سعيد عقل.. وحكايته مع الشام..بقلم أحمد بوبس

سعيد عقل.. وحكايته مع الشام..بقلم أحمد بوبس

تحليل وآراء

الجمعة، ١٣ يوليو ٢٠١٢

من منّا لم يهتزّ نشوة وطرباً، وهو يستمعُ إلى قصائدِ الشاعرِ الكبير سعيد عقل عن الشام بصوتِ المطربة فيروز. لغةٌ ساحرة، وصورٌ بديعة فيها الكثير من ملامحِ دمشق بعراقتها وجمالِ حاراتها وغوطتها، ونهرِها بردى الذي يحملُ إليها الحياة. إنهُ الشهدُ المصفّى الذي يقطرُ عذوبةً من عبقرية سعيد عقل وشاعريته.

(سائليني يا شآم)،(أحب دمشق)،(يا شام عاد الصيف)،(شام يا ذا الصيف)،(حملت بيروت)،(نسمت من صوب سورية الجنوب)،(قرأت مجدك)،(خذني بعينيك)،(مرّ بي يا واعداً وعدا) و(بالغار كُللت)...عشرُ قصائدَ أبدعها سعيد عقل عن الشام ولحنَها – ماعدا واحدة - الرحبانيان عاصي ومنصور، وشدتْ بها فيروز. عبّر فيها سعيد عقل عن حبهِ الكبير لدمشق الحضارة والتاريخ والجمال.
وكما أحبَّ سعيد عقل دمشق أحبّتهُ، ففتحتْ له قلبَها، وأولته اهتمامها. فقد استفاضتْ الصحفُ السوريةُ في الكتابةِ عن إبداعاتهِ الشعرية، واستضافتهُ إذاعةُ دمشق أكثرَ من مرة، وكان أول تلك الاستضافات في آب 1953، ونشرتْ مقتطفات من اللقاء مجلة الإذاعة السورية في عددِها الأول الصادر في أيلول من نفس العام. وأولُ لقاءٍ تلفزيوني لسعيد عقل كانَ للتلفزيون العربي السوري، أجراهُ المذيع الكبير مروان شاهين عام 1961 في بيروت.
وأولُ قصيدةٍ أبدعها سعيد عقل لدمشق كانت (سائليني ياشآم) عام 1953، ونشرتْها مجلة الإذاعة السورية في عددها الخامس الصادر في تشرين الأول من نفس العام. وبلغ عددُ أبياتها سبعين بيتاً، اختار منها الرحابنة أربعةَ عشرَ بيتاً، فلحنوها وشدتْ بها فيروز في صيف عام 1961على مسرح معرض دمشق الدولي.
بعد (سائليني يا شآم) توالتْ قصائدُ سعيد عقل التي شدتْ بها فيروز عن الشام. ففي عام 1962 ولدتْ قصيدةُ (قرأت مجدك) التي قدمتها فيروز عندَ افتتاح عروضِ مسرحية (جسر القمر). وفي القصيدة إشارةٌ إلى نضال سورية ضد الاستعمار الفرنسي:
ذكّرتكِ الخمسَ والعشـرينَ ثورتها
ذاكَ النفيرُ إلى الدّنيا أنِ اضْطَـرِبي
 في عام 1963 قدمت فيروز ثالثَ قصائدِ سعيد عن الشام وعنوانها (شام يا ذا السيف) وسبقتْ الأغنية عروضَ مسرحيةِ (الليل والقنديل). وجمعتْ كلمات القصيدة بين العمقِ الحضاري لدمشق وجمالِ طبيعتها. وفي عام 1964 كانتْ قصيدةُ (نسمت من صوب سورية الجنوب) التي قدمتْها فيروز قبيلَ عروضِ مسرحية (بياع الخواتم). والقصيدةُ بكاملها تتحدث عن جمال الطبيعة في سورية، ولاسيما في غوطتها الغناء. وتتجلى فيها عبقرية سعيد عقل حين يصور عاشقين يناجيان بعضهما في بساتين غوطة دمشق وعلى ضفاف برداها، لكنهما في الحقيقة يناجيان جمال الطبيعة الأخاذة، سابغاً هذا الجمال على الحبيبين:
وبه من بردى تدفاقه.. ومن الحرمون إشراق وطيب
ويصل سعيد عقل إلى قمة التصوير لجمال الطبيعة في غوطة دمشق. فهي تسكر من يشاهد هذه المناظر بزقزقة عصافيرها وخرير برداها:
من بلاد سكرة قال لها
تربة ناي ونهر عندليب
 في عام 1965 لم يأت الرحابنة وفيروز إلى دمشق للمشاركة في مهرجان المعرض، وغاب معهم شعر سعيد عقل عن الشام الذي أصبح تقليداً سنوياً. لكنهم عادوا في عام 1966، لتشدو فيروز بقصيدة ِسعيد عقل (خذني بعينيك)، وقدمتها في بدايةِ حفلٍ فنيٍ منوع، إذ لم تقدمْ في ذلك العام مسرحية. وفي هذه القصيدة إشارتان من سعيد عقل. الإشارة الأولى إلى الموعد الدائم لفيروز والرحابنة مع دمشق ومعرضها أواخر كل صيف:
شآم أهلوك أحبابي وموعدنا
أواخر الصيف آن الكرم يعتصر
نعتق النغمات البيض نرشفها
يوم الأماسي لا خمر ولا سهر
 والإشارة الثانية كانت على شكل اعتذار من الدمشقيين عن غيابه وغياب الرحابنة وفيروز في العام الفائت:
قد غبت عنكم ومالي في الغياب يد
أنا الجناح الذي يلهو به السفر
وفي عام 1967 جاءتْ فيروز إلى دمشق برائعةِ سعيد عقل (مر بي يا واعداً وعدا). وهذه القصيدةُ الشآمية الوحيدة التي لم يلحنها الرحابنة، بل لحنها الموسيقار محمد عبد الوهاب، وقدمتها فيروز على مسرحِ المعرضِ قبيلَ عروضِ مسرحية (هالة والملك). وعبارات سعيد عقل الرقيقة الحالمة في هذه القصيدة تكاد تذيبنا – نحن الدمشقيين- عشقاً له، وبشكل خاص حين يقول:
الهوى لحظ شآمية
رق حتى قلته نفذا 
في عام 1973 كان جمهورُ دمشقَ على موعدٍ مع قصيدةِ (أحب دمشق) التي افتتحتْ فيها فيروز عروضَ مسرحيةِ (المحطة). والقصيدةُ تتغنى بدمشقَ وغوطتها الغناء.
ومن قصائدِ سعيد عقل عن الشآم كانت (بالغار كللت) التي تتحدث عن بطولاتِ المقاتلين في حرب تشرين عام 1973. وفي عام 1976 قدمتْ فيروز آخر قصائد سعيد عقل عن الشام، وعنوانها (يا شام عاد الصيف). ليختتم العقد الشعري الغنائي الرائع لسعيد عقل والرحابنة وفيروز، وليغيبوا مكرهين عن دمشق ومعرضها بسبب نشوب الحرب الأهلية في لبنان. وفي القصيدة إشارة إلى بدايات تلك الحرب:
فأنا هنا جرح الهوى
وهناك في وطني جراح.