عصر فوضى المعلومات.. لا عصر المعلومات.. بقلم: د. منار الشوربجي

عصر فوضى المعلومات.. لا عصر المعلومات.. بقلم: د. منار الشوربجي

تحليل وآراء

الخميس، ١٦ فبراير ٢٠٢٣

ماذا يفعل الأستاذ إذا ما فاجأه طالب في قاعة الدرس بذكر معلومة أو خبر غير صحيح؟
هل يتوجب عليه أن يقول له فوراً: إن المعلومة غير صحيحة، وينتهي الأمر؟ السؤال صار يكتسب أهمية بالغة، في تقديري، وبات لزاماً على الأكاديميين، خاصة المتخصصين في العلوم الاجتماعية والإنسانية، التعامل معه.
ففي عصر بات عنوانه ذلك الكم الهائل من المعلومات، تغيرت بكل تأكيد وظيفة الأستاذ الجامعي، إذ لا يجوز أن يظل دوره مقتصراً على إلقاء المحاضرة التي تحتوي على كم من المعلومات يرى أنه يلزم للطالب أن يعرفها، فقد غدونا إزاء مهمة جديدة، هي إعادة اكتشاف معنى العمل الأكاديمي أصلاً.
فنحن نعيش عصراً يختلف جوهرياً عن العصور السابقة، فهو عصر لم يعد فيه تحصيل المعلومات هو القضية، إذ باتت تنمية العقل النقدي هي الهدف، فمع التطورات المتلاحقة في تكنولوجيا المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي، صارت لمسة الأصبع تنقل الطالب إلى عالم واسع من الفوضى، إذا جاز التعبير، فهو عالم تختلط فيه البيانات والمعلومات الصحيحة والزائفة بالحكايات، كما يختلط الخبر بالأيديولوجيا والرأي، بل وبعدد هائل من نظريات المؤامرة.
وفي خضم كل ذلك، يصعب أحياناً على الشباب معرفة الغث من الثمين وكيفية التفرقة بينهما. أكثر من ذلك، فقد قرأت أخيراً عشرات الأخبار عن برامج إلكترونية جديدة قائمة على الذكاء الاصطناعي، منها ما يستطيع من خلاله الطالب، إذا ما كلفته بالكتابة في موضوع ما، أن يطلب ذلك ببساطة من برنامج إلكتروني، فيتسلم موضوعاً مكتوباً بلغة سليمة وبمنطق معقول، قد يقدمه للأستاذ باعتباره من إنتاجه، فيحصل على الدرجة دون جهد يذكر.
بعبارة أخرى، لم تعد مشكلات العمل الأكاديمي تقتصر على الغش التقليدي والسرقات العلمية، إذ صرنا إزاء أشكال مختلفة من التحايل على الاجتهاد والعمل الجاد. وعلى الرغم من يقيني بأن العقل البشري الذي أنتج مثل تلك البرامج قادر على أن ينتج برامج أخرى تكشف الزيف، فإن تلك ليست القضية التي يواجهها التعليم.
فالتقدم التكنولوجي يضعنا كل يوم أمام تحديات جديدة علينا أن نتناولها بدرجة عالية من المرونة، إذا ما كان الهدف من التعليم هو توسيع مدارك المرء وتسليحه بمهارات تمكّنه من الاستقلال الفكري بما يضمن له حياة كريمة زاخرة بالخبرات التي يحقق فيها ذاته.
ومن هنا، يصبح السؤال: كيف يمكن التعامل في قاعة الدرس مع معلومات يذكرها الطلاب معتقدين أنها صحيحة؟ هل يقول الأستاذ إنها زائفة ثم يعود بالحاضرين بسرعة لموضوع المحاضرة وكأن شيئاً لم يكن؟ الإجابة عندي بالنفي المطلق.
وقد تفاجأ عزيزي القارئ إن مجرد القول: «إن المعلومة زائفة»، هو ببساطة إعادة إنتاج لها يجعلها تتكرر بين الطلاب، وسيتم تناقلها إلى غيرهم، فشبابنا الذي نشأ في عصر فوضى المعلومات سيعتبر نفيك أو تصحيحك للمعلومة مجرد واحدة من معلومات كثيرة متاحة أمامه، وسيعتبر أن بإمكانه أن يؤمن بما قال أو بما قلت أنت.
ولعل الأسلوب الأمثل هو السعي لأن يكتسب الطالب مهارات تمكّنه من أن يكتشف بنفسه مدى صحة المعلومات التي تقع يده عليها، فبدلاً من القول: إن المعلومة غير صحيحة، يحسن أن يحولها إلى مهمة ينفذها كل الطلاب، ويحددها في خطوات. الخطوة الأولى هي البحث عن مصدر المعلومة، ثم التحقق من صدقية ذلك المصدر.
فإذا كانت قد جاءت على لسان شخص ما، يكون المطلوب مثلاً البحث عن مدى إلمام ذلك الشخص وخبرته بالموضوع الذي يتحدث فيه، وقد تكون الخطوة الثانية أن يسعى للحصول على المعلومة ذاتها من مصادر أخرى.
والحقيقة أن تلك الخطوات ليست اختراعاً من عندي، ولست أول من يأتي بها، فهي ببساطة أصول البحث العلمي التي يعرفها القاصي والداني من الباحثين حول العالم. كل ما في الأمر هو أنه في العصر الحالي صار يفرض علينا ألا نلقن المعلومة لطلابنا، وإنما نجعلهم يستخدمونها عملياً ويجربونها بأنفسهم.
* كاتبة مصرية