ربيع أوروبا «القارس».. بقلم: هديل علي

ربيع أوروبا «القارس».. بقلم: هديل علي

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٢

يبدو أن الربيع السياسي القاسي يطرق البوابة الأوروبية بقوة مع اقتراب فصل الشتاء، وأصوات الباريسيين بدأت تعلو على أصوات المدريديين، فغلاء الأسعار والتضخم أنهك الشعوب الأوروبية اقتصادياً، ليصل ارتفاع الأسعار إلى لقمة الخبز في ألمانيا، حيث تعد المخابز من القطاعات الصناعية المتضررة بشدة جراء ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، والتي لم تعد تنفع معها إجراءات الادخار في مواجهة الأزمة الوجودية، وخاصة أن الأفران تعمل على الغاز في حين ترتفع أسعار الغاز بشكل كبير، كما أن الطحين والزيت المكونين الرئيسين للخبز هما من بين أكثر المواد تأثراً بالعقوبات المفروضة على روسيا.
العديد من الدول الأوروبية شهدت خروج متظاهرين ينددون بسياسات حكوماتهم الداعمة لبقاء الحرب في أوكرانيا على حساب مطالبهم المعيشية، ويرفضون سياسة الاتحاد الأوروبي الاقتصادية والمالية وحتى السياسية ويتساءلون عن سبب إقحامهم بالأزمة الأوكرانية التي يعرفون أن لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
في العاصمة الفرنسية باريس خرجت تظاهرة نظمتها حركة السترات الصفراء ضد سياسة العقوبات التي فرضتها الدول الأوروبية على موسكو، في الوقت الذي تسعى فيه حكومة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتهيئة مواطنيها إلى الاستعداد لعصر جديد من التقنين، وأيضاً في العاصمة الإسبانية مدريد خرجت تظاهرات احتجاجاً على عدم فعالية الإجراءات الحكومية، مطالبة بزيادة عادلة للأجور كرد على ارتفاع المواد الغذائية والطاقة نتيجة لآثار العقوبات المفروضة على روسيا.
السياسات المالية المرتكبة جعلت البنوك المركزية تذهب بعيداً في رفع أسعار الفائدة بحجة استعادة استقرار الأسعار، وهي تغض النظر تماماً عن نصائح اقتصاديين مخضرمين على رأسهم موريس أوبستفيلد، كبير الخبراء الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، والذين يعتقدون أن البنوك المركزية تبالغ الآن في إجراءاتها لرفع أسعار الفائدة، وأن نتيجة كل هذا التشديد ستؤول إلى ركود عالمي، لتتطابق تلك المخاوف مع أخرى أعرب عنها البنك الدولي.
إجراءات البنوك لن تفيد، وخاصة مع اضمحلال الصناعة التي هي أس الاقتصاد في الاتحاد الأوروبي، وهو أمر عبرت عنه صحيفة «جلوبال تايمز» التي قالت: «فيما تعمل واشنطن على إطالة أمد النزاع في أوكرانيا، تعاني أوروبا تقهقر قطاع الصناعة الذي يعاني ارتفاع أسعار الطاقة والتضخم».
أزمة الطاقة الحالية تشكل تهديداً حقيقياً للصناعة في أوروبا، وهي عاجزة عن مساعدة نفسها، فهي تأتمر بالأوامر الأميركية وليس لها من أمرها شيء، وستبقى في صمتها وهي تواجه ارتفاعا غير مسبوق في أسعار الطاقة ومعدلات تضخم تاريخية نتيجة للعقوبات ضد روسيا، والعقوبات الجوابية التي ردت بها موسكو.
إن ارتفاع أسعار حوامل الطاقة أفقدت الصناعة في أوروبا إلى حد كبير العديد من مزاياها، ما بدأ يؤثر على قطاعات أخرى في الاقتصاد، والحلول واضحة ويعرفها الساسة في أوروبا فلا ملاذ لهم سوى التوبة والعودة إلى أحضان موسكو الدافئة، لأن الجوع والبرد سيظهر من داخل الإنسان الأوروبي المتحضر، وهو الوجه الآخر الذي شاهدناه في بلدان أخرى.