الروتين في الميزان.. بقلم: د. راكان عبدالعزيز الراوي

الروتين في الميزان.. بقلم: د. راكان عبدالعزيز الراوي

تحليل وآراء

الأحد، ٢١ أغسطس ٢٠٢٢

الروتين مصطلح متداول بين الناس يستخدم للدلالة على الأعمال والسلوكيات المتكررة بشكل رتيب ومستمر. حالة التكرار التي تقترن بالروتين عادة جعلت منه مصطلحاً سلبياً يتم ربطه بمشاعر الضيق والملل، الأمر الذي جعل النشاطات والتصرفات الروتينية غير محببة لدى كثير من الأفراد، سواء تعلق الأمر بالمجال الوظيفي، أو المجال الاجتماعي العام. 
السؤال المهم في هذا المقام، هل يعد الروتين أمراً سلبياً ومملاً بالمطلق أم أن هناك بعداً آخر للروتين يمكن أن يجعله أمراً طبيعياً ومقبولاً؟ الإجابة عن هذا السؤال تقتضي منا الالتزام بالموضوعية والحيادية، مع أهمية التخلص من الفكرة النمطية السائدة عن الروتين التي تصفه بالسلبية. ذلك أنّ للروتين وجهين، أحدهما إيجابي وطبيعي، والآخر سلبي يدعو إلى الملل. 
المتأمل في مسيرة البشر عموماً، سيجد أن الروتين يمثل ركناً أساساً في حياتهم اليومية، وبعض الأعمال الروتينية يمكن النظر إليها بوصفها جزءاً لا يمكن الاستغناء عنه، لكونها تعبر عن سلوك أو نشاط نظامي محمود، ينبغي التمسك به، والمحافظة عليه قدر الإمكان؛ لأن التنازل عنه قد يوجد حالة من الفوضى وعدم الاستقرار. بهذا الشأن يمكننا ضرب مجموعة من الأمثلة الإيجابية عن الروتين، كما يأتي: 
أولاً: ضبط الإنسان لتوقيت الخلود إلى النوم ليلاً، والاستيقاظ صباحاً، يعد سلوك روتيني جيد، يمكن أن يؤثر بشكل إيجابي على الجانب الصحي، ويحافظ في الوقت نفسه على مستوى عالٍ من النشاط، يجعل الفرد مقبلاً على أداء أعماله اليومية بكفاءة وفاعلية. 
ثانياً: تحديد الطالب ساعات معينة للمذاكرة في المنزل، يعد مدخلاً روتينياً إيجابياً، يمكن أن يؤدي إلى رفع المستوى العلمي، وتحسين درجة فهم واستيعاب المواد الدراسية. 
ثالثاً: تخصيص الأب يوماً أو يومين في الأسبوع للعائلة، يعد نظاماً روتينياً جيداً، ذا انعكاسات إيجابية على طبيعة علاقة ولي الأمر بأفراد أسرته. 
رابعاً: ممارسة الرياضة يومين في الأسبوع، مع تناول كميات محددة من الماء، تعد سلوكيات روتينية تستهدف المحافظة على صحة جسم الإنسان على وجه العموم. 
خامساً: قراءة 5 صفحات في اليوم، من كتاب في مجال التخصص المهني، أو كتاب ثقافي عام، يعد توجهاً روتينياً مميزاً، يمكن أن ينعكس على أداء الفرد لعمله، ويؤثر بالإيجاب على مستوى تفكيره العام. 
الأمثلة السابقة، وغيرها كثير تثبت وجود بعد إيجابي لمصطلح الروتين. أين تكمن المشكلة إذن؟ يمكن القول بأن مشاكل الروتين تظهر في حالتين، الحالة الأولى عندما تصبح الممارسات الروتينية أهدافاً بحد ذاتها، إذ إن النشاطات الروتينية ينبغي التعامل معها بوصفها وسائل وأدوات لتحقيق أهداف. مثلاً أداء أعمال روتينية في المؤسسات لا تُعد أهدافاً بحد ذاتها، بل هي أدوات للوصول إلى أهداف محددة، يأتي في مقدمتها إرضاء المتعاملين، وإشعارهم بالسعادة. أما الحالة الثانية فإنها تتمثل بتحوّل الأعمال الروتينية إلى قوالب جامدة لا تقبل التغيير ولا التعديل، إذ أن العمل الروتيني – حتى وإن كان إيجابياً – فإنه يستلزم إعادة النظر فيه بشكل مستمر؛ بهدف التطوير والتحسين. ممارسات الآيزو المرتبطة بضبط جودة الأعمال الإدارية، تعد نشاطات روتينية جيدة، لكنها بالتأكيد تحتاج إلى مراجعة بين فترة وأخرى؛ بهدف تحسينها، الأمر الذي يمكن أن يتم من خلال ترسيخ نقاط القوة التي تتمتع بها، إلى جانب معالجة نقاط الضعف التي تعاني منها. 
ختاماً نقول، الروتين سلاح ذو حدين، أحياناً يكون إيجابي، وأحياناً أخرى يصبح سلبياً. المسألة تعتمد على طبيعة الأفراد المطبقين للأعمال والنشاطات الروتينية، فضلاً عن الدور الذي يمكن أن تؤديه الظروف والمتغيرات السائدة في البيئة المحيطة.