العلاقات الدولية في مفترق الطرق.. بقلم: الهاشمي نويرة

العلاقات الدولية في مفترق الطرق.. بقلم: الهاشمي نويرة

تحليل وآراء

الأربعاء، ٣ مايو ٢٠٢٣

لوحظ في الأسابيع والأشهر الماضية الغياب شبه التامّ للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، وباستثناء بعض التحرّكات ذات الطابع الإنساني وأحياناً التنموي، لا نكاد نعاين تحرّكات استباقية للأمين العام لنزع فتيل النزاعات المسلحة التي تفتك بمناطق عدّة في العالم.
 
ومنذ كلمته بمناسبة العام الجديد، بدا أنّ الأمين العام للأمم المتحدة، الذي يجسّد النظام العالمي الذي فرضه المنتصرون في الحرب الكونية الثانية، على وعي تامّ بأنّ العالم تغيّر وهو بصدد إعادة التشكّل.
 
بدا كذلك أنّ دور الأمم المتحدة، الذي كان محورياً في نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، قد تراجع بقوّة ولم يعد الإطار القادر على حسم النزاعات ومنع نشوبها مثلما ينصّ على ذلك ميثاق الأمم المتحدة.
 
ورغم أنّ نجاحات المنظمة الأممية كانت نسبية جدّاً في بعض هذه النزعات، إلّا أنّها حافظت رغم ذلك على بعض السّطوة الأخلاقية والقانونية، وهو ما مكّنها من لعب بعض الأدوار في بعض النزاعات الإقليمية والدولية وفي قضايا التنمية والبيئة.
 
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بدا أيضاً أنّه مدرك تماماً لانحسار دور المنظمة الدولية التي يشرف عليها، واكتفى لذلك بإبداء النصيحة فقط لا غير: «لقد تغلبت الأمم المتحدة طوال تاريخها على نزاعات بدت مستعصية على الحل، وعلى انقسامات عميقة. ومن واجبنا إيجاد السبيل للمضي قدماً وللعمل الآن، كما فعلنا من قبل، لوقف الانزلاق نحو الفوضى والنزاع. فهذا وقتٌ يلزم فيه تعميق التعاون وتعزيز المؤسسات المتعددة الأطراف، بهدف إيجاد حلول مشتركة للتحديات المشتركة».
 
هو خطاب كما هو بيّنٌ يحلّق في عالم المُثُلِ ولا يرتكز على الواقع.
 
ويبدو أنّه من المشروع طرح تساؤلات حول جدّية الحديث عن وجود حقيقي للنظام الدولي الذي قام عقب الحرب الثانية، خصوصاً وأنّ عديد الأطراف مقتنعة بأنّ هذا النظام العالمي هو في عداد الموتى وفي أحسن الحالات، هو في أزمة عميقة وحادّة مثلما أعلن ذلك مؤخّراً وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
 
إنّ هذا التشكيك في جدوى ووجود نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية يجد أساسه في أسباب ثلاثة، أولها أنّ هذا النظام منذ بداياته كان أداة طيّعة في أيدي الكبار ويعتمد في تعامله مع القضايا الإقليمية والدولية المطروحة بسياسة المكيالين، وثاني هذه الأسباب هو أنّ هذا النظام لم يتمكّن مطلقاً من إكمال تركيز هياكله الأساسية ومن ذلك محكمة العدل الدولية التي أعاق عملها رفض بعض الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية الانضمام إليها، وذلك مخافة خضوع جنودها ومسؤوليها إلى مقتضيات القضاء الدولي، وهو الأمر الذي يفسّر اللجوء إلى القضاء البديل عن طريق المحاكم المختصة، وثالث هذه الأسباب أنّ هذا النظام لم يعد يتطابق في نظر البعض مع المتغيرات الدولية والإقليمية الجديدة ومع موازين القوى على الأرض، إذ، وعلى سبيل المثال، ما انفكّت بعض القوى الصاعدة كالبرازيل والسنغال وجنوب أفريقيا ومصر، وكذلك بعض القوى الغربية التي خسرت الحرب الثانية كألمانيا واليابان، تطالب بموقع في العضوية الدائمة لمجلس الأمن، وبدور أكبر على مستوى التأثير في العلاقات الدولية يتماشى مع حجمها الاقتصادي المتصاعد.
 
ولعلّه قبل هذه الأسباب وبعدها تأتي الرغبة والحاجة الصينية في إعادة رسم خارطة النفوذ على المستويات الإقليمية والدولية بما يتماشى وطموحها الاقتصادي الطامح في الريادة دولياً مع اقتراب سنة 2030، وهو الأمر الذي ترفضه بالطبع القوى الدولية الكلاسيكية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
 
ويمثّل المدخل الأساسي للمطالبات الصينية وغيرها كون نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية حاد عن مساره المتوازن، وتحوّل بالتدريج إلى نظام القطب الواحد بزعامة الولايات المتحدة التي فرضت على الجميع وحتى على حلفائها قوانين اللعبة، وهو الأمر الذي لم يقبل به المتنافسون وحتّى الحلفاء، وأمّا المدخل الثاني لهذه المطالبات الجديدة فهو أيديولوجي فكري وسياسي مغلّف بالمسألة الوطنية، فأغلب الدول لم تعد قابلة بالمطلق للإملاءات الغربية التي تضرب في العمق الهويات الوطنية للمجتمعات والدول.
 
يمرّ العالم إذاً باختبار جديد أداته الرئيسية القوّة، وحيث إنّ العلاقات الدولية وبين الدول تحدّد مداها وكنهها موازين القوى على الأرض، يُخشى أنّ المآل سيمرّ حتماً بطغيان عامل القوّة على القوانين والأعراف الدولية السائدة تمهيداً لتغييرها بالتدريج أو دفعة واحدة في حال انفجار الأوضاع، وهو الأمر الذي قد يفسّر نزوع بعض الأطراف إلى فرض أمر واقع جديد على الأرض تضرّر وستتضرر منه عموماً الدول والمجتمعات التي تضعف جبهاتها الداخلية وتحيد بمهامها عن الأجندات الوطنية.