حسني الزعيم (تفاصيل – خفايا – آراء)..الإخوة الأعداء: إعدام حسني الزعيم

حسني الزعيم (تفاصيل – خفايا – آراء)..الإخوة الأعداء: إعدام حسني الزعيم

ثقافة

السبت، ١ سبتمبر ٢٠١٢

من المؤسف القول إن هؤلاء الضباط الذين قاموا خلال فترة الأربعينات من القرن الماضي بانقلاباتهم العسكرية، وجعلوا البلاد في صراعات دموية، لم يكونوا سوى ضباط مغامرين طائشين نزقين مدمني السهر والخمر والنساء، فاسدين يركضون وراء الأموال والأهواء، مرتبطين بدول وأحزاب وأحلاف ومؤامرات، وكانوا منذ صغرهم يتمتعون بمثل هذه الأخلاق، وها هو أحدهم يصف نفسه فيقول: (بلغت الصف الثالث الثانوي حسب البرنامج القديم. كنت أشعر بميل شديد إلى خوض المغامرات، ومجابهة الأخطار، دون أي تفكير بالعواقب، فاتسمت أعمالي بالطيش والنزق، ودفعتني حدة الطبع إلى مشاجرات ومعارك خرجت منها وفي نفسي اعتزاز بالنصر.. أشاغب في الصف رغبة مني في تحدي الأساتذة وإشاعة الفوضى.. كنت أشعر بميل شديد إلى خوض المغامرات، ومجابهة الأخطار، دون أي تفكير بالعواقب، فاتسمت أعمالي بالطيش والنزق، كنت أكره المدرسة، وأفضل شؤم البوم على سحنة المعلم)، وحين قرر عدد من الضباط القيام بانقلاب عسكري: (ارتفعت الأيدي تحييني... وشرب الحاضرون نخبي، كؤوسا مترعة من الوسكي). هذا نموذج مما تربى عليه أحد الضباط الذين ساهموا في الانقلابات العسكرية، ولكن هذا لا ينفيه أن بينهم من تربّى على غير هذه الأخلاق ولم يتمتع بالأخلاق السيئة، وهذا لا ينفي أيضاً أن باقي الضباط قد لا يختلفون كثيراً عن هذا الضابط بل قد يفوقونه عنفاً وتعقيداً، والنادي العائلي بالقصاع ونادي الشرق في ساحة النجمة يشهد على سكر وعربدة مثل هؤلاء الضابط.
الإعدام اللغز:
والآن نقول، لعلّ حسني الزعيم الرئيس السوري لمدة 137 يوماً، والذي أُعدم بعدها رمياً بالرصاص مع رئيس وزرائه محسن البرازي بأمر من أعزّ أصدقائه، كان لغزاً وسيبقى لغزاً إلى أن يماط اللثام عمّا خفي من أحداث ووقائع عصفت بسورية آنذاك.. عشرات الرصاصات اخترقت جسده في منطقة المزة ليلة 13 آب عام 1949م، قيل إن من أمر بقتله صديقه اللواء سامي الحناوي، وقيل بل اجتمع المجلس الحربي الأعلى برئاسة الزعيم سامي الحناوي، وأجرى محاكمة سريعة للرئيس الزعيم ولرئيس وزرائه، وأصدر حكمه بإعدام (حسني الزعيم ومحسن البرازي) وبعد لحظات من صدور الحكم نُفذ بهما حكم الإعدام رمياً بالرصاص، وذلك في الصباح الباكر من يوم 14 آب 1949، وقيل غير ذلك.. حتى إعدامه بقي لغزاً، ورويت عدة قصص عن اللحظات الأخيرة من حياة الرئيس السوري الزعيم حسني الزعيم، ويذكِّرنا إعدام حسني الزعيم بأمر (أو بغير أمر) من أعز أصدقائه بمقولة (الإخوة الأعداء)...
رويت عدة قصص عن كيفية اعتقال حسني الزعيم وإعدامه ! قيل إن أمر الإعدام صدر عن صديقه الحميم سامي الحناوي، وقيل أيضاً إن سامي الحناوي آخر من علم بالإعدام ! وإن أمر الإعدام صدر من شخصية سياسية أخرى هي أكرم الحوراني! وقيل الكثير... وتبقى الحقيقة الكاملة في طي الكتمان..
رواية محمد معروف:
محمد معروف هو العقيد السوري السابق في الجيش السوري، عاصر أو شارك في معظم الانقلابات التي عرفتها سوريا حتى الستينيات، سُجن مرات عديدة وحُكم عليه بالإعدام أكثر من مرة، وتَعرَّض لأكثر من محاولة اغتيال ونُفي خارج البلاد أيضاً مرات عديدة، سُرح من الجيش في سن مبكرة قبل أن يصل إلى الثلاثين من عمره، واستقر به الأمر مقيماً في بيروت، ولكن هذا لم يمنعه من محاولة العودة إلى سورية على ظهر انقلاب أو حركة مسلحة أو أحزاب، وبتواطؤ مع العراقيين تارة، وبمساعدة من الأردنيين والسعوديين تارة أخرى. ولد محمد معروف في منطقة جبلة في قرية "متور" سنة 1921. وانتسب إلى الكلية الحربية عام 1939 وأصبح ضابطاً عام 1942، شارك في القتال ضد الانتداب الفرنسي، واشترك في حرب فلسطين عام 1948.
 يذكر العقيد معروف في لقاء صحفي، إنه بعد اعتقال حسني الزعيم، كان المطلوب أن يؤخذ الزعيم إلى مبنى الأركان ولكن عصام مريود بدل أن يأتي بحسني الزعيم إلى الأركان جاء به إلى بيت أكرم الحوراني فقال له الحوراني «روح صرفو» وهذا ما حصل. ويُقال إنه ضربه وركله برجله أيضاً. واقتيد الزعيم إلى مكان اسمه «الشراطيط»، وقال حسني الزعيم للجنود «أنا عملت لأجلكم».. ولما كاد يحصل انقسام بين هؤلاء عاجله أحدهم بمسدسه وقتله ودفنوه في المكان. ويعود ليقول في هذا اللقاء إن الذي قتل حسني الزعيم هو عصام مريود وبعض الضباط القوميين السوريين لأن الزعيم (يقصد حسني الزعيم) سلّم رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي أنطوان سعادة للسلطات اللبنانية التي أعدمته، وينفي العقيد معروف في كتابه (أيام عشتها) أن يكون أمر إعدام الزعيم صدر عن العقيد سامي الحناوي فيقول: (وصلت أخبار إعدام الزعيم وحسني البرازي وكان وقعها سيئاً خاصة إعدام البرازي. وعندما أخبرت الزعيم سامي الحناوي بالإعدام كان تأثره كبيراً وغضب غضباً شديداً، وقال لي: "ألم تكن الأوامر خطية وصريحة بعدم سفك الدماء؟ فكيف أعدموه بدون أمر مني؟) ولكن هذا لم يمنع من أصدر بلاغاً من المجلس الحربي ينص: (حسني الزعيم اتهم بتبديد ثروة البلاد وانتهاك حرمة قوانينها وحرية أبنائها، وأن حكمه تميز بالجمع بين الفوضى والتعسف. وأن المجلس الحربي الأعلى وبعد محاكمة عادلة ثبت له أن الزعيم مجرم، فنفّذ فيه وبرئيس وزرائه حكم الإعدام) والمجلس الحربي شُكل من الضباط الذين قاموا بالانقلاب مؤلف من الزعيم سامي الحناوي رئيساً للأركان وقائداً عاما للجيش والقوات المسلحة، والأعضاء العقيد علم الدين قواص، المقدم أمين أبو عساف، والرؤساء محمد معروف، عصام مريود، خالد جادا، محمود رفاعي، محمد دياب، والملازم حسين الحكيم).
والرواية الأهم والتي تحمل أدق تفاصيل إعدام حسني الزعيم هي تلك التي رواها الضابط فضل الله أبو منصور الذي داهم مقر حسني الزعيم في حي أبي رمانة ليلة 13-14- آب1949 فاستسلم الحرس له بتواطؤ رئيسهم مع أبي منصور، في كتابه (أعاصير دمشق) والتي يجب الوقوف عندها مطولاً وقراءة ما بين سطورها.
يتبع


شمس الدين العجلاني - أثينا 
alajlani.shams@hotmail.com