هل القيادة أزمة الغرب؟!.. بقلم: محمد خلفان الصوافي

هل القيادة أزمة الغرب؟!.. بقلم: محمد خلفان الصوافي

تحليل وآراء

السبت، ٢٩ أكتوبر ٢٠٢٢

قد لا يكون شيء أبلغ تعبيراً مما يحدث في الغرب من القول إنه يعاني أزمة قيادة، ويمكن الاستدلال على ذلك من عمليات تغيير الحكومات في أوقات قصيرة، ومن حالات الاحتجاجات التي تكاد تكون عامة تشمل كل الغرب، ومن تصريحات لا تعبر عن الثقافة الحضارية والمستوى الإنساني الذي عرفه العالم عنهم، وكان محفزاً لأن يكون الغرب المكان المناسب للهجرة والعيش.
سوف تبقى تداعيات تغير الحكومة البريطانية، في 44 يوماً، باقية لمدة طويلة من الزمن. وقد تأتي حكومة أسرع استقالةً من حكومة ليز تراس. ولكن سيبقى ذلك سابقة في واحدة من أكثر دول العالم استقراراً في نظامها السياسي.
وستبقى صورة الولايات المتحدة في ذاكرة التاريخ السياسي وهي تتخبط في سياساتها الخارجية، وتتراجع عن مكانتها، وتهدد حلفاءها، وتفاقم الأزمات في العالم، من خلال دعمها لما كان يطلق عليه «الربيع العربي»، ثم محاولة استدراج روسيا في أوكرانيا، والصين في تايوان، وكأنها تستعجل الحرب العالمية الثالثة.
وقد يأتي في هذه المحنة التي يعيشها الغرب من يعيد ترتيب أوضاعها سواءً بعد فوز، ريشي سوناك، ذو الأصول الهندية، برئاسة الحكومة البريطانية، أو من خلال الانتخابات النصفية الأمريكية -المنتظرة- في الثامن من نوفمبر المقبل.
والتي قد تمهد لظهور شخصية قيادية تعيد للولايات المتحدة هيبتها. وربما نتفاجأ في قمة العشرين (جي 20) في جزيرة بالي بأندونيسيا منتصف نوفمبر المقبل، مستذكرين تلك العلاقة التي ربطت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالرئيس الأمريكي الأسبق بوش الابن في 2001، وتنفرج هموم العالم، بعد أن عانى بسبب فشل القيادات الغربية في إدارة أزماتها.
إن محاولة استغلال الغرب أزمة الطاقة المقرونة بخطأ ارتكبته قياداتها بتهييج الحرب الروسية-الأوكرانية كذريعة لنيل شهادة البراءة من فقدانها القدرة على إقناع شعوبها بأن ما تفعله سيحقق لها الاطمئنان والاستقرار لن يفيدها. فإذا كانت أوروبا كلها تشهد مظاهرات تطالب بزيادة الأجور لتغطية نفقات غلاء الأسعار، فإن الفرنسيين بدؤوا يطالبون بالخروج من حلف «الناتو» والتركيز على الدبلوماسية لمعالجة الأزمة الأوكرانية.
القائد دائماً لديه شيء مختلف يمكن أن يفاجئ فيه العامة من أجل تحقيق نتائج سياسية أفضل خاصة أثناء الأزمات. قد تكون بريطانيا وحزب المحافظين تحديداً فاجأوا العالم باختيار شخصية من غير ذوي اللون الأبيض ليكون رئيساً للحكومة الجديدة.
وقد يكون الإيطاليون هم الآخرون اختاروا طريقاً مختلفاً بانتخاب زعيمة حزب يميني ذي جذور فاشية، جورجيا ميلوني، لتخرجهم من الأزمة، وربما فرنسا أدركت أخيراً أن الولايات المتحدة تكيل بمكيالين في الغاز القادم من واشنطن. هذا المشهد قد يزداد مع مرور الأيام.
هناك جدل افتعله الغرب في السبعينيات من القرن الماضي حول تسييس النفط، تصاعدت وتيرته أخيراً ودفعت بأن يطالب بعضهم بإعادة تقييم العلاقات الأمريكية الخليجية (المملكة العربية السعودية تحديداً). فالذي يبدو واضحاً أن الغرب مثلما أنه لم يدرك حالة التغيرات الداخلية فيه، لم يدرك أيضاً بأن دول الشرق لها قيادات طموحة ولها رؤيتها للعالم ولديها الكاريزما السياسية التي تستطيع إقناع شعوب العالم، وليس شعبها فقط، بما تفعله.
الفكرة المحورية هنا، أن بعض القرارات التي اتخذتها القيادات السياسية الغربية، سواءً بمفردها أو تحت ضغط الإدارة الأمريكية، التي لديها استراتيجيها الكونية، تسببت في خلق أزمات داخلية، وبدلاً من بذل جهود حقيقية لإعادة صياغة السياسات بما يتناسب ومصلحتها الوطنية والاستقرار العالمي في النهاية، انجرت إلى ملفات أخرى تستمر الإدارة الأمريكية الديمقراطية في خلقها، ما زاد من توسعة رقعة الأزمات في العالم.
القائد الحقيقي (ممثلة في الشخص أو الدولة)، هو من تكون لديه القدرة على خلق شعبية في قراراته السياسية، وكذلك جذب المختلفين للوصول إلى الوسط بدلاً من دفع كل واحد إلى الزاوية، وعندما يفتقد القائد ذلك، فعلى الجميع أن يقلق لأنه يقود إلى أزمة أخطر.