7 أيام هزّت المملكة المتحدة.. بقلم: جورج باركر

7 أيام هزّت المملكة المتحدة.. بقلم: جورج باركر

تحليل وآراء

الأحد، ٢ أكتوبر ٢٠٢٢

في صباح يوم الاثنين الماضي، وبينما كان الجنيه الإسترليني يتراجع على نحو حاد، وكانت أسعار الفائدة تقفز في البنوك البريطانية، قررّت رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة، ليز تراس، أن تلتزم بموهبتها الجوهرية، وهي: ألا تفعل شيئاً.
وبحسب تصريح لأحد أعضاء فريق العمل الذي يتبع تراس داخل مجلس الوزراء البريطاني: «كانت هناك فوضى في الأسواق، إلا أن الحالة المزاجية التي كانت سائدة داخل «10 داونينغ ستريت»، ويا للعجب، هادئة».
كان ذلك يحدث بينما المستثمرون، رجال الأعمال وكافة الأوساط المالية في بريطانيا، تنتقد بقسوة، سياسة الخفض الكبير في قيم الضرائب، والتي كشفت حكومة تراس النقاب عنها قبل اندلاع الأزمة بثلاثة أيام، بل إنها كانت السبب الرئيس وراء اندلاعها.
وأضاف عضو فريق العمل، والذي رفض الإفصاح عن اسمه: «كانت تراس تعقد اجتماعات حول مجموعة من الأمور التي ليس لها أي علاقة على الإطلاق بالأزمة».
وفي خضم ذلك كله، كان العديد من المستثمرين المخضرمين في كافة أنحاء لندن، يعانون صعوبة بالغة في تصور كيف ستنجح حكومة تراس في تدبير مصادر بديلة للتمويل، بعد هذا الخفض الهائل في قيمة الضرائب المفروضة، والتي قدّرته الحكومة في إعلانها الأول عنه بمبلغ 45 مليار جنيه إسترليني. وبدأ البعض يشم رائحة بوادر انهيار مالي في بريطانيا.
ويقول لوك هيكمور مدير استثمارات الدخل الثابت لدى شركة «ابردن» الأسكتلندية العالمية الشهيرة للاستثمارات، والذي ظل يستثمر لمدة 21 عاماً في السندات التي تُصدرها الحكومة البريطانية، إنه كانت هناك فترات خلال يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، كان لا يوجد فيها مشترون يشترون سندات الدين الصادرة عن «بنك إنجلترا»، نيابة عن الخزانة البريطانية، والمعروفة أيضاً باسم «الأوراق المالية ذات الحواف المذهبة»، أو «السناج القصيرة».
وقال هيكمور: «لم أرَ في حياتي مُطلقاً شيئاً كهذا». وأضاف: «حتى في خضم الأزمة المالية الشهيرة التي اجتاحت العالم في عام 2008، وبرغم عنفوانها وقسوتها، إلا أنه كانت هناك دوماً سوق، وكان ثمّة مشترين للأوراق المالية ذات الحواف المذهبة».
وبحلول يوم الأربعاء الماضي، أدّت حالة التقلب الشديدة التي سادت أسواق السناج القصيرة، إلى تعرض بعض صناديق التقاعد لأزمة في السيولة، فاضطر «بنك إنجلترا»، إلى إطلاق خطة للتدخل العاجل بقيمة 65 مليار جنيه إسترليني. لقد كان البنك المركزي مُجبراً في واقع الأمر، على إنقاذ الاقتصاد البريطاني من تداعيات الخطوات التي اتخذتها الحكومة البريطانية نفسها.
ومن المفارقات، أن تراس سُئِلَت في إحدى المُقابلات الصحافية قبل اندلاع الأزمة بأسبوعين فقط: «هل أنتِ مستعدة لمواجهة موقف تكونين فيه فاقدة للشعبية؟»، فكانت إجابتها: «نعم، أنا مُستعدة». وتبيّن أنها كانت صادقة في إجابتها، وتعنيها تماماً، فها هي في حالة من تراجع أسهمها السياسية على نحو حاد ومتسارع، يبدو أشبه بالسقوط الحر، بعد أن تسبب قرار واحد منها، في فوضى عارمة، هزّت الأسواق البريطانية على مدى أسبوع كامل، وقفزت أسعار الفائدة، بينما صندوق النقد الدولي، يوجه إلى الحكومة البريطانية، بسبب سياساتها الاقتصادية، تقريعاً علنياً لاذعاً.
وبحسب نتائج استطلاع للآراء، أجرته شركة «يوغوف» البريطانية الشهيرة للبيانات، يوم الأربعاء الماضي، تفوّق «حزب العمال» على «حزب المحافظين» بفارق 17 نقطة، وهو أعلى فارق يتفوق به حزب معارض في بريطانيا على نظيره الحاكم، في استطلاع رأي، منذ عقدين.
وبحلول يوم الخميس، كان الفارق قد توسّع بقيمة الضعف تقريباً، في غضون يوم واحد فقط، فارتفع من 17 إلى 33 نقطة. وفي أثناء خضوعها لدورة مؤلمة نفسياً من الحوارات التي أجرتها معها إذاعات محلية بريطانية، للاستفسار منها عن الأزمة، سُئِلَت تراس: «هل نمتِ جيداً؟».
وقال أحد وزراء حكومة تراس: «إنها نُكتة أننا جميعاً نقول: «الأمور تمضي على نحو جيد، أليس كذلك؟ لقد بلغنا بالفعل مرحلة الكوميديا السوداء». ربما جاء يوم الجمعة الماضي ببعض الأمل في التوقف لالتقاط الأنفاس، وإن كانت عائدات السندات ظلت مرتفعة على النحو الذي رفع كُلفة الإقراض على الشركات ومالكي البيوت، إلا أن الإسترليني تعافى.
وعاد إلى مستوى يقترب من مستواه قبل إعلان حكومة تراس، مُمثّلة في وزير الخزانة، كواسي كوارتينغ، عن خطة تراس لخفض الضرائب. المُضحك أنه بعد الأزمة، ورغم ما تسببت فيها من تداعيات سلبية، فإن تراس وكوارتينغ، ما زالا مُصرين على صواب سياستهما، ويُصران على التزامهما بها، وبأنها ستعزز معدلات نمو الاقتصاد البريطاني.
ولكن بغض النظر عن أسباب حدوث هذه الأزمة، وأسباب النجاح في اجتيازها، إلا أنها تطرح ثلاثة تساؤلات. التساؤل الأول: كيف يجد اقتصاد كبير ينتمي إلى مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، كالاقتصاد البريطاني، نفسه في هذه الحالة المُرعبة؟ كيف انتهى الحال بحزب المحافظين، وهو في مواجهة مع سوق السندات؟ وأخيراً، السؤال الثالث: كيف يُمكن حل هذه الأزمة؟.
* كاتب وصحافي سياسي لدى صحيفة «فاينينشال تايمز» البريطانية
المقال منشور في «فاينينشال تايمز»