توقعات متشائمة بشأن السودان..بقلم: عماد الدين حسين

توقعات متشائمة بشأن السودان..بقلم: عماد الدين حسين

تحليل وآراء

الجمعة، ٩ يونيو ٢٠٢٣

بعد أكثر من ستة أسابيع على اندلاع الصراع المسلح بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني، وبين «قوات الدعم السريع» بقيادة محمد حمدان دقلو «حميدتي»، فإن كثيرين يسألون عن السيناريوهات المتوقعة لهذا الصراع الدموي الذي يراه كثيرون عبثياً. السؤال عن السيناريوهات مطروح منذ اليوم الأول لتفجر القتال، ولم تتم الإجابة عنه بوضوح.
لكن نحن تجاوزنا الأسبوع الثامن والحال على ما كان عليه في اليوم الأول، فكل طرف ينتشر ويسيطر على المناطق التي كان مسيطراً عليها قبيل اندلاع القتال مباشرة في التاسعة من صباح السبت 15 أبريل الماضي. وهو اليوم الذي كان يفترض أن يجتمع فيه البرهان وحميدتي لحل إشكالية المدى الزمني الذي يفترض أن تندمج فيه قوات الدعم السريع في الجيش الموحد، وهل تصبح عامين كما رغب البرهان، أم تطول إلى عشر سنوات كما فضل حميدتي، إضافة لنقطة وهي من الذي يتولى قيادة الجيش في الفترة الانتقالية طبقاً للاتفاق الإطاري الموقع في الخامس من ديسمبر الماضي.مرة أخرى، السؤال عن سيناريوهات الصراع مثار منذ اللحظة الأولى لتفجر القتال، وكل شخص أو متابع أو مهتم انشغل في الإجابة عنه طبقاً لزاوية رؤيته أو موقفه، أو المعلومات التي يمتلكها سواء كانت معلومات صحيحة، أو خاطئة أو مشوهة، وما أكثر الأخيرة في هذا الصراع.
اليوم سوف أعرض وأناقش توقعات مختلفة طرحها الخبير الدولي في الشؤون السودانية أليكس دي وال، وهو المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس في الولايات المتحدة.
في تقدير دي وال فإن ترتيبات وقف إطلاق النار هي مجرد خطوة طارئة قصيرة الأجل، لكن مسار صنع السلام في السودان سوف يتحدد بناء على شكل ومضمون جدول أعمال المحادثات الطارئة التي عقدت في جدة بالسعودية، أو يمكن أن تعقد في أي مكان آخر. والمعلوم أن القوات المسلحة السودانية أعلنت الخميس، الأول من يونيو، انسحابها من محادثات جدة واتهمت قوات الدعم السريع بعدم إخلاء المساكن والمستشفيات.
الطرفان لا يريدان فتح أي محادثات تقود للتوصل إلى حل سياسي، لكنهما يركزان على وقف لإطلاق النار لأسباب إنسانية وإيجاد آلية لمراقبة وممرات المساعدات.
البرهان سيصر على أنه الممثل الوحيد للشرعية وبعودة الجيش للسيطرة على المواقع التي كانت تحت سيطرته قبل اندلاع القتال، أما حميدتي فسوف يطالبه بوضع متكافئ للطرفين، والاحتفاظ بمنصبه نائباً للرئيس وأن تستمر سيطرة قواته على مناطق واسعة في الخرطوم.
في تقدير دي وال فإن التوصل لحل وسط سوف يتطلب مساومة صعبة مع الجنرالين، وأن يتأكدا أنهما لن يتعرضا لأي خطر في حال قدما تنازلات، لكن المؤكد أن الطرفين سيطالبان باستمرار الدور المهيمن في المحادثات السياسية وأجندة تناسب مصالحهما، والشيء الوحيد الذي قد يتفق عليه الطرفان هو عدم وجود حكومة ديمقراطية. وإذا صح كلام وال فإن الخاسر الفعلي من هذه المعارك ليس فقط الشعب السوداني، ولكن القوى المدنية التي قادت الثورة لإسقاط عمر البشير وناضلت طويلاً مع البرهان وحميدتي من أجل العودة للمسار الديمقراطي وتسليم الحكم للمدنيين بعد فترة انتقالية.
توقعات دي وال تقول إنه إذا لم يتوقف القتال بسرعة فإن المعارك سوف تشتد، وسيحاول كل طرف جلب تعزيزات لمسرح القتال، وسيسعى كل طرف لكسب تأييد الجماعات المسلحة المحلية، إضافة إلى طلب الدعم من الخارج، ويعتقد دي وال أن هذه هي المرحلة التي يعيشها الصراع حالياً.
من أهم توقعات دي وال أن الأطراف المتصارعة لا تستطيع الحفاظ على تماسكها وقوتها لفترة طويلة، خصوصاً حينما يتراجع مخزون الأسلحة ويقل الدعم المالي واللوجستي، وبالتالي ستسعى لعقد المزيد من الصفقات للحصول على الدعم والإمدادات.
بعدها - والتقديرات لدى وال - سوف تبدأ الانقسامات في الظهور في صفوف كل طرف، وستنضم المزيد من الجماعات المسلحة للمعارك، كما ستلجأ الجماعات المحلية لتسليح نفسها، وقد ينخرط بعضها بجانب أي طرف في القتال، والملحوظة المهمة أن هذا السيناريو يتحقق على أرض الواقع الآن في دارفور.
وفي اللحظة التي سيرتكب فيها أحد الأطراف فظائع جماعية سوف تتفاقم الصراعات القبلية، وستكون المرحلة التالية هي انتشار الصراع في جميع أنحاء البلاد إضافة إلى اندلاع النزاعات المحلية.
وقد تتفكك الجماعات المسلحة، وتظهر اصطفافات جديدة، وبالتالي سوف نشهد قتالاً من أجل السيطرة على المواقع المجزية مالياً مثل الطرق والمطارات ومناجم الذهب ومراكز توزيع المساعدات، وإذا حدث ذلك فإن السودان سيكون مقبلاً على الحالة نفسها التي عاشتها دارفور في القتال الدموي والمذابح التي اندلعت عامي 2003 و2004 ووصفها كثيرون بأنها «حرب الكل ضد الكل». وإذا لم تنجح الجهود الأفريقية والدولية في إسكات البنادق بسرعة، فإن المهمة ستكون مستحيلة، خصوصاً إذا كانت هناك عشرات الجماعات المسلحة المتنافسة وكل واحدة منها تطالب بمقعد على الطاولة. ومع الأزمة الإنسانية المتفاقمة فهناك خطر أن يتحول الجوع إلى سلاح وأن تصبح المساعدات الإنسانية مورداً يتلاعب به أمراء الحرب ووقتها ستحتاج وكالات الإغاثة إلى إيجاد طرق لتجاوز أمراء الحرب ومساعدة المدنيين بشكل مباشر.
هذه هي التوقعات الأساسية للخبير الدولي أليكس دي وال، ومن الواضح أنها شديدة التشاؤم، لأنها لا تشير مطلقاً إلى أي نافذة أمل تجعل من وقف القتال وبدء التفاوض أمراً واقعاً. نسأل الله أن يلهم الجميع في السودان الحكمة والبصيرة حتى يتوقف هذا القتال العبثي الذي يدفع ثمنه في الأساس الشعب السوداني ومستقبل هذا البلد العربي الكبير.