واكتمل المشهد الحزين!... بقلم: د.بسام الخالد

واكتمل المشهد الحزين!... بقلم: د.بسام الخالد

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٢ فبراير ٢٠٢٣

آخر عِلمٍ أفهم فيه هو علمُ الاقتصاد، ذلك لأنني لا أمتلك الملايين ولا أعمل في التجارة ولا البورصة ولم أعرْ هذا الجانب أهمية، طوال عمري لأنني، كمواطن، كنت أعيش مستور الحال وأتقاضى ما يكفيني شهرياً لمعيشتي ولو بالحدود الدنيا.
منذ تفاقم موجة الغلاء المتسارعة  بدأتُ التفكير  بجدية في الموضوع الاقتصادي، على المستويين الشخصي والجماعي، والأعباء المادية المترتبة على كل السوريين منذ بدء الأزمة وتصاعدها المستمر مع سنوات الحرب إلى أن شهِدَتْ الليرة السورية، في الفترة الأخيرة، انخفاضاً حاداً وسريعاً في قيمتها أمام العملة الصعبة لم تعرفه البلاد من قبل،  تجلى في تدهور القوة الشرائية وانعكس على ارتفاع أسعار جميع السلع والمواد، سواء كانت سلعاً رئيسة أو تكميلية، في وقت لا تزال شرائح كبيرة من الشعب السوري تعمل في وظائف الدولة وتتلقى أجورها بالعملة المحلية، التي أصبحت قوتها الشرائية لا تتناسب مع الواقع الاقتصادي مطلقاً.
بعد كل ارتفاع لسعر الصرف تنتقل عدوى غلاء الأسعار إلى معظم محالنا التجارية والخدمية، ولم يعد أي تاجر أو صاحب مهنة أو بقال أو جزار أو خضرجي أو بائع خرداوات، يتعامل مع المواطن إلا بحسب سعر الصرف المتصاعد، وهذا يتم بشكل اتوماتيكي، وكل من هؤلاء يضعون التسعيرة الخاصة بهم دون حسيب أو رقيب، وهنا يجب ألا ننسى الطبيب والمخبري والميكانيكي والنجار والحداد وأصحاب البيوت المؤجرة والكثير.. الكثير غيرهم، من الذين يرفعون أسعار سلعهم وأجورهم وفق سعر الصرف الجديد للدولار وحمى جنونه، مع أن معظم التجار كانوا يخزنون بضائعَ منذ زمن ولم يستوردوا صنفاً جديداً بل احتكروا ما لديهم وأطلقوه صواريخ موجهة في وجه المواطن عند جنون الأسعار، والجميع يقسم أغلظ الأيمان أنه يستورد بالدولار ويدفع إضافات لتخليص بضاعته من الجمارك وتكاليف نقل وشحن وعمولات وأتاوات وغيرها.. فهل يبيع سلعته بخسارة؟!
لقد بات المواطن في حالة انعدام وزن وهو يفكر كيف سيتدبر أمر معيشته اليومية في ظل هذا الغلاء الفاحش وعجز المصرف المركزي عن إيجاد الحلول على الرغم من تدخلاته الخجولة وسياساته الاقتصادية التي لا تسهم في تلبية حاجات السوق، في بلد يعيش تداعيات حرب وأزمة غلاء وحصار غير مسبوقتين، الأمر الذي جعل ما يزيد على ٩٠% من الشعب السوري يعيش تحت خط الفقر.
لنعترف بادئ الأمر أن ثمة نتائج سياسية معاكسة تؤثر على قيمة الليرة السورية، فلعبة تراجعها المقصودة تهدف إلى ضغط سياسي على الحكومة السورية للدخول في تسويات وفق قواعد اللعبة الدولية والإقليمية، فضلاً عن حالات الحصار والعقوبات التي تعيشها البلاد، وترافق ذلك مع ضعف الاحتياط النقدي للعملة الصعبة في خزينة الدولة وتكالُب  التجار على الدولار، وقيام  الحيتان بتهريبه إلى خارج البلاد، والأهم من ذلك ظهور طبقة من الفاسدين وأمراء الحرب وتجار الأزمات الذين أفرزتهم الأحداث، لكن هل هذه هي الأسباب الوحيدة؟!
ثمة أسباب أخرى أهمها: غياب التخطيط الاقتصادي السليم لإدارة الأزمة والتراخي في محاسبة المتلاعبين بقوت الشعب واجتثاث الفاسدين والمفسدين الذين نموا كالفطر على حساب دم المواطن وقوتِه اليومي الذي يحتار كيف يؤمّنه لأسرته بهذا الراتب الذي لا يسد الرمق، ناهيك عن المتطلبات الأخرى وأزمات  الغاز  والبنزين والمازوت وفواتير الكهرباء والماء والهاتف والطبابة وغيرها.. ومع ذلك فالمواطن صابر وينتظر بارقة أمل بفرج قريب ليفاجأ بكارثة الزلزال المدمر وتداعياته المخيفة التي طالت شرائح واسعة من الشعب السوري ليكتمل المشهد التراجيدي الحزين!