لماذا العراق؟.. بقلم: جمال الكشكي

لماذا العراق؟.. بقلم: جمال الكشكي

تحليل وآراء

السبت، ٦ أغسطس ٢٠٢٢

الأحداث الجارية قطعاً تتصل بأحداث ماضية، تراكمت وتشابكت وتقاطعت، حتى صارت جزءاً من مكونات المشهد السياسي العراقي.
الحسابات هنا في بغداد باتت مغايرة، التقديرات خلال الفترات الأخيرة، لم تعد هي التقديرات ذاتها، كان العراق على بعد أمتار قليلة من الصمود والثبات واستعادة اللياقة الوطنية لكل أبنائه، ومكوناته المتعددة، كاد يقترب من شكل الدولة الوطنية الحديثة الجامعة، التي تسع جميع أبنائها، وتنتقل به من العراق الساحة إلى العراق الدولة، لكن ثمة أياد خفية، حاولت استدعاء العبث من جديد، اللحظة فارقة، والخطر ليس قليلاً، واليقظة الوطنية باتت خياراً وحيداً، لا يحتمل العراق رفاهية تجارب جديدة متشابهة، فقد اكتوى بنيران المظالم السياسية، والحروب الخارجية، ووصولاً إلى معركة الإرهاب، التي كادت تخطف وتسيطر على العراق أرضاً وشعباً، وما إن استطاعت بغداد هزيمة هذا الإرهاب، وبدت في طريق الاستقرار، حتى عادت أجواء صناعة الفوضى من جديد، في محاولة لاستئناف سيناريوهات صورة طبق الأصل من الفوضى التي عاشتها بعض العواصم العربية طوال العشرية الأخيرة.
ربما يتساءل البعض.. لماذا العراق؟
هنا الإجابة الكاشفة، فالعراق يمثل نفوذاً وسلطة «جيو سياسية» و«جيو اقتصادية»، فبالنسبة للنفوذ الأول، فإن العراق يمثل بوابة حقيقية للحدود العربية مع القوى الإقليمية المجاورة، كما يمثل الجسر الحضاري للعلاقات العربية مع العالم الخارجي، لاسيما الجناح الآسيوي، ومن ثم فإن اختراقه يمثل تهديداً للقلب العربي، وأن عدم استقراره سينعكس على بقية الجسد العربي، الذي هو مستهدف في المقام الأول، فمن ينظر إلى موقع العراق على الخريطة، سيتأكد له أننا أمام مشهد خطير تتم صناعته الآن، بهدف إعادة رسم خريطة المنطقة، بعد أن فشلت محاولات ما يسمى بالربيع العربي، وليس خافياً على أحد أن الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، كان تمهيداً لسلسلة من الوقائع والأحداث، التي شهدنا بعضها خلال السنوات الأخيرة، لكن يبدو أن السلسلة لا تزال مستمرة، فرائحة المختبرات تفوح بتجهيزات جديدة، ومن ثم فإن الموقع الذهبي للعراق، وما يمثله من عمق «جيوسياسي»، يجعله هدفاً رئيسياً في معادلة الإرباك في الإقليم.
أما العراق كقيمة «جيو اقتصادية»، فلا شك أنه واحد من أغنى وأثرى دول العالم، من حيث موارده الطبيعية من نفط وغاز وطاقة ومعادن وزراعة، وثروات بشرية، وبالتالي فإنه هدف ومطمع لقوى إقليمية ودولية، ترغب في السيطرة على موارد العراق، وتهدف أيضاً إلى إعادة خلط الأوراق، التي كانت قد اقتربت بشكل حقيقي من الترتيب وتحديد الملامح.
لا أحد ينكر أن العراق خلال الفترة الأخيرة، لعب دوراً كبيراً في استعادة دوره، كبلد مؤسس في جامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والعضو في دول عدم الانحياز، والعضو في الأمم المتحدة، وأيضاً العراق الذي عرفناه ثقافياً وحضارياً، يمتد تاريخه إلى آلاف السنين، فقد كان طوال الفترة الأخيرة له دور في تقريب وجهات النظر بين قوى عربية، وإقليمية مجاورة، ومد الجسور مع أشقائه في مصر والأردن ودول الخليج، واستطاع أن يسجل حضوراً دولياً عالمياً، من خلال مشاركته الفاعلة في عدة قمم دولية وإقليمية.
إذن نحن أمام عراق يمثل رقماً مهماً في خريطة المستقبل العربي والإقليمي، وهذا يدفعنا إلى ضرورة الانتباه لما يجري في هذا البلد العربي المهم، والعمل على منع انزلاق العراق إلى مشاهد فوضوية تعيده إلى الخلف، وإعطاء الفرصة كاملة للشعب العراقي للتعبير عن طموحاته وأحلامه وآماله، في العراق الذي طالما تمناه، عراق الدولة الوطنية، الآمنة المستقرة، الحاضنة لكل أبنائها المتنوعين، وأيضاً ضرورة الحفاظ على الأمن القومي العراقي، وحماية وصون موارده التي يتميز بها عن غيره، وتأكيد استقلاله السياسي والجغرافي، ومنع أية تدخلات خارجية، تريد تمزيق وتشويه الصورة التي منحها التاريخ، وأكدتها الحضارة العراقية المتعددة.
أخيراً أقول: إن ما يشهده العراق الآن يحتاج إلى مزيد من التضافر العربي، والحكمة في تفكيك التعقيدات المتزايدة، والتماسك الوطني بين أبناء العراق، فالخطر ليس على العراق وحده، بل إن الخطر الحقيقي على الإقليم بأكمله.