الخطوط الساخنة والقناعات الخاطئة.. بقلم: د. أيمن سمير

الخطوط الساخنة والقناعات الخاطئة.. بقلم: د. أيمن سمير

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٦ نوفمبر ٢٠٢٢

يقول المثل اليوناني الشهير «تكلم حتى أراك»، وهو خير دليل على أن الحديث إلى الآخر والتواصل الدائم يجنب الوقوع في «القناعات الخاطئة»، خاصة في أوقات الأزمات والصراعات.
لهذا، نجحت «دبلوماسية الخطوط الساخنة» بين واشنطن وموسكو في منع الانزلاق للحرب الساخنة طوال نحو 70 عاماً من الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، منها على سبيل المثال نجاح «الخط الساخن» بين الكرملين والبيت الأبيض من اندلاع حرب نووية، أثناء أزمة خليج الخنازير أو ما يطلق عليها «أزمة الصواريخ الكوبية» عام 1962، فكيف تنجح الاجتماعات بين الولايات المتحدة من جانب وروسيا والصين من جانب آخر في منع مزيد من الصراعات والخلافات؟
هذه الحكمة كانت وراء الاتفاق على عقد القمة الصينية- الأمريكية في بالي بإندونيسيا على هامش قمة العشرين، إذ التقى الرئيس الأمريكي جو بايدن المنتشي بالأغلبية في مجلس الشيوخ، والرئيس الصيني شين جين بينغ، الذي أصبح في المكانة ذاتها مع الزعيم التاريخي ماوتسي تونغ، بعد أن حصل على ولاية ثالثة في أكتوبر الماضي.
سبب هذه الحكمة ليس فقط أن هذا اللقاء هو الأول وجهاً لوجه بين الزعيمين الأمريكي والصيني، منذ تولي بايدن للحكم في 20 يناير 2021، بل لأن هناك «قناعات خاطئة» كثيرة لدى واشنطن وبكين، فالولايات المتحدة لديها تقديرات ومعلومات تقول: إن الرئيس الصيني يسرع من خطوات ضم تايوان، والسيطرة عليها بالقوة، وفي الوقت ذاته هناك قناعة لدى القيادة الصينية بأن التزام الولايات المتحدة بسياسة «الصين واحدة» بدأ يتراجع مع صفقات السلاح الأمريكية الضخمة لتايوان، والزيارات الرفيعة لمسؤولين أمريكيين لتايبيه، وقد عبر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن «مرتين»، في أكتوبر الماضي، عن اعتقاده بوجود خطة صينية لضم تايوان أسرع بكثير مما كانت تعتقد واشنطن في الماضي، كما أن تقرير شركة «روديوم جروب للأبحاث» بالشراكة مع وزارة الخارجية الأمريكية قال هذا الأسبوع: إن العالم يجب أن يكون مستعداً لمتغيرات اقتصادية هائلة، عندما تحاصر الصين تايوان، وإن هذه الخسائر قد تصل إلى 2.5 تريليون دولار، وقد بدأت الولايات المتحدة وفق صحيفة «الفاينانشيال تايمز» في محادثات مع شركائها الأوروبيين، للتعامل مع تداعيات الضم الصيني «وفق القناعات الأمريكية»، وكل هذا يعطي أهمية خاصة للقاء الرئيسين بايدن وشي جين بينغ، فلا أحد يخسر من اللقاءات والتواصل، وفي أسوأ الأحوال تسهم الاجتماعات خاصة المباشر منها في توفير مساحة من الثقة تمنع الاندفاع نحو «حافة الهاوية».
نيوستارت
من الزاوية ذاتها والمنطلق نفسه تراجعت الولايات المتحدة عن موقفها السابق بعدم الحوار مع موسكو حول اتفاقية «نيوستارت»، التي تهدف لتمديد اتفاقية منع نشر وتطوير الصواريخ الاستراتيجية إلى ما بعد عام 2026، فقد اتفقت واشنطن وروسيا لأول مرة منذ بداية الحرب الأوكرانية- الروسية على إرسال وفدين للتفاوض في القاهرة نهاية الشهر الجاري، بهدف استعادة الثقة في الاتفاقية، التي وقعها الرئيسان السابقان، الأمريكي باراك أوباما، والروسي ديمتري ميديفيدف لأول مرة في 5 فبراير عام 2011، وتنص على تخفيض امتلاك البلدين للرؤوس النووية بنسبة 30 %، وتخفيض وسائل إطلاق تلك الرؤوس بنسبة 50 %، وهي اتفاقية ستكون لتجديدها أهمية خاصة في ظل التهديدات النووية المتبادلة بين روسيا وحلف الناتو، لا سيما أن هناك طرحاً في تلك المفاوضات، يقوم على استئناف التفتيش على المنشآت النووية، التي بها تلك الأسلحة، حتى يتأكد كل طرف من الالتزام الكامل والأمين من جانب الطرف الآخر بكل بنود الاتفاقية.
باب الحوار
لا شك في أن لقاء بالي بين الرئيسين الصيني والأمريكي والمحادثات النووية حول اتفاقية «نيوستارت» سوف تفتح باب الحوار وبناء الثقة بين أقطاب العالم الثلاثة، وهو الأمر الذي يؤكد من جديد أن طاولة المفاوضات قادرة على وقف تداعيات «القناعات الخاطئة».