فخ اللسان.. بقلم: مارلين سلوم

فخ اللسان.. بقلم: مارلين سلوم

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٦ ديسمبر ٢٠٢٢

خشبة المسرح، تلك المنصة التي يقف عليها المطرب ليغني لجمهور جاء خصيصاً لسماعه، هي خشبة قادرة على رفع فنان، وإبراز موهبته بشكل جميل، وقادرة أيضاً على إسقاطه في «فخ لسانه» حين يقرر هذا المغني أن يتحدث ويخاطب الناس بغير لغة الشعر والأغنية؛ ومثل خشبة المسرح أصبحت صفحات السوشيال ميديا تقدم لنا الوجه الآخر للفنان، كلما تحدث وكتب وعبّر عن أفكاره ومشاعره.
حر هو في أن يحب هذا البلد أو ذاك، وحر هو في قول ما يعكس أحلامه ومخططاته وأهدافه، لكن الجمهور حر أيضاً في تصديق ما يسمعه أو لا، وحر في تقييم مستوى الفنان والتعبير عن إعجابه بما يقول أو الانزعاج منه. 
فخ اللسان يقع فيه فنانون كثر، ولا نفهم لماذا يعدون أنفسهم مفوهين جهابذة يصدقهم الجمهور ويصفق لهم، مهما كذبوا أو تفلسفوا أو ضحكوا عليه بكلام يناقض نفسه، فيعرّي جوهرهم؟ وكأن إعجاب الناس بأغنية لفنانة، يمنحها صك اعتراف بذكائها الخارق، وبسذاجة الجمهور!. 
كل من يذهب لحضور حفل لفنان، لا يقف منتظراً لحظة إلقاء هذا المغني أو (المغنية) خطبة عصماء، ليتعلم منها الدرر؛ بل يأتي لأجل الاستمتاع بالأغاني فقط، فلماذا يصر بعض الفنانين على زج أنفسهم في أخطاء تحسب عليهم، وتسحب من رصيدهم؟ 
طبيعي أن يجامل الفنان البلد الذي يستضيفه ويقيم حفلاً فيه، وطبيعي أن يرحب بحرارة بجمهور هذا البلد ويشعره بدفء اللقاء بينهما، لكن من غير الطبيعي أن يصرّح في كل بلد يقيم فيه مدة أو يتعاقد على تقديم مجموعة حفلات فيه أو تسجيل أغان أو إنتاج عمل جديد، بأنه «بلده الثاني» أو بأنه «الحضن الدافئ» وكأنه يولد فنياً (على الرغم من طول مدة عمله وخبرته في هذا المجال) من جديد، وكأن كل الماضي لا لزوم له.. هذا الكلام يسيء للبلد المستضيف، فلن يصدق المسؤولون ولا الجمهور هذا التزلف والتملق، لديهم من الذكاء ما يكفي للتمييز بين صدق المشاعر ورقيّها، والمجاملات وقشور العواطف التي تفتح أبواب «البيزنس»، وتيسر إتمام الصفقات، ولا تفتح قلوب الناس. 
احترام الفنان لكل بلد عربي شقيق هو واجب، واحترام الجمهور واجب، والتعبير عن الارتياح للغناء هنا أو هناك، والعيش في ربوع هذا البلد أو ذاك، هو حق مشروع ونقطة على السطر، أي أنه لا يتطلب مجاملات وتصريحات لا يصدقها أحد؛ وما أكثر من اعترفوا بفضل من ساعدهم في الانطلاق والانتشار في عالم الفن، وهو اعتراف محمود، لكن فئة محددة هي التي تكرر نفس الكلام كل مدة مع تغيير اسم البلد مع مزايدات في التفخيم والتعظيم والتفضيل، وهو ما يجعلهم يصغرون ويصغرون.