الإنسان والزمن بقلم الدكتور نبيل طعمة

الإنسان والزمن بقلم الدكتور نبيل طعمة

افتتاحية الأزمنة

الأحد، ٢٢ نوفمبر ٢٠٠٩

 

أزلي، لا مرئي ومرئي في آن، مداميكه تتشكل من نقطة سقطت على الصفر، رافقت أيضاً ظهور النقطة الإنسانية؛ القادمة من العقل إلى الصفر المنشأ في الهيولى، وبإرادة منه ظهر الواحد العمودي المستند إليه، يمتلك زاوية قائمة، أبعاده أفقية كي نسير عليها، وعمودية نتطاول إليها، لا متناهية في الطول والعرض، ثابت لا مادي، يتابعنا لا كالظل، إنما حقيقة تسجيلية بصرية صوتية وتدوينية، وفي ذات الوقت اختص بالمسيرة الإنسانية، رافقها لحظة نشوء الإنسان. ما معنى هذا المدخل حول الزمن، وهل حقيقة هو جدار نستند إليه لحظة ولوجنا إلى الحياة من مركز التقاء العمودي بالأفقي، وتشكل الزاوية القائمة، وبدء عمل المقياس ذي المؤشرات التي تقيس النمو وحركة المسير، تؤثر فيه وتنحت الإنجاز بقوة الفعل؟ .

الثابت هو الزمن، الإنسان سريع المرور منه، بالرغم من اعتقاد الجميع أنه متحرك بأقسامه وجزئياته، أي: ثوانيه، ودقائقه، وساعاته، وأيامه، وأسابيعه، وشهوره، وسنيِّه، وعقوده، وقرونه. لنناقش هذا العنوان: المتحول هو الإنسان، متعلق بالموجودات الحية، الحيوان والنبات أي: الطبيعة بما تحتويه من مكونات، بكونه أداة معرفتها وتعريفها، والعاقل الوحيد المسؤول أولاً وأخيراً عن شكمها، وتشذيبها، وتهذيبها، و بدونه لا زمن ولا معرفة ولا تعريف. إذاً، الزمن والإنسان نقطتان زُرعتا في الصفر ( وأعني بالصفر المساحة الخالية )، نبتا معاً وسارا خطوة بخطوة، إلا أن الفرق بينهما: أن الزمن - وكما ذكرت- لا يتلف ولا يفنى ولا ينتهي وغير محدد بنهاية، بينما الإنسان يحدد بدايته الزمن، وينتهي بعمر زمني تسجل فيه التقسيمات الزمنية التي ذكرناها، ولا يتجاوز العقود .

يبقى الزمن بأبعاده، ويختفي الإنسان المتجدد، الزمن لا يتجدَّد ولا يتوالد، ولا يكبر أو يصغر، الإنسان هو الذي يمضي به، يسير بجانبه ظاهراً أو متخفياً، فاعلاً ومنفعلاً، بانياً وهادماً، يحزن على انقضائه؛ دون أن يدري أنه أي: الإنسان هو الذي ينقضي بانقضاء النهار والليل. والساعة التي نحملها باليد أو نتابعها على جداره- حيث نطلق على هذه الظاهرة ( الزوال والبقاء )- حينما ننظر إليها نجد أن الزمن يمضي سريعاً، معتقدين أننا حوامله وجدرانه، وفي حقيقة الأمر أنه يراقبنا، وينظر إلينا، مستغرباً كيف أننا نقضي فيه زمننا زمنه ؟.

لنتفكر متأملين فيما نحن عليه، هي جدلية أدعو لدراستها بدقة الباحث المتبصِّر لا الناظر والباصر، ففهم الزمن وجداره ومداميكه المتشكل منها؛ يعني فهماً لطبيعة الأشياء، وأسباب وجودها، ووجودنا فيها، وفيه. ميناء الساعة على سطحه أربعٌ وعشرون ساعة، وثلاثة عقارب، حتى الرقمية منها: ثوان، ودقائق، وساعات، يضمها اليوم المقسوم إلى ليل ونهار، لنراقب انقضاء هذا اليوم، هل انقضى من الزمن، أم نحن انقضينا منه؟ في اليوم التالي التقسيمات ثابتة نحن من نتغير، حيث نقول: مضى يوم من عمرنا الزمني، ونعدُّ الأسابيع ونكبر، والشهور والسنين وننتهي. تنتقل الساعة من يد إلى يد، أي: من حامل إلى آخر، تبقى التقسيمات، نتطلع عليها، نراقبها من ملايين السنين وحتى اللحظة التي أكتب فيها الكلمات عن الزمن نجده لم يتغير، ولم يتبدل، ولم يتعطل، ولم يفنَ، نحن الإنسان نختفي ونظهر، كيف يحدث هذا، ومن المسؤول عن هذا التداخل بيننا وبينه، هو أم نحن؟ .

سؤال: ما هو الفرق بين العمر والزمن؟ العمر يفنى، الزمن لا يفنى، ما معنى هذه الجدلية؟ على الرغم من أننا نقيس ونتابع خطواتنا وأعمالنا زمنياً، كيف يذهب العمر ضمن الزمن، وحينما ندقق يحضرنا السؤال الكبير: هل نلج الحياة بأعمار كبيرة ونحن أجنة أطفال، حيث نبدأ رحلة التناقص، رغم أننا نتطاول على جدار الزمن، نسجِّل عليه أعمارنا المتناقصة منذ اللحظة الأولى، أي بدقة أكبر: ما معنى أن نمتلك عمر مئة عام، وكل يوم ينقص من العمر الزمني يوم، وأسبوع، وأشهر، وسنون، هل يعني أننا نسير في الحقيقة رحلة التناقص، كم خسرتَ حتى اللحظة من عمرك؟، تعالوا نجرِ العمليات الحسابية على جدار الزمن، كم تربح من المادة، وكم تبني، وكم تخالف، وكم تصيب، وكم تخطئ، كم تنسى أمام كل هذا الربح أنك تخسر يوماً من عمرك المراقب من الزمن، فماذا سجَّلت على جداره، ونحتَّ فيه؟ كي لا يذهب عمرك وعملك أدراج الرياح .

د.نبيل طعمة