراكز تتطلب تكاليف باهظة؟
- ليست القضية قضية تكاليف، لأن تكاليفها بسيطة، يمكن إنشاء عيادة نفسية في كل مدينة، لأن البلد يحتاج دائماً إلى مواطنين أصحاء..

 وفاء حيدر